نوفل سلامة يكتب: بعد سقوط حكم نظام الأسد.. هل مازال الحديث عن الوحدة العربية والفكرة القومية ممكنا؟

كتب: نوفل سلامة
بعد سقوط النظام السوري ونهاية حكم بشار الأسد نكون قد أغلقنا قوس النظام القومي العربي، وانهينا مرحلة طويلة من التاريخ العربي عرفت فيها الشعوب العربية أنظمة حُكم قامت على الفكر الوحدوي والانتصار للعروبة والأمة العربية الواحدة والعدو المشترك الواحد…
القومية بألوانها..
هكذا يقول البعض وهم يشاهدون سقوط آخر معقل من معاقل أنظمة حكم قامت على القومية العربية التي تشكلت بعد تفكك السلطنة العثمانية ونهاية الحقبة الاستعمارية التي سمحت بقيام كيانات مستقلة اختارت في عمومها الأيديولوجية القومية، سواء كانت ناصرية أو قومية بعثية أو اشتراكية بعثية بجرعات ماركسية طريقا للتقدم والنهضة والتخلص من واقع التخلف والتراجع الحضاري…
هكذا كان الانطباع العام في الشارع العربي وفي الدوائر الفكرية في اليوم الموالي لسقوط حكم عائلة بشار الأسد، وحزبه البعث الاشتراكي ما سمح بفتح نقاش كبير حول مآل الفكر القومي ومصير الأيديولوجية القومية وسؤال آخر حول مصير هذه الأيديولوجيا التي تعرف في حاضرها انحسارا وتراجعا رهيبين زادها تعمقا ما حصل من ثورة الشعوب العربية على زعمائها الذين تصدروا المشهد القومي وانتصروا للقضية الوحدوية كان آخرهم بشار الأسد..
فهل ما زالت الفكرة القومية جاذبة للشعوب العربية؟ وهل ما زال الحديث عن العروبة والوحدة القومية ممكنا اليوم في سياق الانهيارات الرهيبة لكل الأيديولوجيا القومية في الوطن العربي وما علق بها من فكر اشتراكي ماركسي منكسر؟
فكرة نبيلة ولكن..
بداية لا بد من التذكير بأن القومية العربية ولدت فكرة نبيلة وضرورة تاريخية حتمها السياق العربي خلال القرن التاسع عشر من خلال سعي المكون العربي الانفصال عن الباب العالي والتحرر من الهيمنة العثمانية التي كانت تمثله الخلافة العثمانية وفك الارتباط السياسي مع السلطة العثمانية في سياق عالمي عرف ظهور القوميات والاعتزاز بالعرقيات والهويات القومية في أوروبا، فكان المنطلق تحقيق الاستقلال العربي عن قوى الهيمنة الدخيلة سواء كانت عثمانية أو اوروبية محتلة وتكوين دول عربية مستقلة ذات سيادة وطنية فكان المنطلق هو النضال من أجل هذا الهدف القومي الذي كان حلم الشعوب وقتها ثم تطور هذا التوجه نحو الدعوة إلى إنشاء وحدة عربية جامعة تضم كافة الأقطار العربية التي خرجت للتو من الاستعمار الأجنبي في كيان سياسي واحد تحت سقف الأيديولوجية القومية بعناصرها المشتركة والثابتة وهي اللغة والدين والمصير الواحد والتاريخ المشترك وقاعدة الإقليم الواحد…
رومانسية وعاطفية..
يقول الدكتور كمال الساكري الباحث في الحضارة والقضايا السياسية والمتخصص في الفكر القومي إن نقطة الضعف في هذه الولادة وهذه النشأة الأولى للفكرة القومية أنها جاءت مشبعة بالرومانسية و تهيمن عليها مشاعر المحبة للوطن والحنين للتاريخ المجيد والانتصار للغة العربية وكانت ولادة عاطفية يغيب عنها التفكير العقلاني والرؤية الواقعية وتفتقد للتنظير أي أنها ولدت من دون نظرية وأيديولوجيا صلبة تشرح وتفسر كيف يمكن تحقيق الوحدة العربية ببعدها التنموي والحضاري؟
وكيف يمكن تحقيق مطالب الشعوب العربية المتخلفة والخارجة للتو من مرحلة استعمارية عمقت فقرها في مختلف المجالات الاجتماعية وخاصة سؤال الكرامة والسؤال المعرفي والحضاري وقضية الأمن الغذائي والأمن القومي وتحقيق الرفاه الاجتماعي؟
حاول الفكر القومي تجاوز مرحلة كتابات ميشيل عفلق ( 1910 / 1989 ) الرومانسية وسد وتجاوز ثغرة الضعف التنظيري من خلال كتابات المفكر نديم البيطار ( 1924 / 2014 ) والدكتور عصمت سيف الدولة ( 1923 / 1996 ) وغيرهما وهي كتبات حاولت تأسيس نظرية قومية ثورية تكون مرتكزا لبناء وحدة عربية قوية تحقق للشعوب العربية العزة والمناعة والرفاه وتؤسس كيانا قوميا وحدويا يعيد العرب إلى سباق التاريخ، ويُمكنهم من ركوب قطار الحضارة كغيرهم من الأمم الصاعدة ويحقق لهم المناعة والعزة والسيادة في مواجهة قوى الهيمنة وقوى الاستعمار المتواصل.
نظرية قومية جامعة
حاول هؤلاء المفكرون العرب الذين يمكن أن نسميهم مع غيرهم بالآباء المؤسسين للقومية العربية وللفكر الوحدوي أن يضعوا نظرية قومية تحدد الأهداف القومية لهذا التيار الصاعد وأدوات وأسلوب التغيير للواقع الاجتماعي والسياسي من خلال المزج بين القومية والاشتراكية الفكرتين اللتين عرفتا صعودا ملفتا وباهرا في بداية القرن التاسع عشر، وجلبت إليهما المفكرين والشعوب غير أن النهج وهذه الخيارات لم تحقق للأمة العربية شيئا يذكر عدا غرق هذه القيادات الوحدوية في مرحلة ما من تاريخها في مستنقع الانقلابات العسكرية والحكم التسلطي الوراثي وتبني المثقف الوحدوي وتبريره لهذا النهج في تسلم السلطة والوصول إلى الحكم وتخلف الوعود الفكرية والسياسية بالتحرر من الاستعمار الذي ظل حضوره متواصلا حتى بعد خروجه من الأقطار العربية، ولو بأشكال مختلفة…
حكم متخلف مطلق
ولم تتحقق الوحدة العربية المنشودة بل زادت الخلافات بين الأنظمة العربية وتعمقت بسبب التطلع للقيادة والزعامة والتشبث بالحكم المطلق والسلطة الفردية فتاهت القومية العربية وضاعت آمال الشعوب في بناء كيانهم الوحدوي الذي يعبر عن وحدة تاريخهم ومصيرهم و اعتزازهم بلغتهم و دينهم وقوميتهم الثابتة.
ما حصل بعد مسار طويل من النضال من أجل تكريس فكر وثقافة وحدوية وحلم بتأسيس كيان موحد يجمع شتات الشعوب العربية الممزقة في كيانات صغيرة فاقدة للاستقلال والسيادة الحقيقية أن انتهى نهاية مؤلمة وعرف انهيارا مدويا فرح له جزء كبير من الشعوب العربية التي لم تتأسف على رحيل آخر معقل من معاقله..وهي تراه كيف تعامل مع المال العام وكيف تعامل مع حقوق المواطن في العيش الكريم، وكيف وظف كل أجهزة الدولة في تحقيق رفاه عائلته والمقرّبين منه وقمع الشعب والتفنن في تعذيب معارضيه والتنكيل بهم…