صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: مستقبل البلاد بين خيار المغالبة…وخيار التسويات

slama
كتب: نوفل سلامة

في سياق الصعوبات المختلفة التي تعيش على وقعها البلاد، وفي سياق المعوقات التي تكبل انطلاقتها المنشودة بعد أن تواصلت لأكثر من عشرية من الزمن تتالت عليها عدة حكومات عرفت جُلّها الفشل في إدارة الحكم وإدارة الاختلاف…

يطرح البعض حلا ومخرجا لحالة العطالة ووضع العطوبة خيار إجراء ‘تسوية تاريخية’ تقوم بها جميع المكونات الفاعلة من منطلق ما تفرضه قوانين الاجتماع السياسي الذي يقضي لضمان العيش المشترك توفر قدر من التسويات ليس بغاية تدوير الزوايا وتعويم الإختلاف وإنما التسوية التاريخية المطلوبة هي عقد اجتماعي أو ميثاق اجتماعي يتفق عليه الفرقاء…

الحد الأدنى

وتقوم هذه التسوية التاريخية على ما يسمى بالحد الديمقراطي الأدنى أي السقف السياسي والاجتماعي الذي لا يمكن أن ننزل دونه أو نختلف عليه، وهذا الحد الديمقراطي الأدنى الغاية منه ضمان الوجود والأمن والتعايش بين جميع مكونات المنتظم السياسي والاجتماعي والتعاقد على بنود برنامج اقتصادي مشترك يمثل الحد الذي يحرك عجلة التنمية ويحقق النمو الاقتصادي.

خيار فاشل؟

يأتي هذا المقترح في سياق فشل تجربة المغالبة وفشل فرض الوجود بالقوة خارج إطار التسويات حيث أثبتت التجربة السياسية إلى حد اليوم أنه ليس هناك أي طرف قادر على إلغاء الآخر، ولا الحكم بمفرده مهما توفرت له من أسباب القوة الشرعية والغلبة ومن مقومات التمكين، فالتنافس على إلغاء الخصم قد اتضح أنه خيار فاشل كلفته كبيرة، قد أوقع البلاد في مسار من تهميش الحياة السياسية وترذيل السياسيين وتعفين المشهد برمته…
والأهم من ذلك التراجع عن مسار الإنتقال الديمقراطي وتعطل الإصلاحات التي تحتاجها البلاد لإنعاش الاقتصاد الوطني.

التسويات المقترحة مخرجا من حالة الانسداد وحالة التوقف عن الحركة وحلا للخروج من حالة الحيرة والقلق وحالة اللا يقين التي عليها الجميع ليس المقصود منها الذهاب نحو تقديم التنازلات، ولا تعني غض الطرف على الاختلافات الأيديولوجية ولا المعني بها إنجاز التوافقات، وإنما التسويات المقصودة هي التي تكون ركنا من أركان قانون السياسة المدنية الذي يوفر مجالا للعيش المشترك و الاتفاق على قدر من المشتركات الضرورية حتى نجنّب البلاد الهزات وتكون منصة لإنقاذ المشروع الوطني الذي يبدو اليوم متهالكا و في حالة موت سريري من أجل تحقيق الحرية والتنمية والرفاه الاجتماعي المنشود والحلم الذي آمن به الجميع بعد الثورة..

الترضيات والتسويات؟

المشكل الذي يعترض هذه المقاربة يلامس الجهاز المفاهيمي المستعمل والمعجم الذي استند عليه هذا الخطاب وهو تحد يتعلق بمعرفة الحد الفاصل بين مفهوم التسوية والترضية والتوافق والتنازل؟
ومعرفة عناصر هذه التسويات المتفق عليها ومن يحددها؟ ومعرفة الجهة التي سوف تولى إجراء هذه التسويات؟ ومعرفة ماهية التسويات التي يقبل بها الجميع من دون التخلي على قدر من الخصوصية والذاتية؟
والسؤال الأهم هو معرفة هل مازال هناك مجال لمثل هذه الحلول الوسطية؟ وهل ما زالت مثل هذه الأفكار مقبولة عند الشعوب التي نراها اليوم تعود بقوة نحو الأفكار الراديكالية الرافضة للترضيات والتسويات؟
وأخيرا ما هي مقدمات النجاح لهذا التصور حتى ننتهى مع حالة الاحتراب والتجاذب السياسي؟ و هل وفرنا الأرضية والقاعدة المناسبة لهذه التسوية التي يمكن أن تحقق العيش المشترك ؟
المشكل الثاني في هذا الطرح والذي قد لا نجد حوله إجماعا أنه يقوم على خطاب يربط مسألة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يحقق عملية الإقلاع والتقدم بوجود توافق سياسي يتم التوصل إليه بعد حوار مجتمعي بين كافة الطيف السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وهذه مسألة في غاية الأهمية للصعوبة التي نجدها في بلوغ هذا التوافق بين هذا المكون المتناقض والمتناحر والمثقل بصراعات قديمة تعود إلى أيام الدراسة الجامعية وزمن المد الثوري الطلابي وهي روح لا تزال تتحكم في عقل وسلوك جيل كامل نراه اليوم في الحكم أو في المعارضة، صعوبة أن يتوافق هذا المكون وهذا الطيف السياسي على جملة من الأساسيات والمقدمات والخيارات التي يقبل بها الجميع ويتراضون عليها كحد أدنى تحتاجه البلاد.

حلم التسويات

المشكل الآخر الذي يمنع من تحقق حلم التسويات من أجل إنقاذ البلاد هو عدم وجود طبقة سياسية قابلة بهذه الفكرة ومؤمنة بهذا المشروع مع غياب الثقافة الديمقراطية عند طيف كبير من الطبقة المفكرة والمثقفة المؤمنة بثقافة التعايش مع الاختلاف وفي الاختلاف.. المشكل أنه لدينا طبقة مثقفة تدعي الحداثة والتقدمية وترفع شعارات ديمقراطية وهي في الأصل تريد أن تلقي بغيرها خارج الوطن .. طبقة مثقفة ما زالت تعيش على أفكار قديمة وتحلم بدولة يحكمها العمال وديكتاتورية البروليتاريا وصراع الطبقات محركا للتاريخ، والديمقراطية عندها تعبيرة بورجوازية ونظرية العنف الثوري وغير ذلك من الشعارات التي تخلت عنها الإنسانية وأصبحت من الماضي.
هذه كلها أسئلة مشروعة وتجد قابليتها عند جانب كبير من الشعب التونسي وحتى عند الرأي العالمي الذي لم يعد يقبل بمثل هذا النهج في الحكم وهذه الأفكار في إدارة الشأن العام وإدارة الاختلاف…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى