نوفل سلامة يكتب: أي مخاطر للإجراءات الجديدة في قانون الشيكات؟

كتب: نوفل سلامة
صدرت كما هو معلوم الإجراءات الجديدة المنظمة للشيك وكذلك الإجراءات الاحترازية للتقليص من هذه الوسيلة المالية التي يستعملها بعض الأفراد، والتي تكون فاقدة لـ الرصيد البنكي وما ينتج عن ذلك من تتبعات قضائية تنتهي بتسليط عقوبة سجنية سالبة للحرية على أصحابها…
تنقيحات قانون الشيكات
حيث صدر القانون عدد 41 المؤرخ في 2 أوت 2024 المنقح لبعض فصول وأحكام المجلة التجارية وتحديدا الفصول 410 و 411 و 412 التي جاءت بإجراءات جديدة تحدّد كيفية التعامل بالشيك مستقبلا وتقدم تصورا جديدا لهذه الوسيلة المالية في المعاملات التجارية والخدمات، أنهت فكرة أن يكون الشيك وسيلة ضمان في المعاملات بين الأفراد…
بما يعني أنه مستقبلا لن يقبل أي شيك مؤجل الدفع أو أي شيك يصرف بتاريخ لاحق إلى حين توفير الرصيد، وهي الوضعية التي تعوّد عليها التونسيون في شراء لوازمهم الخاصة أو حصولهم على خدمات مختلفة كأن يسلم الوليّ الذي يدرّس ابنه في مدرسة خاصة مجموعة من الشيكات بتواريخ مختلفة تكون عادة تواريخ مستقبلية لخلاص معاليم الدراسة…
فهذه الوضعية التي تعوّد عليها الكثير من أبناء الشعب لم تعد مع القانون الجديد ممكنة ومتاحة بل أصبحت مجرّمة وعملية يعاقب عليها القانون بخمس سنوات سجنا بما يعني كذلك أن الإجراءات الجديدة قد أرجعت للشيك مفهومه الأصلي والقانوني وهو كونه وسيلة خلاص ولا وسيلة ضمان، رغم أن الثقافة التونسية وما تعارف عليه الناس وتعودوا عليه لسنوات قد ثبّت فكرة أن الشيك وسيلة ضمان ورضي بهذه الفكرة الجميع أفرادا وتجارا ومسدّي الخدمات، واليوم هذه الفكرة قد أنهى القانون الجديد العمل بها..
سؤال حارق؟
وهنا يُطرح السؤال: كيف ستتصرف الطبقة الوسطى وهي الشريحة الأكثر استعمالا للشيك جراء ضعف قدرتها الشرائية وتراجعها باستمرار الأمر الذي يجعلها غير قادرة على الدفع بالحاضر، وتُقدم على التعامل بالشيك كوسيلة ضمان للحصول على مختلف حاجياتها سواء من البضائع أو من الخدمات…
وهي شريحة عريضة أغلبها من موظفي الدولة الذين غالبا ما يكونون غير معنيين بجريمة إصدار الشيك بدون رصيد لتوفر الرصيد لديهم ويجدونه في المرتب والأجر وتجريم إعطاء الشيك بتاريخ لاحق قد يضرها ويعسر عليها العيش لكونها لن تقدر مستقبلا على الشراء بالتقسيط باستعمال البيع المؤجل…
للإجابة على هذا الهاجس وهذا التخوف أحال المشرّع في القانون الجديد على آلية الكمبيالة التي تعدّ هي وحدها وسيلة ضمان وتصرف في وقتها وتاريخها المتفق والمنصوص عليه، لكن المشكل في هذه الإحالة على الكمبيالة بدل الشيك في كون التجار والكثير من الأفراد لا يحبذون التعامل بها ويخيّرون الشيك والدافع إلى ذلك أن الشيك فاقد الرصيد يرتب عقوبة تنفذ على الذات و على المكاسب ويرتب عقوبة سجنية سالبة للحرية في حين أن الكمبيالة ترتب تتبعات مدنية لا جزائية ومتابعة مكاسب صاحب الكمبيالة في صورة عدم توفر الرصيد البنكي، وهي كلها إجراءات لا تحمي متسلم الكمبيالة..
رجة وخلخلة مجتمعية
من المؤكد أن دخول الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ والتطبيق في مستهل السنة الجديدة 2025 سوف تحدث رجة وخلخلة مجتمعية وتململ ولكن مع الوقت سوف يعتاد الناس على عدم التعامل بالشيك كوسيلة ضمان وخلاص مؤجل، وانما وسيلة خلاص نافذة على الفور مع دخول المنصة الرقمية الموحدة التي تكون مهمتها التثبت من توفر الرصيد من عدمه قبل تسلم الشيك تنخرط فيها وجوبا جميع البنوك عبر آلية الترابط البيني وعملية التشبيك الواسع للمعلومات مع توفير لكل حريف امكانية النفاذ الميّسر إلى المعلومات المتعلقة بحساباته المالية عبر خدمات إلكترونية مجانية بواسطة المنصة الرقمية..
وسوف يكون من المتاح مستقبلا لكل مستفيد من شيك امكانية التثبت الفوري من توفر الرصيد من عدمه أو توفر الرصيد الكافي أو وجود اعتراض على قبول الشيك بسبب السرقة أو الضياع أو وجود حجر على حسابه أو اقفال الحساب المسحوب عليه…
حجز مبالغ الشيكات
وبهذه الإجراءات يعتقد المشرع أنه قد أنهى إلى الابد مسألة إصدار شيك دون رصيد أو تسليم شيك لا يتوفر على رصيد بنكي، كما يوجب القانون الجديد على البنك أن يحجز المبلغ المطلوب على ذمة المستفيد من كل شيك تم التثبت من توفر رصيده عبر المنصة الرقمية حتى لا يتم التلاعب بالرصيد المتوفر أو استعماله في عمليات مالية أخرى، وبمجرد موافقة البنك على توفر الرصيد يكون الشيك قابلا للدفع في خلال كامل المدة المتبقية لصلاحيته المقدرة بثمانية أيام من تاريخ إصداره وأي صرف للرصيد او الانقاص منه خلال المدة القانونية فإن البنك يكون مسؤولا على توفير الرصيد ويتحمل دفع المبلغ المطلوب فورا بمجرد تقديم الشيك مهما كان مبلغه.
المشكل الذي تثيره الإجراءات الجديدة على أهميتها والتي أتينا على البعض منها وخاصة التخلي عن العقوبة السجنية للصكوك التي يكون مبلغها أقل من خمس آلاف دينار وتمكين مسلّم الشيك والذي ثبت عدم امتلاكه الرصيد البنكي من إجراء الصلح والاتفاق على تسوية رضائية، أن التنقيح الجديد والاضافات الجديدة قد جاءت لحماية المتضرر من السجن ومراعاة الأشخاص الذين سلموا صكوكا دون توفر الرصيد، وهي وضعية على خطورتها لم تتحول إلى ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع في أمنه واستقراره كما هو الحال بالنسبة للمخدرات والتهرب الضريبي وتبييض الأموال والتجارة الموازية والهجرة غير النظامية التي تحتاج فعلا إلى تشريعات جديدة…
على اعتبار أن المتورطين في إصدار شيك بدون رصيد يبلغ عددهم إلى حدود شهر أفريل 2024 حوالي 496 شخص منهم 292 تم الحكم عليهم و 204 رهن الإيقاف وأن عدد القضايا قد بلغ 11265 قضية باعتبار أن كل شيك دون رصيد يمثل لوحده ملف قضية، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يصدرون شيكات ويتعاملون بهذه الوسيلة للخلاص هم في العموم أوفياء في تعاملاتهم ولا يثيرون أي قلق او إزعاج مع المتعاملين معهم سواء كانوا تجارا أو مسدّي خدمات وإنما الفئة التي تورطت في إصدار صكوك دون رصيد هم في الغالب أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة الذين تعرضوا لسبب أو لآخر إلى صعوبات مالية واكراهات منعتهم من توفير السيولة اللازمة.
واقع جديد ووضعية جديدة
ومهما يكن من أمر فنحن اليوم أمام واقع جديد ووضعية جديدة سوف تحدث ثورة في التعامل المالي ربما تنهي التعامل بالشيكات لتصبح كل التعاملات بالبطاقات البنكية الذكية، وتحدث تغييرا كبيرا في العقلية والثقافة التونسية التي تعودت أن يكون الشيك وسيلة ضمان لا وسيلة خلاص فوري..
واليوم تخضع الطبقة الوسطى الشريحة الاجتماعية الأكثر استعمالا للشيكات إلى عملية تبديل وتغيير في العقلية والثقافة بفعل القانون، ومن وراء سلطان التشريع عوض الإصلاح والتغيير الثقافي الفكري الذي يتطلب وقتا لتغيير العقليات.
وسوف ننتظر لنعلم كيف سيتعامل التونسي مع هذا القانون الجديد لما يدخل حيز التنفيذ ويجد نفسه من دون استعمال حر للشيك ويجد إرادته مقيدة بعدد محدود من الشيكات وبمبالغ صغيرة ومن دون القدرة على شراء حاجياته والحصول على خدمات اعتاد عليها من دون تسليم شيكات كضمانة للخلاص في تواريخ يقع الاتفاق عليها مع المؤسسات التجارية ومسدّي الخدمات.