نوفل سلامة يكتب/ د. فوزي البدوي: العرب لم يفهموا جوهر الصراع مع اسرائيل…وغزة ‘تمرين’ لما هو قادم!

إعداد: نوفل سلامة
في حوار مطول دام خمس ساعات في ‘بودكاست البلاد’ على قناة الجزيرة مع الإعلامية منى العمري هو بمثابة الوثيقة المرجعية لفهم جذور الصراع العربي الإسرائيلي وبناء وعي جديد لما يحصل اليوم من حرب إبادة تقوم بها الآلة الحربية الصهيونية اليهودية المدعومة من الغرب الأطلسي المسيحي ضد الشعب الأعزل في غزة ومقاومته المسلحة…
المسألة اليهودية
تحدث الدكتور فوزي البدوي المفكر والأستاذ بالجامعة التونسية المتخصص في المسألة اليهودية عن القضية الفلسطينية وعن تاريخ اليهود القديم وعن ظروف النشأة الأولى للصهيونية العالمية وعن الترابط المصلحي والنفعي بين المسيحية واليهودية أو بين القوى التي تنتمي للفضاء الإنجيلي بالكيان اليهودي الأوروبي والدور الذي لعبته المسيحية الإنجيلية والصهيونية الدينية فيما يحل اليوم بالفلسطينيين من مآسي ودمار وإبادة جماعية شبيهة بالمحرقة التي طالت اليهود على يد النازية في زمن حكم هتلر لألمانيا وتحدث بإطناب كبير عن البعد الديني وعن الخلفية التوراتية التلمودية التي تحكم الذهنية الفكرية لقادة إسرائيل ودور المرجعية الدينية اليهودية والمسيحية المتصهينة في بناء الدولة اليهودية واستراتيجية حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون.
منطلق هذا الحوار المرجعي فكرة بدأ بها فوزي البدوي تقول على العرب أن يفهموا أن الصهيونية ولئن بدأت حركة سياسية تبحث عن حل لخلاص اليهود من وضعهم في أوروبا وعن وطن قومي لهم يجمع شتات اليهود المشتتين في كامل العالم في كيان واحد جامع إلا أن الجذور والمنطلقات هي بالأساس دينية وبنيت على مقولات وشعارات دينية وطالما لم يفهم العرب أن البعد الديني والرؤية الدينية للتصور الصهيوني متغلغلة في المشروع الصهيوني اليهودي الذي أقامه تيودور هرتزل وجماعته فإننا لن نتمكن من مواجهة هذا الكيان الغاصب.
دراسة اليهودية القديمة
وطالما لم يعتن العرب بدراسة اليهودية القديمة ويحولونها إلى مجال بحث ودراسة لفهم المجتمع اليهودي ومحركاته والمؤثرين فيه، وكيف يشتغل العقل اليهودي فإننا لن نقدر على مواجهة هذا الكيان الغاصب الذي لم يولد اليوم ولا تشكل حديثا وإنما هو كيان تعود جذوره إلى حقب تاريخية طويلة.
وطالما لم نتخلّ عن فهم الصراع من خلال الصهيونية الحديثة وناقشنا النصوص اليهودية القديمة، و استحضرنا فكرة الخلاص اليهودي والمخلص القادم وفكرة العهد الإلهي والوعد الإلهي وكل تاريخ اليهود القديم منذ عملية الخروج الأولى والهجرة من أرض مصر إلى بلاد كنعان العربية، فإننا لن نفهم الصراع الذي يدور اليوم على أرض فلسطين.
وما دمنا قد اكتفينا بالجوانب السياسية للمسألة وأهملنا البعد الديني للصراع اليهودي العربي فإننا لن نستطيع أن نواجه ونتصدى لهذا الكيان الغاصب.
موضوع دراسة في الجامعات
وطالما لم تتحول اليهودية إلى موضوع دراسة في الجامعات ومراكز البحث العربية و خصصنا لها الأموال اللازمة وتخصص فيها الباحثون فسيظل وعينا بالمسألة الفلسطينية ضعيفا ومتخلفا، ولن نقدر على مواجهة هذا العدو والوحيد الذي فهم العقل اليهودي هو يحيى السنوار يقول فوزي البدوي: ‘من قام بعملية طوفان الأقصى كان فاهما جيدا لإسرائيل إن السنوار رجل عملي سياسي وعسكري لحد ما حاول أن يفهم هذا المجتمع الإسرائيلي وفهمه إلى حد ما…
وفهم أن هذا المجتمع تسيّره نواة تحكم إسرائيل وهي المؤسسة العسكرية والأمنية المتحالفة مع القوى الدينية الأصولية والترجمات التي قام بها السنوار لم تأت من فراغ فمزية السنوار أو الدرس الذي يُستفاد من شخصية هذا الرجل أنه من القلائل جدا من بين السياسيين والعسكريين العرب من حاول أن يفهم إسرائيل وقليل من القادة العرب من فهم إسرائيل على طريقة السنوار، المعرفة باللغة العبرية والتكوين…
مَن مِن السياسيين العرب من له ثقافة دينية وسياسية مثل التي كانت للسنوار أو من القيادات الفلسطينية والسنوار هو جزء من هذا الصراع، ولكن نحتاج إلى بناء ما هو أهم من السنوار وأثقل، نحتاج أن تكون لنا المؤسسات الأكاديمية المستقلة والمتواصلة و المتأنية التي تحول إسرائيل إلى مجال دراسة وبحث معمق »…
أساس الحركة الصهيونية
من الأفكار المهمة التي جاءت في هذا الحوار أن الحركة الصهيونية قامت على معطيين أساسيين الأول القناعة التي حصلت لليهود خلال القرنين الثامن والتاسع عشر بأنه لم يعد لهم مكان في أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية بعد أن تصاعدت مشاعر الكراهية ضدهم، وما حصل لهم من اعتداءات كبيرة وإقصاء حتى باتوا يعيشون في أحياء فقيرة خارج المجتمع المسيحي، والقناعة الأخرى بأن أوروبا المسيحية لن تغفر لليهود ما حصل للمسيح من تنكيل وتعذيب واتهامهم بقتل اليسوع واتهامهم له بالزنا كل هذا المناخ الذي ساد في تلك الفترة في أوروبا المسيحية عجلت بالتفكير في الخروج من هذا الفضاء الأوروبي والتفكير في إيجاد وطن بديل لهم…
المعطى الثاني الذي ساعد على نشأة الصهيونية فشل حركة الإصلاح اليهودي التي تأثرت بحركة الأنوار الأوروبية وتزامن ظهورها معها في تحقيق الاندماج المطلوب لليهود في المجتمع الألماني وكل المجتمعات الأوروبية وفشلت في اقناع الغرب المسيحي بأن اليهودي مواطن كسائر المواطنين الأوروبيين ملتزم بقيم الأنوار والحداثة وأن الدين اليهودي لم يكن يوما حائلا دون هذا الاندماج ولا مانعا من أن يصبح الفرد اليهودي مواطنا أوروبيا في علاقة بكل الالتزامات الدينية وكل العوائد الموروثة التي تعهد اليهودي بأن يحافظ عليها حتى لا يحصل له الانصهار الكامل مع المسيحيين، وبذلك يفقد هويته وخصوصيته وذاتيته التي تميزه كفرد من اليهودية التاريخية.
رواية تخليص اليهود
وهذا ما جعل الحركة الصهيونية تنطلق انطلاقة دينية تعتقد بأن الوقت قد حان لتخليص اليهود مما يتعرضون له في أوروبا على يد المسيح المخلص الذي حان وقت قدومه ذلك أن المرجعية الدينية اليهودية كانت تنتظر في نصوصها قدوم المسيح الذي سيقود اليهود إلى الخلاص الموعود وانطلاقا من هذا المعطى ظهر نقاش في الفضاء اليهودي وفي دوائرهم الدينية حول فكرة الخلاص وحول الزمن الذي سيأتي فيه المسيح الذي سوف يتم على يده تخليص اليهود مما هم فيه من معاناة ومظالم..
هذه النقاشات الدينية التي كانت تدور في أوروبا الشرقية سوف تلتقي مع الحركة الصهيونية وتتطور إلى قناعة تقول بأن موعد المسيح قد حان، وأننا في زمن ظهوره و أنه علينا أن نساعد المسيح على الظهور وأن نُسرّع عودته لدخول فلسطين بالقوة.
من الأفكار المهمة الأخرى فكرة أن المشروع الصهيوني كما ظهر في بداياته الأولى لم يكن مهتما بأرض فلسطين وإنما كان يبحث فقط عن حل للمسألة اليهودية والذي حول هذا المشروع الصهيوني إلى أرض فلسطين هي الحركة المسيحية الصهيونية وبعض الحركات الدينية اليهودية التي دخلت على الخط وحولت وجهة الصهيونية ومسار تفكيرها من التفكير والبحث عن حل ليهود أوروبا الذين لم يعد من الممكن أن يبقوا هناك ونقلهم إلى أرض فلسطين بعد أن كان التفكير في البداية الذهاب إما إلى أوغندا أو الأرجنتين أو الجبل الأخضر في ليبيا، ولكن تم العدول عن هذا الخيار الأخير لأسباب تتعلق بالمناخ الذي لم يكن مناسبا لليهود…
وتركز الحل النهائي للمشروع الصهيوني على سردية أن فلسطين هي الأنسب لليهود لاعتبارات دينية منها أنها أرض اليهود التاريخية وأنها أرض الوعد الالهي لأبناء إسحاق بن النبي إبراهيم عليه السلام.
من الأفكار المهمة الأخرى القناعة الخطيرة التي انتشرت في العالم المسيحي ولا تزال إلى اليوم مروجة والتي لو يتم تفعيلها على أرض الواقع سوف تكون آثارها وخيمة هذه الفكرة تقول بأن هذا الإسلام هو غريب عن هذه الحضارة اليهودية المسيحية التي نعيشها، وأن الصلات بين اليهودية والمسيحية هي أقرب من صلاتهما مع الإسلام وأن المسلمين مجموعة لا علاقة لهم بهذه الحضارة المسيحية اليهودية وأن توراة اليهود لا علاقة لها بالتوراة التي يتحدث عنها المسلمون وهم كذلك لا صلة لهم بالحضارة الاغريقية في البحر الأبيض المتوسط لذلك يجب إخراج العالم العربي الإسلامي من هذه المعادلة لكونهم غير معنيين بالحضارة المعاصرة…
وهذه الفكرة خطيرة لو يتم ترجمتها جيوسياسيا وترجمتها عسكريا سوف تؤدي إلى القضاء على العالم الإسلامي لذلك نقول بأن خطر الصهيونية المسيحية لا يتوقف عند فلسطين فقط وانما خطرها يمتد إلى كامل العالم الإسلامي وأن المعني بها ليس الفلسطينيين فحسب، وانما كل العرب والمسلمين هذه حقيقة يجب أن نفهمها ونقتنع بها…
والسؤال اليوم هو كيف يمكن التصدي لهذه الفكرة علما وأن هناك اليوم مراكز بحث أمريكية وأوروبية ويهودية تشتغل عليها و تدافع عن فكرة غرابة المسلمين عن هذه الحضارة اليهودية المسيحية.
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى أن الذي يملك رؤية واضحة لجذور الصراع يكون قادرا على حسن إدارة المعركة وكشفت على أن الصراع بين العرب واليهود هو في حقيقته صراع ديني بين أصوليتين يهودية وإسلامية وأن هذه الأخيرة هي وحدها القادرة على مواجهة الأصولية اليهودية الصهيونية لذلك فإن الصراع سيتواصل الى حد الإنهاك وإلى الحد الذي تنتصر فيه إحدى الأصوليتين.
التفكير اليهودي الصهيوني
ينهي فوزي البدوي هذه الحوار المهم الذي أتينا على جوانب منه فقط وهناك جوانب أخرى مهمة نتركها إلى مناسبة أخرى بالقول إن ما نراه من حياة علمانية في إسرائيل لا يجب أن يغطي جوهر التفكير اليهودي الصهيوني الذي تسيطر عليه الأصولية الدينية ما يجب أن نفهمه أن في إسرائيل شعور كبير وواضح بالاستعلاء على كل العرب، وأن صورة العربي والمسلم عند اليهودي حقيرة للغاية.
غزة جزء بسيط من القادم
من القناعات التي افصح عنها فوزي البدوي أن ما يحدث في غزة هو جزء بسيط مما ينتظر العرب في المستقبل وأن الصراع المقبل سوف يكون في الضفة الغربية التي يعتبرها اليهود هي قلب المشروع الصهيوني .. وأن حل الدولتين أصبح اليوم وهما وانتهى ومرحلة طُويت.. مع هذه التطورات الحاصلة يتوقع أن يزيد نفوذ التيار الديني الصهيوني في إسرائيل وأن يتحكم أكثر في خيارات الدولة اليهودية وأن المجتمع الإسرائيلي رغم ما اكتسبه من معرفة حديثة فهو مجتمع لا يعيش على الحقائق التاريخية والعلمية وانما يعيش على الأساطير و على العقائد الدينية .. إنهم يعتقدون أن القدس يجب أن يهدم والهيكل المزعوم والذي لا يعرفون مكانه يجب أن يظهر فالمسألة مسألة وقت لا غير.
صراع ديني
اليوم الصراع قد كشف عن وجهه الحقيقي وهو أن له طابع ديني وهذه الحقيقة وهذا المعطى لم يعد من الممكن اخفاؤه وسوف يتواصل هذا الصراع بأكثر حدة حول القضايا الأساسية، وهي قضايا دينية بالأساس على اعتبار أن جزء من اليهود الذين تمثلهم الصهيونية الدينية يعتبرون أن المشروع الصهيوني لم يكتمل بعد بتأسيس الدولة إنما لا يزال هناك قضايا هامة لم تحل كمسألة القدس والهيكل والاستيطان وطرد العرب والمسلمين.
الوضع الحالي لن يتغير إلا إذا تغيرت التوازنات الدولية فإسرائيل هي بنت هذا النظام العالمي الذي تشكل إبان القرن التاسع عشر وعلى العرب أن يعملوا على تغييره حتى ينتهي الصراع فعندما تتغير المناخات التي أوجدت إسرائيل فإنها ستزول.
من الأخطاء التي يرتكبها العرب والمسلمون وتروج لها صحافتنا العربية الحديث عن قرب انهيار إسرائيل وقرب نهايتها هذا الحديث من قبيل المسكنات والمنومات والحقيقة أن الصراع سيستمر وأعنف بكثير مما هو عليه الآن وسوف يتحول إلى الضفة الغربية قلب المشروع الصهيوني فـ غزة هي تمرين لا أكثر ولا أقل.
مصدر قوة إسرائيل
هذا العدو إحدى مصادر قوته هي المعرفة وإذا أردنا أن نتغلب عليه فعلينا أن نتعرّف عليه فـ قضيتنا مع الصهيونية هي مسألة وجودية مصيرية وخطؤنا أننا نحارب عدوا يعرفنا جيّدا ونحن نجهله، لذلك كان فهمنا قاصرا ولم يدرك بعد أن مشروع إسرائيل سوف يمتد إلى كل العالم العربي.
أخشى ما أخشاه أن يطبّع العالم العربي مع إسرائيل وأكبر هدية تقدم للمشروع الصهيوني هو التطبيع، لذلك من الضروري أن يبقى هذا الجسم غريبا إلى أن يفهم أنه لا يمكن أن يعيش في هذه المنطقة من دون احترام للإنسان العربي ووفق شروطه وهذا الاحترام لا يكون إلا إذا توفرت القوة والقوة مدخلها العلم والمعرفة بحقيقة العدو.