صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: الاقتصاد التونسي طارد للعمل، غير جالب لفرص الشغل: أي حلول للبطالة؟

slama
كتب: نوفل سلامة

آخر المعطيات المتعلقة بواقع البطالة في تونس وأحدث المستجدات في علاقة بأزمة التشغيل التي تعاني منها البلاد والتي تمثل اليوم أخطر التحديات التي تواجهها منظومة الحكم الحالية وهو واقع قديم يعود إلى فترة حكم الرئيس بن علي، وأجبر الكثير من الشباب إما القبول بوظائف هشة أو بأجور زهيدة لا تحقق الكرامة أو باللجوء إلى الحل الفردي وخيار الهجرة ومغادرة البلاد نحو الضفة الأخرى من المتوسط بحثا عن حلم قد يتحقق وقد لا يتحقق…

آخر هذه المعطيات إذا تجاوزنا رقم 16,4 بالمائة أي ما يقابل 670 ألف، الذي قدمه المعهد الوطني للإحصاء مؤخرا عن عدد العاطلين عن العمل والذي يُعاد في كل مرة وبقي يُراوح مكانه ولا يتغير إلا نادرا، آخر هذه المعطيات المحيّنة هي الإعلان عن البدء في التفكير في إعداد رؤية مستقبلية للتشغيل وانطلاق الحكومة في الاشتغال على وضع سياسات عمومية لفك القيود التي كانت تحول دون توفير مواطن شغل بالقدر المطلوب، وإيجاد قنوات تواصل بين الشباب العاطل وواقع العمل…

بما يعني أن الحكومة اليوم على قناعة بأن آليات التشغيل الحالية والموروثة عن نظام الرئيس الراحل بن علي والحكومات المتعاقبة بعد الثورة غير كافية للاستجابة إلى تحديات العمل، وأن الرؤية القديمة المطبقة في التعامل مع ملف البطالة لم تعد قادرة على الإجابة على سؤال التشغيل وأسئلة العاطلين عن العمل..
ويعني كذلك أننا أضعنا الكثير من الوقت للتوصل إلى إجابة موضوعية عن معضلة من أكبر المعضلات التي تعاني منها البلاد منذ الاستقلال وأننا كنا ندير إكراهات البطالة بمسكنات ظرفية ومن دون حلول جذرية.

برامج خصوصية

المهم أن السلطة اليوم بدأت التفكير في وضع سياسات من شأنها أن توفر لكل طالب للعمل الامكانية للولوج إلى سوق الشغل والحصول على وظيفة تحقق له كرامته وتضمن له عيشا كريما وحياة مريحة، وأعلنت عن تفعيل برامج خصوصية عديدة في التشغيل وبرمجة خطط متكاملة لإدماج كل الأعمال العرضية وكل العاملين في القطاع غير المهيكل وكل العاملين على الهامش إدماجهم في القطاعات المهيكلة، وإعادة إدماج المنقطعين عن العمل والذين فقدوا وظائفهم أو تم تسريحهم وهي شريحة لا يتم عادة احتسابها في عدد العاطلين عن العمل من جديد في مسارات الحياة الشغلية وفق برامج سوف يتم إعدادها في الغرض.

حماية اجتماعية

واضح من خلال هذه الرؤية التي تتبناها الحكومة وهذه الاستراتيجية التي تشتغل عليها بالاشتراك مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا وأفريقيا في معالجة ملف البطالة، أن الغاية التي ترنو تحقيقها والهدف الذي تصبو إليه هو تحقيق مزيد من الحماية الاجتماعية للشباب وتوفير آليات ميسرة ومرنة للولوج إلى سوق الشغل، وتذليل كل العقبات لإعادة الإدماج بالنسبة للمنقطعين عن العمل من الذين توفرت لهم فرصة عمل وفقدوها لسبب من الأسباب…
وواضح كذلك أن الدولة تواجه اليوم أزمة كبيرة وهي واعية بهذا التحدي المصيري والمؤثر على المجتمع وعلى طموحات وآمال الشباب ومنسوب ثقته في مستقبل ممكن في بلاده وعلى إدراك تام بأن الرؤية القديمة لم تعد كافية وأنه من الضروري تبني مقاربة جديدة للبطالة، وأن منوال التنمية الحالي والذي يعود إلى ما قبل الثورة وتواصل استعماله خلال عشرية الانتقال الديمقراطي لم يعد مواكبا للتطورات الحاصلة في البلاد.. ولم يعد يلبي طلبات الشغل وغير قادر على توفير ما يطلبه العاطلون عن العمل…

معادلة صعبة

ولكن الاشكال الكبير الذي يواجه هذه الإرادة السياسية وهذا الحرص الحكومي يكمن في العرض الذي تقدمه الدولة و في المقاربة الجديدة التي تتبناها الحكومة والتي لا تأخذ بعين الاعتبار مسألة في غاية من الأهمية ويتوقف عليها نجاح هذا الطموح السياسي وهي أن الاستراتيجيات الجيدة والرؤية المستقبلية القائمة على برامج خصوصية وتشجيعات مالية واصلاحات يطالب بها صندوق النقد الدولي وكل المنظمات العالمية المتدخلة في موضوع الشغل والبطالة لا يمكن أن تستقيم ولا أن تحقق المأمول وهو التخفيف من وقع البطالة ومن الهشاشة والاجتماعية والتقليص من الفوارق الاجتماعية بين الجهات وضمان فرص متكافئة بين الجميع ما لم تأخذ في الاعتبار معادلة ارتباط النمو الاقتصادي و بمسألة خلق الوظائف وتوفير مواطن شغل…

هذا المحرّك الأساسي

بما يعني أن وجود حالة اقتصادية نامية هي التي تخلق بالضرورة مواطن شغل وفرص عمل إضافية، وبما يعني أن توسيع نشاط الشركات ينجر عنه ارتفاع الطلب على منتوج هذه الشركات و ينجر عنه توظيف مزيد من العمال وخلق مواطن شغل إضافية أي أن النمو الاقتصادي من خلال التشجيع عن الاستثمار وفسح المجال أمام القطاع الخاص، كي يتطور يتولد عنه توفير مواطن عمل جديدة فإذا كانت الوظيفة العمومية في السابق وحتى وقت قريب هي أحد المحركات الأساسية للتشغيل…
فإن توسع قطاع الأعمال الخاصة وفسح المجال أمام أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في بلادنا هو اليوم المحرك الأساسي للتخفيف من وقع البطالة بالقدر المطلوب، فالمراهنة على خلق شركات جديدة وفسح المجال للاستثمار كي ينمو في ظروف طيبة وفي مختلف القطاعات هو اليوم الضمانة لخلق فرص عمل تحول دون الهجرة ودون ارتفاع منسوب عدم الثقة لدى الشباب وارتفاع معدلات البطالة، ولكن هذه الطموحات وهذه الآمال تصطدم بواقع اقتصادنا التونسي غير القادر في راهينته على خلق مواطن شغل تكون قادرة على استيعاب أغلب العاطلين عن العمل وتصطدم بحقيقة اقتصادنا الذي لا يقدر على توفير مواطن شغل جديدة للكثير من الشباب العاطل والذي لم يجد ضالته في حلول الدولة وفي برامجها وفي سياساتها واستراتيجياتها…

اقتصاد طارد للعمل؟

وهذا يعني أن التعامل مع موضوع البطالة يحتاج الى معادلة بسيطة نمو اقتصادي مطرد واستثمارات واسعة وتوجهات اقتصادية كبرى بمشاريع كبرى وضخمة هي التي تخلق فرص عمل جديدة ومواطن شغل تستجيب لطلبات العاطلين عن العمل وتقضي على واقع الهشاشة ووظائف بأسعار زهيدة لا تحقق الكرامة المانعة من الهجرة والطاردة لمشاعر التشاؤم من المستقبل.
ما أردنا قوله أن اقتصادا طاردا للعمل وغير جالب لفرص التشغيل وغير قادر على الاستجابة لطلبات العاطلين عن العمل المقدر عددهم حسب آخر الاحصائيات الرسمية بـ 670 ألف شخص ثلثان من الإناث وثلث من الذكور و 40 بالمائة منهم من حاملي الشهادات العليا و 60 بالمائة ليسوا من خريجي الجامعات لا يمكن أن يكون أملا للحالمين بوظائف في بلدهم وبحياة كريمة في ظل سياسات تقوم على الحلول الظرفية وآليات لا يمكن أن توقف توسع رقعة البطالة ولا أن تمثل حلا للمشكلة ولا ترتقي أن تكون سياسات رشيدة للتشغيل ودائمة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى