مقامات رمضانية: أطفال متسولون!

يكتبها: الأمين الشابي
شعر عم سعدون ببعض الضجر، فأراد الترويح عن النفس والابتعاد عن الجو الكئيب المستتر… فلبس طربوشه ووضع نظاراته التي تساعده على قوة النظر…وعقد العزم على جولة في أجواء المدينة التي تعج بالسلع و البشر.
وما إن غادر بيته وتوغل في الأنهج و الشوارع حتى فاجأه أحد القُصر، وهو لم يبلغ من العمر عشرا. وطلب منحه بعض النقود وأعلمه أنه منذ ليلة أمس لم يأكل ولو وحدة تمر…
فرق لحاله، واقترح عليه أن يشتري له بعض الأكل ليخفف عنه ذا الجوع الكافر.. و لكن الطفل عارض ذاك و طلب المال نقدا لشراء الطعام، فعائلته هي أيضا للأكل تنتظر على أحر من الجمر.
فناوله ما تيسر من النقود و قلبه لتلك الحالة يكاد ينفطر. وراقب عم سعدون ذلك الطفل ما هو فاعل بما تيسر. فإذا به يشتري بتلك النقود سجائر و ما تمثله على جسده النحيف وعلى صحته من خطر… فحولق عم سعدون و تأفف من شؤم النذر.
ثم واصل طريقه لتعترضه طفلة في مقتبل العمر،. وهي تحمل يافطة مكتوبا عليها و انها تعاني و عائلتها الفقر، لأنها من بلد عربي انفرطت حبات عقده فتاه فيه البشر.. فعطف عليها و ناولها بعض النقود و دعا لها بالخير..
وإذا بطفل آخر يعرض عليه بضاعة متمثلة في مناديل ورقية. فاشترى منه واحدة و أعطاه دراهم بلا عد، لعله بذلك يساعده على درء بعض الخصاصة التي أصابت كثيرا من البشر.
وواصل عم سعدون طريقه فإذا بامرأة تحتضن رضيعا و تطالب المارة مساعدتها لتشتري حليب لابنتها ودواء لزوجها المريض الذي يكاد يحتضر…
وعلى بعد امتار من ذلك، طفل آخر، وكان له إعاقة و كان يرتمي على من يعترضه من المارة لطلب النقود و منها ما تيسر.
تساءل عم سعدون، أمام كل هذه المصائب التي عاينها من فقر، هل هي فعلا حالات حقيقية أم هناك جهات تستخدم الأطفال للحصول على المال وبه تظفر.
ولم يمر بعض الوقت حتى وقفت شاحنة صغيرة و نادى صاحبها هؤلاء الأطفال للالتحاق به بلا تأخر. فتعجب عم سعدون لهذا العجب. و قال إلى هذا الوضع وصلنا بالاتجار بالبشر؟
فرجع مسرعا لبيته و في حالة هستيريا من صنع بعض البشر. و قرر الابلاغ عنها للجهات المسؤولة حتى نحمي أطفالنا من هؤلاء المتاجرين الذين لم تسلم منهم ببراءة الأطفال القصر.
وهل هم فعلا من أصناف البشر، أم أن المال عمى بصيرتهم و يبحثون عنه بكل السبل و لو كان عنوانه و وسائله استعمال البشر بل الأطفال القصر. فهل لهؤلاء ضمير و عقل و فكر؟