كتب: نوفل سلامة
كتب الأستاذ نوفل سعيّد الأستاذ الجامعي وشقيق رئيس الجمهورية الذي شغل منصب مدير الحملة الانتخابية في الرئاسية نصا باللغة الانقليزية على غاية من الأهمية في نظرنا، لكونه تضمن أفكارا تحتاج أن نتوقف عندها وقضايا فكرية تتطلب أن ننتبه إليها لمناقشتها لقيمتها المعرفية وعلاقتها بالواقع وما يحدث فيه من تحولات…
مشروع 25 جويلية
هذا النص اختار له صاحبه عنوانا مثيرا ” فيم العرض السياسي للرئيس قيس سعيد مفيد لتونس؟ أو لماذا يعتبر مشروع 25 جويلية مفيدا للبلاد؟ ويطرح ضمن هذا النص فكرة أساسية هي الأزمة الهيكلية للنخبة والأزمة العضوية للنخبة التونسية التي كانت حسب رأيه سببا أو من كان وراء ما حل بالبلاد من قيام ثورة على نظام حكم الرئيس بن علي، وما حصل بعد عشرية كاملة من تجربة الانتقال الديمقراطي من حراك شعبي افضى إلى إنهاء حكم من جاؤوا بعد الثورة والانطلاق في عملية إصلاح المسار واستئناف الثورة من خلال حدث 25 جويلية 2021 اللحظة التي غيّرت وجه البلاد وأنهت مرحلة كاملة وُصفت بالفوضى والتسيّب والعبث وفشل الحكم…
النص الذي نحن بصدد محاورته، له جانب سياسي يتعلق بمعرفة الجهة الموجه إليها هذا النص خاصة وأنه كتب باللغة الانقليزية ولم يكتب بلغة البلاد بما يوحي أنه نص موجه إلى الخارج، وأن الفضاء المحلي و الداخلي غير معني به ولا هو موجه إليه ومعرفة هل هو نص كتب لطمأنة جهات خارجية وإقناعها بأن المسار الذي سارت عليه البلاد منذ 25 جويلية 2021 هو المسار الصحيح والمفيد للبلاد خاصة وأن صاحب النص لم يركّز على موضوع الديمقراطية وقضية الحريات وإنما ركز على مسألة الاستقرار الأمني في تونس وفي المنطقة التي اتضح أنها هي أكثر ما يهم هذه الجهات التي وُجه إليها هذا النص…
دور المثقف
هذا الجانب السياسي من النص لا يعنينا وليس مدار وقفتنا معه وتفاعلنا سوف يكتفي بالجانب الثاني من مضمونه وهو الجانب الفكري الذي ركز على قضية معرفية في غاية من الأهمية تناولت مسألة دور المثقف في الواقع وعلاقة هذا المثقف بالمجتمع والسلطة الحاكمة ومسألة أزمة النخبة التونسية وهي أزمة هيكلية شاملة وعميقة في رأي نوفل سعيد يحملها المسؤولية كاملة فيما حصل للبلاد من أزمات مركبة ومتداخلة وعميقة.
أزمة عضوية
يطرح نوفل سعيد في نصه إشكالية النخب والأزمة العضوية لدى النخبة التونسية التي يقسمها إلى قسمين الأولى يسميها ‘النخبة المفترسة’ التي وُجدت في عهد النظام السابق والتي استعان بها بن علي ووظفها في حكمه واستعملها بكثافة حتى ورطها معه وهي نخبة جامعية من رجال القانون والاقتصاد وعلم الاجتماع وتقنية أو ما يطلق عليها بالنخبة التكنوقراط هذه النخبة لم تستطع أن تقدم شيئا للبلاد ولم تفد الشعب بل كانت وراء أزمة النظام وأزمة الحكم وأزمة جميع الخيارات السياسية والاجتماعية التي لم تفد الشعب في شيء .
القسم الثاني من هذه النخبة أطلق عليها مصطلح ‘نخبة التوافق المغشوش’ التي تشكلت بعد 14 جانفي 2011 وتسلمت الحكم والسلطة وتواجدت في كل الهياكل والمؤسسات والهيئات التي تولت إنجاح الثورة والانتقال الديمقراطي، وانتهى بها الأمر إلى دخولها في وضعية خطيرة من التجاذبات الحادة والتصادم مع الشعب والعجز التام عن تلبية أهداف الثورة والوفاء لكل الشعارات التي قامت عليها هذه النخبة بشقيها المفترسة والتوافقية يقول عنها المفكر السوري ” هيثم مناع ” في تحليله للنخب العربية إنها لم تكن نخبا حاملة لهموم الشعب ولم يكن همها إيجاد الحلول للناس ولا خدمة الصالح العام، وإنما الذي كان يعنيها في المقام الأول هو تحسين وضعها الاجتماعي والمالي وتحسين وضعها المهني وتحقيق مزيد من التموقع داخل دوائر الحكم والسلطة.
لا حلول لها..
يعتبر نوفل سعيد أنه لا النخبة المفترسة التي استحوذت مع نظام بن علي على المال العام وتورطت معه نهب ثروة البلاد، وبرّرت أفعاله وساعدته على الانحراف بالحكم بتلك الكيفية من الفساد التي تم الكشف عنها ولا نخبة التوافق المغشوش التوجه الذي اختاره المرحوم باجي قائد السبسي مع راشد الغنوشي لإدارة الحكم وسار عليه حزب نداء تونس مع حركة النهضة في تسيير الدولة كانا مفيدين للشعب لكونهما يعانيان من أزمة عضوية حادة ومشاكل أساسية وجوهرية في بنيتهما وتكوينهما ومنطلقاتهما…
فهذه النخبة لا يمكن أن تكون هي الحل للبلاد ويقترح بدلا عنهما نخبة جديدة جاءت مع حدث 25 جويلية 2021 التي يعتبرها قد قطعت نهائيا مع النخبة القديمة بشقيها المفترسة والتوافقية.
المفيد في هذا التحليل الذي يقترحه نوفل سعيد تفسيرا لأزمة البلاد وأزمة النخبة والبديل الذي يقدمه، فيما قام به من استجلاب واستحضار لفكر المفكر الماركسي الإيطالي ” أنطونيو غرامشي واستعانته بالمصطلح الذي انتجه عن المثقف العضوي المنحاز للطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة والذي ينشط على هامش السلطة والذي أوجد نفسه في موقع أو وضعية السلطة المضادة للسلطة القائمة في علاقة بمصالح الشعب.
مرحلة جديدة وهيكل جديد
الفكرة الأساسية التي يطرحها نوفل سعيد تعتبر أنه إذا كانت هناك ازمة كاملة هيكلية و شاملة وغير ظرفية ولا محددة في الزمن أو مرتبطة بقضية بعينها فإنه لا يمكن حلها إلا بإيجاد مرحلة جديدة وهيكل جديد ونخبة مختلفة غير معنية بأزمة النخبة السابقة وأن أزمة النخبة ما قبل الثورة المفترسة التابعة لـ بن علي أو نخبة التوافق المغشوش التي تشكلت بعد الثورة الاثنان تشقهما أزمة عضوية لا يمكن أن تقدم للتونسيين أي شيء و في المقابل فإن دستور 2022 هو البديل الهيكلي لهذه النخبة بشقيها، كما أن العرض السياسي والفكري لهذا المسار الجديد هو مختلف عما سبق من خيارات وسياسات وبالتالي فإن العرض الذي تقدمه هذه النخبة الجديدة التي تتبنى هذا المشروع وتدافع عنه هي الأفضل للبلاد.
سواء اتفقنا أو اختلفنا..
قيمة هذا النص في شقه الفكري سواء اتفقنا أو اختلفنا مع صاحبه أو قبلنا بمضمونه في كونه قد أعاد السجال والنقاش إلى الفضاء العام بعد أن عرف فترة من الركود والخمول وغاب عنه الجدل الفكري المفيد والمثمر ليفسح فيه المجال إلى التفاهة والتافهين تؤثث المشهد العام ومثل هذه النصوص الفكرية هي مفيدة للبلاد حتى يستعيد المشهد الثقافي عافيته وتعود للبلاد روحها ومناخها المعرفي والفكري ويعود الجدل الثقافي فـ المجتمعات لا تتقدم إلا بمناخ يسود فيه النقاش والجدل والاختلاف.
