صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: تصريحات كاردوزو النارية..ماذا وراءها؟ وهذه حقيقة ما يحصل في ملاعبنا..

slama
كتب: نوفل سلامة

في الندوة الصحفية التي أعقبت انتهاء مباراة الدربي التي جمعت الترجي والإفريقي وما عرفته مدارج ملعب رادس من أحداث غير مسبوقة وغير عادية، وتسببت في اندلاع تصرفات خطيرة من قبل الجمهور من إلقاء الشماريخ ورمي المقذوفات تسببت إحداها في إصابة مساعد مدرب الترجي على مستوى الرأس ومواجهة بين الأحباء وقوات الأمن وتكسير وتهشيم المعدات وشغب وانفلات كبيرين…

وإن كان يحدث مثله في السابق إلا أنه هذه المرة كان غير مسبوق، وقد أدت كل هذه التطورات التي شهدتها المباراة إلى توقف اللعب لوقت، واستعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق الجماهير، أدلى مدرب الترجي الرياضي ميغيل كاردوزو بتصريح لا يمكن أن نمرّ عليه مر الكرام، خاصة وأنه تضمن مسائل مهمة شخّصت وضع كرة القدم في التونسي والحالة التي باتت عليها ملاعبنا والحالة الذهنية والنفسية لروّاد هذه الملاعب وهو حديث يستحق أن ننتبه إليه ومناقشته…

كلمات قاسية من كاردوزو

ومما جاء في كلام كاردوزو ” إن كرة القدم في الأصل لعبة جعلت للتسلية والترفيه عن النفس وطريقة لتعليم الفرد كيف يعيش وكيف يحيا ولم تكن يوما وسيلة للموت .. ما حصل من أعمال عنف في المدارج تجعلنا لا نفرح كثيرا بالفوز وهذا يجعلنا نبحث عن توفير الظروف الملائمة لتطوير الرياضة التي لا يمكن أن تتقدم بمثل ما حصل في هذه المباراة..
وأضاف القول : لا يمكن أن نتحدث عما يحصل في فلسطين من حرب ونحن نمارس حربا أخرى فوق المدارج .. لا يمكن أن نطالب باحترام الإنسان الذي يموت في فلسطين ونحن نمارس حربنا التي قد تتسبب في موت إنسان يوما ما .. إن التغيير يبدأ حين يرفض المسؤول ما حدث من أجل تغييره.. هناك شيء غير عادي يحدث في المدارج وعلينا أن نعالجه..
ما حصل لا يشرف أحدا وأعلم أن اللاعبين غير راضين عن ذلك وأعلم أيضا أن الجماهير هم أصدقاء، ولكن حرب كرة القدم تجبرهم على خوض حربهم فوق المدارج.. “

ماذا يحصل؟

ما قاله كاردوزو يطرح السؤال الكبير ماذا يحصل لنا؟ ولماذا وكيف وصلنا إلى هذه الحالة التي باتت عليها ملاعبنا؟ وبماذا نفسر كمية العنف الكبيرة التي نشاهدها أسبوعيا في ملاعبنا الرياضية والتي بلغت ذروتها في المباراة الأخيرة؟
في الحقيقة فإن مسألة عنف الملاعب ومظاهر التعصب التي عليها الجماهير الرياضية هو موضوع ليس بالجديد حيث اشتغل عليه الكثير من الباحثين من أساتذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية وقدموا في ذلك دراسات وتحاليل ومقاربات لفهم الظاهرة وتفسيرها واقتراح الحلول لمعالجتها، وهي كلها أفكار تتمحور حول فكرة التحولات التي تشهدها المجتمعات في فترة من تاريخها تعرف حالة من الاستبداد السياسي وغياب الحريات الفردية والجماعية وحالة من التهميش والظلم الاجتماعي وانسداد الأفق في صفوف شباب الأحياء الفقيرة الموجودة على تخوم المدن الكبرى…وتمثل ما يسمى بحزام الفقر والتي تشكو فقدان الخدمات الضرورية بالحد الأدنى للعيش الكريم وارتفاع منسوب البطالة والتهميش والحرمان وفقدان سند الدولة ومرافقتها له…

ضغط اجتماعي

وهي مظاهر أفرزت حالة من الغضب وعدم الرضا وفقدان الانتماء للدولة وفك الارتباط مع كل ما يمت بصلة إلى السلطة السياسية التي لم تعد تجمعهم بها غير بطاقة الهوية، فكل مظاهر الضغط الاجتماعي هذه يعيشها الكثير من الشباب الذي يرتاد الملاعب والذي يعرف بشباب ‘الفيراج’ يجد لها متنفسا يوم المباراة ويتخذ من المدارج مجالا للتعبير عن حالة السخط والغضب وعدم الرضا على الحياة…

ما حدث في مباراة الترجي والافريقي يعبر عن وجود أزمة عيش حادة يعرفها المجتمع الذي بات يحكمه ما يسميه ماهر حنين المختص في علم الاجتماع السياسي بالمشاعر البدائية ومشاعر الخوف التي تعكس حقيقة المجتمع، فـ المجتمعات التي تعيش أزمات مركبة تتحول فيها الملاعب الرياضية إلى فضاء للتعبير عن مشاعرها وإفراغ شحنات التوتر، وهذا يعني أن مظاهر العنف المتنامي في ملاعبنا تعكس وجود أزمة حادة في المجتمع نتيجة غياب مشروع وطني جامع متجانس يلتقي فيه وحوله الجميع.

الفقر والتهميش

يذهب الكثير من المختصين والباحثين في مظاهر العنف الرياضي أن الفقر والتهميش وفقدان العدالة الاجتماعية لم تعد عوامل موضوعية يمكن اعتمادها في فهم الظاهرة، وتحولت إلى مقاربة تقليدية تم تجاوزها لصالح مقاربات جديدة تعتمد على فكرة التجييش والاحتقان الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي وراءها تنامي مشاعر الحقد والكراهية بين المجموعات الشبابية المناصرة للفرق الرياضية والتي تحولت مع الوقت إلى نوع من النحل العقائدية المغلقة والمنغلقة المتعصبة والتي تقوم على نوع من الوظائف التراتبية والولاء الأعمى للجمعية…
فهؤلاء الشباب ولاءهم الوحيد هو للعائلة وللجمعية وهم منقطعون عن الواقع الذي يقوم على جملة من الثوابت لا نجدها عند هذه المجموعات التي فقدت القيم المجتمعية وصنعت لنفسها قيمها من خارج المنظومة المتحكمة ومن خارج النسق والإطار النافذ…

واقع مأزوم متأزم

مؤشرات العنف الكبير التي رأيناه في مقابلة النادي الافريقي والترجي الرياضي التونسي والذي قال عنه كاردوزو بأنه عنف غير مقبول يعبر عن واقع مأزوم متأزم ومختنق ويشخص حالة شباب فاقد لكل أمل في الحياة ورافض للعيش وفق النسق الذي يرسمه رجل السياسة ويقره المجتمع وحالة شعورية تائهة عند شباب فقد الانتماء ولم يستوعبه مشروع وطني جامع يسع الجميع ويجد كل شاب فيه صورته التي يريدها.
تصريح الممرن كاردوزو المثير للجدل والذي أقلق الكثيرين رغم أنه ركّز فيه على الجوانب التنظيمية فقط دون الخوض في المسائل الفنية إلا أنه كان حديثا لخص فيه حقيقة واقع كرة القدم التونسية الذي يعكس واقعا مريضا من ورائه مجتمع مريض تشقه خلافات وصراعات كبيرة بين شبابه غابت عن سلوكه القيم والمثل والمرجعيات وكشف عن حقيقة جيل من الشباب فاقد للتمثلات المدنية الحضارية غير مستحضر للرموز المؤثرة والقدوات المرجعية ..
جيل متعب تتحكم فيه رغائب ونزوات وآمال كبيرة لا يجدها على أرض الواقع.. جيل حالم بواقع أفضل ومستقبل يبحث عنه.. تصريح فيه نبرة خوف من واقع متحرك ومضطرب ينم على أن شيئا ما يحدث في الرياضة التونسية وفي مدرجات الملاعب يعكس صورة المجتمع في راهنيته على الدولة أن تلتفت إليه وتنتبه له..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى