صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ جدل كبير في تونس: الطلاق بالتراضي أمام عدول الإشهاد..الدوافع والموانع

slama
كتب: نوفل سلامة

في توقيت وظرف لم يكن أحد ينتظرهما، وفي بادرة تشريعية أعدت في صمت ودون نقاش عام ولا عرفت حوارا مجتمعيا، تقدم 105 من نواب الشعب التونسي في البرلمان الحالي بـ مبادرة تشريعية تهدف إلى تنظيم مهنة عدول الاشهاد الذي يعود آخر تعديل للقانون المنظم لمهنتهم إلى ما يقارب 31 سنة…

تغييرات في الطلاق

هذه المبادرة تعرضت إلى موضوع الطلاق من خلال إضافة فصل جديد يمنح سلك عدول الإشهاد صلاحية النظر في الطلاق في الحالة التي اتفق فيها الزوجان على الطلاق بالتراضي، وإبرام عقد طلاق رضائي بدل صدور حكم قضائي في ذلك كما تنص عليه مجلة الأحوال الشخصية التي نظمت مادة الطلاق في تونس بعد الاستقلال والتي بفضلها سحب الطلاق من الرجل الذي كان قبل الاستقلال يُبرمه بمحض إرادته ودون الرجوع إلى هيئة قضائية أو أي هيكل آخر…

في خطوة اعتبرت وقتها خطوة جريئة من الرئيس الحبيب بورقيبة وانتصارا لحقوق المرأة وانصافا لوضعها الاجتماعي حينما يقدم الرجل على إنهاء العلاقة الزوجية بإرادته المنفردة، غير أن التمشي الذي اختارته دولة الحداثة البورقيبية يعرف اليوم دعوة لمراجعته وتغييره لاعتبارات قال عنها أصحاب المبادرة بأن السياق الاجتماعي الذي تمر به البلاد والتطور الذي عرفه المجتمع في علاقة بحالات الطلاق ونتائج التجربة التي خضعت لها الأسرة التونسية قد اثبتت أن إحدى صور الطلاق الثلاث أصبحت تمثل عبئا ثقيلا على الدولة و إحراجا للقضاء الذي تكبل بكم كبير من قضايا الطلاق التي ترفع كل سنة..

تخفيف على المحاكم

مما يدعو إلى البحث عن سبل جديدة للتخفيف من الصعوبات التي يعرفها القضاء في المادة المدنية وخاصة مادة الأحوال الشخصية خاصة عندما يكون الزوجان متراضين على إنهاء الرابطة الزوجية، وهذا يعني أن أصحاب المبادرة يعتبرون أنه طالما كان الزوجان متفقين على الطلاق وتراضيا عليه واتفقا على كل شروطه ومخلفاته من حضانة وسكن ونفقة، فما المانع من أن يسحب الطلاق في هذه الصورة من يد القاضي وتتخلى المحاكم عن النظر فيه وهي المرهقة والمكبلة بكم كبير من القضايا ويعطى إلى عدول الاشهاد…

خاصة و أن الطلاق بالتراضي لا يحتاج إلى كل إجراءات التقاضي في صور الطلاق الأخرى، ويمكن البت فيه بسرعة ومن خلال كتب يحرره عدل الإشهاد يضمّن فيه كل بنود الطلاق بالتراضي وبهذه السرعة يقع التخفيف على المحاكم وتتحقق إرادة طرفي الطلاق بكل سرعة وسلاسة طالما تراضيا عليه عن حرية منهما في كل شيء.

تراجع عن مكاسب؟

هذه المبادرة التي تبدو في ظاهرها معقولة ولا تشكل إشكالا و تنضوي ضمن فكرة تطوير التشريعات كلما تطور المجتمع وتغيرت الثقافة والعقلية فالقانون هو وليد حاجة المجتمع كما يُقال وهو يعكس رغبات الأفراد وإرادتهم، قد عرفت صدا كبيرا من قبل جانب من المجتمع ومعارضة من ممثلي المجتمع المدني والجمعيات النسوية التي اعتبرت أن هذه المبادرة هي عودة إلى الوضع القديم قبل صدور مجلة الأحوال الشخصية، وخطوة إلى الوراء فيها ضرب لمكاسب دولة الحداثة حينما سحب البساط من الرجل في إعلان الطلاق وإقصاء الدين من تنظيم إنهاء العلاقة الزوجية.

من المبررات الأخرى التي قدمت لرفض مشروع إبرام الطلاق الرضائي أمام عدول الاشهاد أن الدولة المدنية التي تأسست بعد الاستقلال قد جعلت الطلاق بيد القضاء المدني، وأن عملية جعله أمام عدل الاشهاد فيه تراجع عن هذا المكسب وهضم لحقوق المرأة والأبناء، وهي حقوق لا يمكن لـ عدل الإشهاد أن يضمنها لعدم تخصصه في هذه المادة وخاصة قلة خبرته في المرحلة الصُلحية وفي ترتيب الحقوق للأبناء عندما يكونون قُصر والأهم من ذلك ضمان عدم خضوع المرأة إلى الإكراه من قبل الرجل للقبول بالطلاق الرضائي إذا ما وُضع تحت أنظار عدل الاشهاد.

إشكاليات مطروحة

المشكل في هذا النقاش العام الذي أثير مؤخرا على خلفية هذه المبادرة التشريعية التي تعرضت إلى مقترح جعل الطلاق الرضائي بيد عدل الإشهاد بدل المحكمة أن أصحاب المبادرة كان عليهم التعرض إلى كل الإشكاليات التي يطرحها الطلاق حتى وإن كان رضائيا وتدقيق أكثر في الإجراءات والشروط حتى تظهر المبادرة خطوة إيجابية في طريق تحقيق إرادة الزوجين وليس الهدف منها الدخول في معركة مع أصحاب الحداثة المزيّفة.
والمشكل الآخر أن الرافضين للمشروع قد انطلقوا في رفضهم من قناعة مبدئيا وهي أنه لا تراجع عن كل ما يعتبرونه مكاسب الحداثة والدولة البورقيبية وأنهم لن يقبلوا بأي مس أو تغيير في القوانين والتشريعات التي تخص الأسرة، وتعيد إلى الأذهان الصورة القديمة والنظرة المحافظة لذلك فهم لم يناقشوا المبادرة من حيث هي اختيار الزوجين ورغبة منهم في إنهاء الطلاق بسرعة ولم ينتظروا في مسألة تقليل الأعباء عن القضاء وأنه من الممكن أن يخف حمله لو أعطي بعض صلاحياته إلى هيكل آخر من هياكل العدالة حيث أن عدول الاشهاد يعدون حلقة من حلقات القضاء والعدالة في تونس..
وفي كل التشريعات العالمية بما يعني أن النظر في الطلاق من قبل هذا السلك لا يعني العودة إلى ما قبل الاستقلال فعدول الإشهاد هم طرف في المنظومة القضائية التونسية وحلقة من حلقاتها.

أصل الجدل

يبدو أن المشكل الحقيقي في هذا الجدل المثار وهذا الرفض الذي نجده عند البعض سببه الحقيقي الخوف من عودة المجتمع إلى الفضاءات الدينية والفضاءات التي تم القطع معها..
وعدل الإشهاد يرمز في الذهنية العلمانية إلى المرحلة التي لا يزال التشريع الإسلامي مطبقا فيها من خلال إبرام عقود الزواج بالطريقة والكيفية التي تُبرم بها عقود الصداق حينما يتولاها عدل إشهاد من حيث قراءة الفاتحة والآيات القرآنية والتذكير بالحقوق الزوجية بالاعتماد على نصوص من القرآن والسنة والتذكير بالمهر وحسن العشرة وواجب الانفاق، وكل تلك الصورة الدينية للزواج فعدل الإشهاد يحيل بالضرورة عند البعض إلى الفضاءات الدينية التي يعتبر البعض أنها من مخلفات الرجعية والعود إليها هو انتكاسة للتقدم والتقدمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى