صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: الأعياد الإسلامية وغياب فكرة إنتاج المعنى وتجديد الهوية والانتماء

slama
كتب: نوفل سلامة

الملاحظة العامة التي نقف عليها بمناسبة الاحتفال بأعيادنا ومناسباتنا الدينية أن الكثير من أفراد الشعب يحتفون بهذه المناسبات من باب العادات، وتوارث التقاليد التي تُذكّر بالآباء والأجداد، واجتماع العائلة.

غياب كلي لمعنى العبادة

حيث يشهد المجتمع في مثل هذه الأوقات حركية متزايدة واهتماما مكثفا ويبذل أفراده جهدا ماليا ونفسيا للوفاء بما تتطلبه هذه المناسبات من باب العادة، في غياب كلي لمعنى العبادة ومعنى الالتزام الديني القائم على تصور أن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا كانت حياته كلها بجزئياتها وكلياتها وبجميع تفرعاتها مؤسسة على قاعدة العبادة واستحضار معنى أن ما نقوم به من أفعال وتصرفات هو من أجل تحقيق معنى عبودية لله واتباع تعاليمه ومنهجه ومن وراء نيل مرضاته…

معاني العبادة والطاعة

فالقاعدة الأولى في ديننا هي أن كل معاملاتنا مرتبطة ارتباطا عضويا بمعنى العبادة والطاعة والاتباع وكل سلوك يغيب عنه هذا التصور هو سلوك خاو من معنى العبادة والتعبد بما أمر الله ويتحول إلى مجرد حركات وتصرفات لا معنى لها.
والملاحظة الأخرى التي نقف عليها في مناسباتنا الدينية هو غياب التصور الشامل والكامل لمعنى الأعياد في ذهنية المسلم المعاصر وغياب البعد الحضاري وافتقاد النظرة المطلوبة في هذا السياق الذي نمر به وتمر به أمتنا الإسلامية حيث يتم الاكتفاء عند الاحتفال بعيد من الأعياد الدينية وتحصر هذه الأحداث الدينية في بعدها الشعائري التقليدي…

طقوس مُعادة

وفي زاوية اهتمام تقوم على مجرد تأدية هذه الطقوس الدينية وكأنها وضعيات تُعاد في كل عام دون وعي عميق والتركيز و الاقتصار على بعدها الديني الشعائري والحال أن المطلوب هو تحويل هذه المناسبات إلى تجديد العبادات وتحويلها إلى حدث اجتماعي وثقافي مشبع بالدلالات الحضارية وتوظيف هذه الأوقات في استحضار الصورة الإسلامية وإنتاج المعاني المنسية والتي تم تغييبها بفعل الغفلة والتكاسل والتساهل والتذكير بالهوية الدينية وبالروابط والعلائق الإسلامية..

رمزية جديدة

فـ عيد الأضحى كغيره من الأعياد الإسلامية لا يجب أن يفهم على أنه مجرد شراء خروف وذبحه في يوم النحر تأسيا بما فعله جدنا النبي إبراهيم عليه السلام، وإنما هذا الحدث مع أحداث أخرى نحتاج اليوم أن نعطيه معنى جديد ورمزية جديدة، وأن نوظفه في سياقنا الحضاري والسياسي والاجتماعي الذي نمر به وتوظيفه في انتاج خطاب يعمل على تقريب الشعوب الإسلامية أكثر وتوحيد الأمة الإسلامية بعد أن تم تمزيقها وتفتيتها وتشتيتها واضعافها وأن نقدم خطابا يؤسس لوعي جديد بأن شعوبنا الإسلامية لا يمكن لها أن تتقدم وتصبح قوة تهابها الأمم الأخرى وتحترمها الدول من دون لحمة ووحدة وأن نحول الأعياد إلى مناسبات نعزز فيها المشترك الذي يجمعنا وندعم ما يعزز تماسك النسيج الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية وهذا يعني أنه علينا أن ننتبه إلى أن هذه الأعياد وهذه المناسبات لا يجب أن نقيمها ونحتفل بها بصفة منفردة كل فرد في المجتمع يقيمها في نطاقه الضيق من دون وعي بما يحصُل خارج بيته ومن دون انتماء إلى الفضاء الإسلامي الكبير.

تجديد الانتماء

ما هو مطلوب اليوم هو أن نُحوّل سردية التضحية التي ارتبطت بقصة النبي إبراهيم مع ابنه إسماعيل إلى رمزية ودلالة تتجاوز بعدها التعبدي الشعائري الفردي على أهميته إلى مناسبة نجدد فيها الانتماء للهوية الإسلامية الجامعة ونعيد إنتاج المعنى الجماعي للتراحم والترابط من أجل وعي حضاري جديد والانتقال بهذه المناسبات من مجرد حدث يعاد كل سنة بنفس الصورة والكيفية إلى مناسبة لصياغة الهوية والتذكير بها وبالعلائق والروابط من أجل وعي حضاري جديد…

أبعاد روحية وتعبدية

وإدراك بأن الأمة التي لا تستطيع أن تعين الضعيف والمحتل وتنصر المظلوم، وأن نساند شعبنا في فلسطين الذي يعيش تحت وطأة الجوع والفقر والاحتلال من دون وعي جماعي وعلائق وروابط متينة تجعل من الأعياد الإسلامية حدثا رمزيا مكثفا تتقاطع فيه الأبعاد الروحية التعبدية والاجتماعية والثقافية والحضارية في لحظة تتجدد فيها اللحمة الإسلامية، ويُعاد فيها التذكير بالهوية الحقيقية الجامعة والانتماء إلى الفضاء الإسلامي الكبير فما نجح فيه المستعمر وما رسخته حداثته وأنواره هو أن جعلت منا دولا قومية منفردة وجسما أوصاله متقطعة وجعلت من الشعور بالانتماء إلى الأمة الواسعة والمصير الواحد والتاريخ الجامع يخفت ويضمحل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى