نوفل سلامة يكتب/ دونالد ترامب: عالم جديد.. عالم يتغيّر وأمريكا تعود

كتب: نوفل سلامة
في جلسة لم تكن عادية وخرجت عن تقاليدها السابقة و نواميسها حينما يجتمع الأمريكيون ديمقراطيون وجمهوريون لسماع خطاب الرئيس المنتخب عن ‘حالة الاتحاد’ الأمريكي.
حيث دار اللقاء هذه المرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمناسبة انتخابه رئيسا للبلاد في الكونغرس في أجواء متشنجة ووسط حالة من الغضب والصراخ، ومقاطعات متكررة من نواب الكتلة الديمقراطية لكلمته التي اعتبروها غير عادية ومضرة بصورة أمريكا وسياساتها الخارجية والداخلية…
مساندة لأوكرانيا
حيث حضر النواب الديمقراطيون بلباس ألوانه زرقاء وصفراء لون العلم الأوكراني في لفتة أرادوها دعما ومساندة لأوكرانيا ورئيسها فلاديمير زيلينسكي بعد المشادة الكلامية المثيرة وغير المسبوقة التي حصلت بينه والرئيس ترامب خلال اللقاء الذي جمعهما في البيت الأبيض، وهو اللقاء الذي أراده الرئيس الأمريكي محاولة لإجباره على الإمضاء على اتفاق مع روسيا دون ضمانات أمنية لإيقاف الحرب بصفة دائمة ومناسبة لإمضاء اتفاقية أخرى تستفيد من ورائها أمريكا بجزء كبير من موارد أوكرانيا المنجمية من المعادن الثمينة…
في خطاب ‘حالة الاتحاد’ الذي دأب الأمريكيون على تنظيمه كلما تم انتخاب رئيس جديد قدم ترامب رؤيته بخصوص النظام العالمي الجديد الذي يعمل ويريد إرسائه بديلا عن النظام الحالي الذي يرفضه ويتهمه بأنه قد أضر بمصالح أمريكا العليا، وتحدّث عن صورة بلاده ضمن العلاقات الدولية التي صرح أنها سوف تحدد مستقبلا وفق أفكاره ورؤيته للعالم من أبرز ملامحها الشعارات التي يرفعها ويدافع عنها: أمريكا أولا ، أمريكا عائدة، الحلم الأمريكي لا يمكن إيقافه في خطة أرادها لاستعادة أمريكا لثقتها في نفسها كما يقول..
عودة سريعة
تحدث ترامب عن عودة سريعة لأمريكا إلى الساحة العالمية لم يشهد لها مثيلا من قبل وعن حلم يراود الأمريكيين وهو يراه يتحقق معه وبفضل سياسته المتمثلة في خفض نفقات الحكومة الفيدرالية وفرض رسوم جمركية ستجعل حسب ظنه أمريكا غنية وعظيمة، وهي ضرائب لا تتعلق فقط بحماية الوظائف الأمريكية بل تتعلق أساسا بحماية روح الدولة والبلاد وحماية مصالح الصناعة والتجارة الداخلية وفكرته حول الرسوم الجمركية تقوم على تحميل المستثمرين وأصحاب المصانع الذين لا يصنعون منتجاتهم في الولايات المتحدة الأمريكية ويبيعونها في أسواقها ومحلاتها إتاوات ثقيلة وكبيرة.
من رؤيته لاستعادة قوة أمريكا وريادتها التي يقول إنها فقدتها مع الرؤساء من قبله وعده بتوفير فرص عمل كبيرة ومواطن شغل للعاطلين عن العمل من الأمريكيين فقط ودون غيرهم من أفراد الجنسيات الأخرى المتواجدين على التراب الأمريكي بفضل عائدات الضرائب التي سوف يفرضها على المنتجات المصنّعة خارج أمريكا.
حرب على المخدرات
وضمن برنامجه التخلص من العوامل التي أضعفت أمريكا وشوهت صورتها في الداخل والخارج آفة المخدرات فقد أعلن أنه سوف يشن حربا على عصابات المخدرات المكسيكية التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي، واعتبر أن هذه العصابات تشن حربا على أمريكا وقد حان الوقت لتشن عليها أمريكا الحرب علما بأنه قد أدرج الكثير من ‘الكارتلات’ على قائمة المنظمات الإرهابية.
ضمن هذه الرؤية يعتبر ترامب أن النظام العالمي الحالي للتجارة العالمية والتجارة البينية التي تخضع لها أمريكا وتخضع لها في علاقتها مع جيرانها من الكنديين والبرازيليين و الهنود والمكسيكيين ودول الاتحاد الأوروبي غير عادلة لأمريكا ولا تقوم على المعاملة بالمثل وسوف يفرض تعريفات جمركية تكون مماثلة لتلك المفروضة.
توجه جديد
أهمية ما جاء في هذه الرؤية للرئيس الأمريكي الذي ينعت بالشعبوي واليميني المتطرف أنها رؤية بقطع النظر عن اتفاقنا معها أو اختلافنا، وبقطع النظر عن الجدل الذي تثيره في المشهد العالمي أنها تعبر عن توجه جديد يسود العالم في السنوات الأخيرة نتيجة أزمة الديمقراطية في إسعاد البشر وأزمة الأحزاب السياسية التقليدية التي فشلت في تحقيق وعودها، وأزمة المنظومة الفكرية الغربية وحداثتها ومنظومة العولمة التي تريد تعليب البشر وقولبة الانسان وتحويل المجتمعات رؤية وحدة وحالة نمطية تتحكم فيها قوانين وتشريعات كونية ظالمة وغير محايدة ومتعالية.
أهمية ما جاء في خطاب ترامب عن أمريكا المستقبل أن الرجل يفكر بمنطق مصلحة بلاده ومصلحة شعبه ويتحرك في اتجاه مقاومة النظام العالمي الحالي الذي فرض قوانينه وأخلاقه وقواعده ويريد فك التبعية والارتباط مع هذا النظام الذي يراه ويقدر أنه لا يصلح له ولا يفيد بلاده، وهو غير عادل مع شعبه رغم قوة وهيمنة أمريكا..
العالم يتغيّر
وهو موقف يعبر تعبيرا واضحا على أن العالم يحتاج إلى تغيير ويحتاج إلى طريق آخر يكون أكثر أمانا وعدلا وهو إشارة يرسلها إلى دول عالم الجنوب الذي ننتمي اليه نحن العرب والمسلمين أن نفكر في هذا الاتجاه من ضرورة فك التبعية والارتباط مع الهيمنة الاستعمارية المتواصلة وقطع الصلة مع هذا العالم المتكبر والمتحكم بقوانينه ومنظوماته وهياكله وأفكاره واسترداد الثقة في النفس واستعادة السيادة الوطنية للقرار السياسي والسيادي حماية لكل ما هو أمن قومي..
أقوياء وضعفاء
المشكلة في هذا التوجه السليم وهذا الطريق الصحيح لتحقيق الاستقلال الحقيقي أن ترامب يتحدث من موقف القوة ونحن إن سايرنا هذا التوجه الجديد وضعنا غير محمود وحالتنا مكبلة بالوهن والضعف المتواصل والدائم..