صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ في الغرب نقاش كبير: هل يحق للفائز في الانتخابات أن يفعل ما يشاء؟

كتب: نوفل سلامة

يتابع الكثير من السياسيين والمفكرين ونشطاء المجتمع المدني باهتمام كبير ما يجري اليوم في فرنسا وإسرائيل من حراك شارعي قوي ونوعي وغير مسبوق لعدد كبير من المواطنين في البلدين احتجاجا على ما اعتبروه خروجا عن الديمقراطية وضرب لها حينما يتم تمرير مشاريع قوانين في البرلمان ‘تضر’ بمصلحة الشعب ولا تخدمه…

جدل قانون التقاعد

ذلك في علاقة بمشروع القانون الذي كانت الذي الحكومة الفرنسية قد تقدمت به لإصلاح منظومة التقاعد الاجتماعي التي تشهد عجزا ماليا كبيرا حيث يدافع الرئيس ماكرون ورئيسة حكومته ” إليزابيت بورن ” عن هذا الاصلاح الذي يراد له أن يتفادى هذا العجز المالي لمنظومة المعاشات، وذلك بالترفيع في سن التقاعد من 62 سنة الى 64 سنة أي بترك الموظفين سنوات إضافية في أماكن عملهم حتى يتم تأخير صرف جرايات التقاعد مع مواصلة العامل دفع مساهمته للتقاعد لسنوات أخرى وهو إصلاح رأت فيه النقابات العمالية وجانب من المعارضة في البرلمان أنه إجراء غير مقبول و ظالم ومرهق للكثير من المواطنين والعمال وخاصة أصحاب المهن الشاقة من مدرسين وكل العاملين في إطار الأعمال الشاقة…

مظاهرات عارمة

وفي علاقة كذلك بالمظاهرات الكبيرة التي تجوب شوارع ومدن إسرائيل التي تتواصل لأسابيع كثيرة وبأعداد كبيرة لافتة احتجاجا على مشروع قانون إصلاح القضاء الذي تقدم به رئيس الوزراء نتنياهو والأحزاب المتحالفة مع حزبه في البرلمان والتي تتشكل منها الحكومة اليمينية التي تحكم اليوم، وهو المشروع الذي يرمي إلى التقليص من سلطة المحكمة العليا بما يجعلها مرتهنة إلى الجهاز التنفيذي بما يسمح للحكومة أن تتدخل في قراراتها وتؤثر فيها بما يُضعف من مبدأ الفصل بين السلطات الذي تقوم عليه الديمقراطية الإسرائيلية…
وهو إصلاح رأت فيه المعارضة والنقابات العمالية وجزء كبير من الشعب أنه غير ديمقراطي وفيه مس وإضعاف من استقلالية الجهاز القضائي عن الجهاز التنفيذي ويصب في مصلحة نتنياهو الذي تلاحقه ملفات قضائية كثيرة، وهو يريد بهذا الإصلاح أن يحمي نفسه ويضمن عدم محاكمته.

ما يهمنا نحن كمتابعين لما يجري في فرنسا وإسرائيل من حركة احتجاجية شارعية قوية الرابط بينها خروج الناس بأعداد كبيرة وبغضب أكبر مدافعين عن الديمقراطية ورافضين الإصلاحات المقدمة إلى البرلمانين الفرنسي والإسرائيلي من قبل أحزاب فازت في انتخابات ديمقراطية شرعية بغاية تمرير قوانين يصفونها بأنها غير ديمقراطية وفيها تهديد للحياة الديمقراطية وضرب للمبادئ التي قامت عليها…

سؤال محوري

ما يهمّنا هو النقاش الهام بخصوص خروج الناس إلى الشوارع لصد ما يريد البرلمان أن يقره ويشرعه من قوانين يُراد منها أن تكون ملزمة للجميع وفيها ضرر للشعب….
ما يهمنا هو السؤال الذي فرض نفسه على السياسيين والمثقفين ونشطاء المجتمع المدني وينتظر إجابة والذي يقول: هل من حق الحزب الفائز في الانتخابات أن يفعل ما يشاء في علاقة بسنّ قوانين وتشريعات هو يراها في صالح الشعب ولكن جزءا من هذا الشعب يراها في غير هذا الاتجاه؟ وسؤال آخر في الاتجاه المعاكس إذا كان الفوز في الانتخابات لا يخوّل للحزب الفائز أن يحكم بهدوء وأن يكون من حقه القيام بإصلاحات حسب رؤيته وما يراه صالحا لكل الناخبين بمن فيهم الجزء من الشعب الذي لم ينتخبه فما قيمة الديمقراطية إذن؟
وما الجدوى من العملية الانتخابية التي تفرز حزبا لا يستطيع أن يحكم من خلال سنّ القوانين؟
ما تم الانتباه إليه في هذا النقاش الذي لا يزال متواصلا هو الانطباع الذي حصل بخصوص مدى إلتزام الشعوب بنتائج صناديق الاقتراع ومدى الاقتناع بأحقية العملية الانتخابية في منح الفائز في الانتخابات شرعية دستورية انتخابية في أن يحكم بالطريقة التي يراها صالحة خاصة لما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية ستبقى مؤثرة في حياة الناس لسنوات طويلة…
وفي المسائل التي لا يمكن الحسم فيها بمجرد قانون يصدره مجلس نواب الشعب ويحتاج إلى نقاش مجتمعي واسع كموضوع إصلاح نظام الضمان الاجتماعي ومسألة مراجعة مبدأ الفصل بين السلط وهي قضايا يرى الشارع الواسع في كلا البلدين أنها لا يمكن أن تحسم في البرلمان ولا تمنح الممارسة الديمقراطية ونتائج صناديق الاقتراع الحزب الفائز في الانتخابات الحق في حسمها وفق رؤيته لوحده.
وفي المقابل فإن الرأي المخالف يرى أنه ليس من حق الشارع المعارض أن يقف في طريق الديمقراطية التي أفرزت فائزا في الانتخابات ما يمنحه الحق في أن يحكم وأن يسير البلاد وفق برنامجه، وما وعد به ناخبيه وما على الحزب الخاسر والجزء غير الراضي من الشعب بنتائج الانتخابات إلا أن يعد نفسه ويستعد للفوز في المحطة الانتخابية المقبلة ويمنح ثقته لمن يراه صالحا للحكم لتسيير البلاد…

وفي الحالة الفرنسية فإن الحكومة اليمينية بقيادة إليزابيت بورن والرئيس ماكرون يعتبران أن المجتمع الفرنسي في طريقه إلى التهرم والدولة عاجزة على تمويل صناديق التقاعد في ظل غياب الموارد المالية وأن الحل لإنقاذ منظومة الضمان الاجتماعي لا يكون إلا في ادخال إصلاحات ضرورية تمس سن التقاعد وذلك بالترفيع فيه بسنتين من 62 سنة إلى 64 سنة وتأخير خروج العمال والموظفين إلى التقاعد…
غير أن الشارع المعارض يعتبر أنه حتى وإن كان هناك إشكال في تمويل منظومة الضمان الاجتماعي فإن الحل لا ينفرد به الحزب الفائز في الانتخابات ولا يخص الحكومة لوحدها، وإن تمسكت بالشرعية الانتخابية وإنما الحل يكون جماعيا ومن خلال تشريك كل الشعب والاستماع الى مقترحات وحلول المعارضة وهذا لا يكون إلا من خلال عرض الإشكال على استفتاء شعبي لمعرفة رأي غالبية الشعب وحسمه بكل وضوح.

حرية مطلقة؟

إن المهم في كل هذا الحراك الشعبي الذي بدأ يظهر في المجتمعات الديمقراطية والنقاش العام الذي رافقه حول الديمقراطية وآلياتها وحول ما تمنحه من شرعية وصلاحيات للأحزاب الفائزة في الانتخابات في أن تكون لها الحرية المطلقة في أن تفعل ما تشاء وأن تمضي في تطبيق برنامجها للحكم الذي وعدت به ناخبيها ، هو أن هناك توجه جديد  لإصلاح الديمقراطية من داخلها وتجاوز بعض ممارساتها السيئة ورغبة في الحفاظ عليها كآلية للحكم رغم الهنات التي تعترضها في التطبيق…

وهناك رغبة جامحة في مراجعة الممارسة الديمقراطية في اتجاه جعلها أكثر تعبيرا على هموم الناس و مصالح الشعوب التي بدأت تعتبر أن الفوز في الانتخابات وأن الذهاب إلى صناديق الاقتراع والإعلان عن النتائج لا يعني ولا يسمح ولا يعطي الحق للحزب الفائز في أن يفعل ما يشاء وأنه من حق الجزء من الشعب غير القابل بالسياسات الحكومية التي يراها في غير صالح عموم الشعب أن يحتج  في الشارع وأن يطالب بعرض ما يراه خطيرا من سياسات وتشريعات على استفتاء شعبي. فالديمقراطية لا تعطي صكا على بياض حتى نفعل ما نشاء ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى