صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ جدل يعود من جديد: هل العبرة بولادة هلال العيد ووجوده في الأفق أم برؤيته ومشاهدته؟

slama
كتب: نوفل سلامة

كلمة سماحة مفتي الجمهورية بخصوص الإعلان عن نهاية شهر الصيام لهذا العام أحدثت جدلا كبيرا، وتم التعامل معها والتفاعل بنقاش وأسئلة كثيرة في علاقة بالمنهجية الدينية التي اتبعها والقواعد الفقهية التي اعتمدها والتي يراها جانب من المؤمنين قابلة للنقاش إن لم تكن مجانبة للصواب…

حيث جاء في كلمته التي ألقاها ليلة الجمعة التاسع والعشرون من شهر رمضان، وهو اليوم الذي تخرج فيه عادة لجان رصد هلال شهر شوال والإعلان عن نهاية شهر الصيام أن كل اللجان المكلفة قد تعذر عليها رؤية هلال شهر شوال وبالتالي فإن يوم الأحد الثلاثين من رمضان هو اليوم المتمم والمكمل لأيام الصيام وأن يوم الإثنين 31 مارس 2025 هو أول أيام عيد الفطر لهذه السنة عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ‘صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما’.

حالة تعذر

وهذا يعني أن هناك حالة تعذر من الناحية العلمية لرؤية الهلال ورصده وبالتالي فإن القاعدة الفقهية توصي بمواصلة الصيام يوما آخر، وقد كان الأمر لا يثير إشكالا ولا يفتح الباب للنقاش والجدال لو حافظ سماحة المفتي على نفس المنهجية التي دأب عليها منذ توليه رئاسة دار الإفتاء واعتمد عليها في كل خروج إعلامي للإعلان عن يوم عيد الفطر، وهي الاعتماد على الرؤية سواء بالمشاهدة البصرية أو بالأجهزة العلمية مع الاستئناس بالحساب الفلكي…
ومن خلال قاعدة فقهية أخرى وهي أنه لا عبرة باختلاف المطالع وإنما يكفي أن يظهر الهلال في بلد مسلم نشترك معه في نفس ساعات الليل حتى نتبعه، ونعلن عن نهاية شهر الصيام وحلول شهر شوال وهي القاعدة التي اعتمد عليها المفتي السنة الفارطة، وطبقها هذا العام حينما أعلن عن دخول شهر رمضان حيث لم تتم رؤية هلال شهر رمضان في بلادنا ولكن تمت رؤيته في بلدان أخرى فاعلن المفتي أن بداية شهر الصيام قد تم الإعلان عنها بالاعتماد على قاعدة ‘لا عبرة باختلاف المطالع’ وإنما يكفي أن تثبت ولادته في بلد مسلم حتى تتبعه بقية البلدان…

سؤال محيّر

والاشكال الذي أثير هذه المرة هو أن لجان الرصد قد أكدت أن الأجهزة العلمية قد رصدت ظهور وولادة شهر شوال ليلة الجمعة في حين استحال عليها مشاهدته بالتليسكوب، وهنا السؤال المحير هل نصوم ونفطر بالاعتماد على ولادة الهلال أم على رؤيته ؟ وما الفرق بين الاثنين ؟
درج الفقه القديم وهو الذي يتم اعتماده إلى حد اليوم أن الصيام والإفطار يتم تحديدهما من خلال الرؤية البصرية بالعين المجردة أو من خلال الجهاز الخاص بذلك غير أن المحيّر في المسألة هو القول أنه طالما لم نشاهد الهلال بأي وسيلة من وسائل الرؤية فإنه لا عبرة بظهوره ولا ولادته وثبوت ذلك علميا…

تطور علمي

هذا في تقديري كل الإشكال وهو أن بداية الأشهر القمرية قد أصبح اليوم على خلاف ما كان عليه الحال في الأزمنة الأولى للإسلام، يمكن التعرف عليها وتحديدها بكل سهولة ودقة من خلال ما حصل من تطور في المجال العلمي الذي أصبح بمقدور علم الفلك أن يحدد تاريخ ولادة الأهلة..
وهذا يعني أنه من الناحية العلمية يمكن تحديد بكل دقة ولادة الهلال ووجوده في الأفق حتى وإن كانت الأحوال الجوية تحول دون رؤيته، وبالتالي فإن العقل الفقهي المعاصر عليه أن يقدم اجتهادا معاصرا يُنهي به كل هذا الجدل العقيم الذي زاد في تقسيم الأمة الإسلامية وهي مقسمة بطبعها، واعتبار أن الرؤية البصرية اليوم لم تعد شرطا أساسيا ومحددا لتحديد الأشهر القمرية وإنما العبرة الأولى هو ولادته ووجوده في الأفق والتي يحددها بدقة علم الفلك وأن حديث صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته نص ديني جاء في سياق تاريخي معين وفي زمن لم يكن من السهل فيه التعرّف على مطالع الأهلة ولا تحديد زمن ولادتها وظهورها…

إنهاء الجدل العقيم

فكانت القاعدة الدينية هي الرؤية بالعين المجردة غير أن اليوم قد اضحى من السهولة بمكان تحديد بكل دقة زمن ظهور الأهلة وبالتالي فان هذا التطور العلمي لا يناقض نص الحديث بل يكمله وهو أن الرؤية البصرية لا تتحدد فقط بالمشاهدة وإن نص الحديث على ذلك وإنما تتحدد كذلك بالظهور والولادة الفلكية فيكفي في رأينا أن يظهر الهلال علميا لنعلن عن بداية الشهر ونهايته حتى وإن تعذرت رؤيته وبهذا التمشي والموقف نعتقد أن كل الخلاف يزول وينتهي الجدل الذي لا طائل منه والذي يبذل فيه جهد فكري الأولى أن يوجه إلى قضايا أخرى أهم تستحق التفكير والنقاش والجدل…

ما أردنا قوله هو هل من المنطقي تجاهل مسائل العلم في مسألة دينية يمكن احتسابها بكل دقة على غرار أوقات الصلاة فما المانع من اعتمادها في تحديد مواقيت الأهلة؟ وهي مسألة حسمت فيها دولة تركيا التي تعتمد اليوم الحساب الفلكي في الأعياد الدينية وتحديد بداية شهر رمضان ونهايته حيث أصبحت الرؤية البصرية في الوقت الحاضر صعبة نتيجة التغيرات المناخية وقضايا التلوث.
ما أردنا قوله هو أنه في زمن الإسلام المبكر وزمن الرسول الأعظم لم تكن هناك وسيلة أخرى غير الرؤية البصرية لإثبات مطالع الأهلة وهي آلية تتماشى مع مقدرات وإمكانيات ذلك الزمان وسياقه التاريخي وهذا ما يطرح السؤال في فهم حديث ” صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته …” هل من الممكن أن يكون القصد من الرؤية هو تحقق دخول الشهر أي ولادته وظهوره؟ بما يجعل من الرؤية ليست هدفا وإنما هي مجرد وسيلة ظنية مع وجود غيرها وأنه بعد التطور المذهل في مجال علم الفلك قد أصبح بالإمكان أن نتحقق من دخول الأشهر القمرية.

العلم والدين يلتقيان

ما أردنا قوله هو أنه في مسألة ثبوت مطالع الأهلة وتحديد بداية الأشهر العربية فإن العلم والدين يلتقيان ويتفقان وأنه في سياقنا التاريخي الذي نعيشه فإن من أهداف التطور العلمي أن يعين على فهم مسائل الايمان وأن التقدم التكنولوجي يوظف في فهم النصوص الدينية ويساعد على إنتاج فهم ديني جديد مغاير لما استقر عليه الفهم الفقهي القديم وتوصل إليه علماؤنا القدامى من خلال المعرفة والثقافة التي أنتجها عصرهم وزمانهم وهي معرفة غير مكتملة واليوم العلم يساعد على تقديم وعي ديني جديد لا مانع من الأخذ به طالما لم يهدم أسا من أسس الدين.

مراجعات مطلوبة

ما أردنا قوله هو أن العقل الفقهي الإسلامي عليه اليوم أن يراجع الكثير من المسائل التي لم يعد من الممكن الإبقاء عليها كما دونتها كتب الفقه وثبتتّها المدونة الفقهية القديمة خاصة ما تعلق منها بثوابت العلم الدقيقة، فاليوم تحديد مواقيت الصلوات وتحديد موعد الإفطار وموعد الإمساك يتم بالحساب لا بالرؤية و الحديث النبوي الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم والذي يقول فيه الرسول الكريم: “إنا أمة أمية لا تكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ” يجب أن يفهم بطريقة مختلفة وهي أن الأمة الأمية لم تعد كذلك، حيث أصبح لديها كتاب وهذا الكتاب يحثها على العلم والحساب، وبالتالي فإنه من الممكن إنهاء هذا الجدل المتواصل والذي ارتبط في السابق بالموقف السياسي و وضع تقويما هجريا واضحا ومعلنا مسبقا وعدم كسره في كل مرة بمناسبة حلول شهر رمضان أو خروجه بالاعتماد على ثوابت علم الفلك الطريقة الأكثر دقة لتحقيق مقصد وحدة الأمة الإسلامية والعمل بالقاعدة القرآنية الكلية في العلم بعدد السنين والحساب انطلاقا من الظواهر المذكورة في القرآن الكريم…

العلم ثم العلم..

وليس في هذا التمشي خروج عن النص الديني ولا إعراض عن طلب الرسول صلى الله عليه وسلم الصوم بالرؤية والإفطار بالرؤية، فتلك طريقة عملية لأمة أميّة لم تتعلم بعد الكتابة والحساب ووضعية للمسلمين في زمن الإسلام المبكر، واليوم هذه الأمة وهذه الوضعية لم تعد كذلك بعد أن أصبح من بين أبنائها علماء أفذاذ يرأسون فرقا علمية في وكالة الفضاء الأمريكية نفسها وأصبح الحساب والعلم متاحين لكل البشر في كل أصقاع العالم، وأصبح العلم أداة للفهم وتوحيد المسلمين وتسهيل الحياة والمعاش عليهم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى