صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ احتجاجات انقلترا المناهضة للمهاجرين: لماذا وإلى أين؟

slama
كتب: نوفل سلامة

ليست هي المرة الأولى التي تعرف فيها انقلترا أعمال عنف تجاه الأجانب المقيمين .. وليس هي المرة الأولى التي يتعرض فيها المهاجرون من جنسيات مختلفة وخاصة من الجنسيات العربية والديانة الإسلامية إلى اعتداءات، على يد جماعات تصف نفسها بالقومية وتدافع عن هوية البلاد و الرافضة لتواجد أي أجنبي على أرض انقلترا التاريخية…

أعمال عنف سابقة

حيث شهدت المملكة المتحدة أعمال عنف ضد المهاجرين في سنوات 2007 و 2011 ولكن احتجاجات التي حصلت منذ شهر تقريبا كانت الأعنف والأخطر، بعد أن تحوّلت إلى احتجاجات شارعية يومية متواصلة أججّها وساندها بقوة خطاب حزب اليمين المتطرف المعارض لسياسات الاتحاد الأوروبي للهجرة ما جعلها تتحوّل إلى أعمال شغب واعتداء على الممتلكات توسعت رقعتها إلى العديد من المدن والبلدات في شتى أنحاء بريطانيا وطالت المساجد والفنادق التي تخصصها الحكومة للمهاجرين وطالبي اللجوء..
وأحدث حالة من الخوف والهلع في صفوف البريطانيين من جنسيات إسلامية مختلفة الذين انصهروا في المجتمع وتعايشوا مع السكان الأصليين بكل هدوء وفي كنف التعايش السلمي واليوم يجدون أنفسهم في وضعية غير المرغوب فيهم و المهددين بالطرد.

معقدة ومركبة

الخطير هذه المرة في الاحتجاجات الأخيرة أنها معقدة ومركبة ومتشعبة يطالب من يقف وراءها بتطهير الهوية والعودة إلى الصفاء والنقاء القومي والعرقي، وبعودة بريطانيا بيضاء كما كانت من دون مهاجرين ملونين قادمين من هنا وهناك وخاصة المهاجرين العرب والمسلمين والأفارقة والمهاجرين الهنود وحتى المهاجرين من دول أوروبا الشرقية الذين يعتبرهم المحتجون ذوي التوجهات القومية أجانب ويهددون عيش المواطن البريطاني..

التحول هذه المرة في موجة الاحتجاجات التي تظهر من سنة إلى أخرى ضد المهاجرين وإن كانت حركات ليس بالجديدة إلا أنها صُنفت هذه المرة الأعنف والأكثر جرأة على تحدي الشرطة واقتحام مساكن ومساجد المسلمين وفي توسع رقعتها وتزايد أعدادها ما اعتبره أحد المحللين البريطانيين بمثابة الانفجار الذي قسّم الشعب وأحدث شرخا مهددا لوحدة الشعب الانقليزي الذي اتضح اليوم أنه يضم في صفوفه جزءا كبيرا رافضا للمهاجرين ويطالب بطردهم إلى بلدانهم الاصلية، فحجم العنف وارتفاع منسوب الكراهية والغضب اعتبر غير مسبوق باعتراف جهاز الشرطة والجمعيات المساندة للمهاجرين.
الخطير هذه المرة فيما يحصل في انقلترا أن الاحتجاجات تقودها الطبقة العمالية البيضاء من أصول انقليزية التي تعتبر أن وظائفها ومعاشاتها وحصولها على الإعانات الاجتماعية مهددة بتواجد الأجانب والمهاجرين فوق التراب البريطاني، ويقف وراءها سكان وشباب الأحياء الفقيرة والمهمشة والغاضبين على الدولة وعلى الحكومة وعلى الأحزاب وهم أفراد تغذوا لسنوات بثقافة الكراهية والحقد ورفض الأجانب وتملكهم التعصب يرفعون شعار استعادة البلاد من الأجانب الذين اغتصبوها واسترجاع الوطنية التي افتكها المهاجرون السود القادمين بطرق غير شرعية في قوارب عبر البحر…

نحن أولى بدولتنا!

فهذا الشباب المحتج رفع هذه المرة في حركة غضبه على الحكومة شعار ” أوقفوا قوارب الهجرة ” وشعار ” استرجعوا حدودنا من الاغتصاب الأجنبي”
احتجاجات هذه المرة يقودها جزء من الشعب البريطاني الذي يطالب الحكومة بأن لا تصرف أي مساعدة اجتماعية ولا توفر أي موطن شغل إلا لأبناء البلاد .. المحتجون يعتبرون أنهم هم الأولى بما تقدمه الدولة من إعانات ومساعدات اجتماعية من مال وسكن وعمل في حركة ورسالة واضحة على عدم رضى هؤلاء الشباب الغاضب المحتج على منوال التنمية المطبق وعلى الخيارات الاقتصادية والاجتماعية وعلى منظومة العمل والمساعدات والخدمات التي لا يستفيد منها المواطن البريطاني في الوقت الذي يجد الأجنبي والمهاجر القادم من إفريقيا أو أوروبا الشرقية كل التسهيلات للحصول على مأوى ومساعدات مالية وعمل..
الحركة الاحتجاجية الأخيرة تطالب برد كل مهاجر إلى بلده الأصلي وترى أن الشباب الغاضب هو الأولى بما تقدمه الدولة من مساعدات ومساهمات وليس هناك من داع إلى قبول هؤلاء المهاجرين ليشاركوا الفرد الانقليزي في معاشه وخدماته وسكنه وتطالب الحكومة برفض أي عملية اندماج معهم ويعتبرون أن خروجهم من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى العمل بالعملة الانقليزية والتعويل على كل ما هو محلي ووطني موقفا من الشعب الانقليزي أنه لا يريد من يقاسمه خيراته واقتصاده وخدماته فالأجنبي بالنسبة لهؤلاء المحتجين لا يتجاوز كونه زائرا لبلدهم لا أكثر ولا أقل يبقى لأيام ثم يعود من حيث جاء…

صعود اليمين وأسئلة حائرة؟

اليوم سؤال الهجرة يعود بقوة في أوروبا بعد أن عرفت صعود أحزاب اليمين المتطرف وعودة التيارات القومية والشعبويات التي ترفع شعار الهوية الضيقة ونقاوة العرق والجنس المحلي التاريخي الذي بنى البلد وأسس الوطن وبه تعرف البلاد التي يرونها مهددة بالاندثار والذوبان أمام تصاعد موجة الهجرة إلى أوروبا بأعداد غير مسبوقة وتواجدهم بكثافة مما ينجر عنه خطر على تغيير التركيبة السكانية.
المشكل في الاحتجاجات الأخيرة أن الخيارات الأوروبية في قبول المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء ومن البلدان التي تعرف نزاعات مسلحة والفارين من واقع الفقر والجوع والبطالة والحالمين بوضع أفضل وأحسن في بلدان ما وراء البحار والراغبين في تحسين أحوالهم المعيشية والذين تضع بلدان الاستقبال الأوروبية ومنها انقلترا على ذمتهم السكن والتدريب المهني والتكوين و تعلم اللغة وإتقان مهنة تحتاجها البلاد ولا يشغلها المواطن العادي وتوفير وظيفة..

مواجهة علنية وواضحة

كل هذا السلوك وهذه التصرفات وهذه الخيارات لسياسات الهجرة المتبعة قد جعلت الدولة والحكومة الانقليزية في مواجهة مباشرة مع أبنائها ومواطنيها الذين يفتقد أغلبهم كل هذه الامتيازات، فما يحصل اليوم أمر خطير وهو أن الدولة تجد نفسها في مواجهة علنية وواضحة مع شعبها الذي يطالب بأن تكون أموال الضرائب التي يدفعها وعائدات تجارته وصناعته وفلاحته في خدمة الشعب الانقليزي لا غير فالخطاب السياسي اليوم لم يعد يقنع كثيرا ما جعل خيارات إدماج المهاجرين تفشل وتعرف رفضا واعتراضا قويا وصل إلى حد وصف أحد المراقبين ما يحصل مع الحركة الاحتجاجية الشارعية الأخيرة بأنها ثورة ضد المهاجرين هذه التي تعرفها بريطانيا.
اليوم الشعب يطالب الحكومة البريطانية أن تعتني بشعبها في المقام الأول وأن تهتم بتحسين حاله ومعيشته قبل التفكير في مشاكل المهاجرين .. المحتجون يطالبون الحكومة البريطانية بإصلاح قطاع الصحة المنهك والمنظومة الصحية التي تعرف العديد من الصعوبات والنقائص ويطالبون بتمكين المواطن البريطاني من الحصول على خدمات صحية مفقودة في ظل ارتفاع كلفة العلاج وصعوبة توفير المال للحصول على الدواء مع نقص كبير في الإطار الطبي وشبه الطبي الذي خرج منذ أشهر محتجا على ضعف المرتبات ويطالب بالزيادة في أجور العاملين في القطاع الصحي.
المحتجون يطالبون الحكومة أن تعالج مشكلة توفير الشغل للشباب العاطل وخاصة سكان الأحياء الشعبية وبمساعدة العجز والمتقاعدين على التمتع بالخدمات الأساسية وتمكينهم من خلاص فواتير التدفئة المرتفعة ومعالجة سياسة ارتفاع الأسعار التي لم يعد المواطن قادرا على مجاراتها مما صعبت العيش على الكثير من السكان وتحسين المقدرة الشرائية للأجراء والعمال في المصانع التي تعرف تواصلا في غلق الكثير منها ليجد ممن كانوا يعملون بها في وضعية البطالة القسرية من دون أي رعاية ولا مرافقة من قبل الدولة التي تقدم كل شيء للمهاجر العاطل القادم من خارج الحدود.

تضليل إعلامي خطير

الخطير والذي تركناه في الأخير فيما تعرفه انقلترا من حركة احتجاجية واسعة ضد المهاجرين والتي تطالب الحكومة بالاهتمام في المقام الأول بالمشاكل الداخلية و باحتياجات السكان الأصليين قبل الوافدين ما حصل من تضليل إعلامي خطير على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن تلاعب بالمعلومة ونقلها مزيفة ومن توظيف غير بريء على منصات التواصل الاجتماعي في عملية غير أخلاقية لتعريض حياة المهاجرين المسلمين للخطر وتوجيه الرأي العام ليتخذ موقفا معاديا للعرب والمسلمين ويتحول إلى مساند للحركة الاحتجاجية..
حيث انطلقت حركة الشغب الشارعية التي رفعت شعارات لطرد المهاجرين من حادثة هجوم جدت يوم 29 جويلية المنقضي تعرض له حفل راقص للأطفال في بلدة “ساوثبورت ” الساحلية في شمال إنقلترا نتج عنه إصابة ثمانية أطفال واثنين من البالغين وقتل 3 فتيات تتراوح أعمارهن بين 6 إلى 9 سنوات وتم توجيه التهمة للضالع في الهجوم الإجرامي إلى شاب مهاجر مسلم من أصول افريقية..
واتضح فيما بعد أن الذي كان وراء أعمال القتل هو شاب إيرلندي يبلغ من العمر 17 عاما تم القبض عليه وجعل الشرطة البريطانية تتخلى عن وصف الهجوم بـ العمل الإرهابي وتدين شبكات التواصل الاجتماعي بعدم بذل ما يكفي من الجهد لوقف انتشار المعلومات المضللة و تضخيم المعلومات الكاذبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى