مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم (6/ 7)

إعداد: نوفل سلامة
نصل مع الرئيس الأسبق فؤاد المبزع إلى الحلقة قبل الأخيرة من مذكراته حول حدث الثورة التونسية وفيها يعتبر صاحب المذكرات أن الخطاب الذي ساد قبل انتخابات 2011 كان يركز على نفي المرحلة السابقة ونفي منظومة ما قبل الثورة و هو خطاب ـ حسب رأيه ـ كان له تأثير على الناس هيمن عليه الاتجاه الديني الذي اقحم أصحابه الدين في السياسة…
إنحراف الثورة
ومن هنا بدأ الانحراف وتحويل وجهة الثورة وشعاراتها ومطالبها ولكن لم يكن هناك بد من مواجهتها لغياب الأدلة على هذه الانحرافات، وإنما هي كلها انطباعات وملاحظات شخصية .. لقد كان الاتجاه العام خلال الصائفة التي سبقت الانتخابات يقوم على أحد الخيارين إما أن تكون مع الجهة التي كان صوتها أقوى، وهي جهة استعملت ‘العصا والجزرة’ التخويف والوعود أو الرافضون للمسار أصلا، مسار انتخاب المجلس التأسيسي وكتابة دستور جديد وخطورة هذا المسار على وحدة الشعب، وهذه الجهة الثانية كانت مع خيار القيام باستفتاء حول صلاحيات المجلس الوطني التأسيسي.
‘بلية’ الإسلام السياسي
خصص الرئيس المبزع حيزا مهما في حديث المذكرات عن الإسلام السياسي واعتبره بلية ابتليت بها البلاد، وهو حسب رأيه تيار لا علاقة له بالديمقراطية ولا بالثورة و غايته كانت السلطة والتمكن من الإدارة أولا ثم نظام الخلافة ثانيا…
وكل ما دار من نقاش حول الدستور داخل المجلس يؤكد ذلك و ما حصل من تصادم بين سلطة الترويكا والمجتمع وبدأ التشنج الشعبي يظهر للعيان في أحداث 9 أفريل و أحداث الرش بسليانة التي جدت في سنة 2012 وبعدها أحداث السفارة الأمريكية التي جدت في شهر سبتمبر من نفس السنة، كل هذه الأحداث وغيرها أوضحت عن وجود محاولات جدية لتغيير صورة المجتمع يعبر عنها بكل وضوح قدوم ما يُسمى بـ ‘الدعاة’ وتنظيم التظاهرات في الساحات العامة والملاعب .. زيارة وجدي غنيم وغيره…
يقول فؤاد المبزع: كانت لديّ قناعة بأن المشهد لا ينبئ بحصول تحول جوهري كما يريده من قام بالثورة في تونس، وأن كل ما في الأمر منظومة سوف تحل مكان أخرى أو تخلف أخرى من دون مراعاة لشعار الثورة..
كيف حصل ذلك والحال أن هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي كانت هي الضامنة لذلك؟
تحدث عن المثقف التونسي الذي نفى عنه أي مشاركة قبلية وحتى بعدية في أحداث الثورة التي لم تكن ثورة مثقفين ولا من تفكيرهم، وإنما هي ثورة الشباب والمعطلين وسكان الهوامش.
قوى خارجية وراء الإسلاميين
اعتبر أن قوى خارجية ساعدت الإسلاميين على الوصول إلى الحكم والسلطة وراهنت عليهم، كما اعتبر المبزع أنه يعلم طبيعة الشخصية التونسية التي تأثرت بمختلف الحضارات والثقافات التي حلت ببلادنا، وأصبحت شخصية مرنة غير متعصبة ترفض المغالاة وتأبى الاكراه وقد كان على يقين من أن الشعب التونسي لا يقبل بالوضعيات الوافدة عليه والوضعيات التي لا تنبع منه ونقل عن المفكر المغربي محمد عابد الجابري قوله: “إن الخوف الأكبر ليس من نفوذ الموجودين في الحكم وهم محل نقد بالطبع لكن الخوف كل الخوف من الوافدين الجدد الذين يعبرون عن جوع ونهم للسلطة والحكم’…
الشعب نظر إلى الثورة من منظار القطع مع الماضي والإصلاح والبناء على الصالح وما أكثره، لكن ما حصل أنهم هيئوا كل الظروف حتى يكون المجلس الوطني التأسيسي بلا قيود حرا مطلق اليدين في تكييف المرحلة كما شاءت الأغلبية الفائزة في الانتخابات.. لقد أغرقوا الإدارة بالانتدابات مما جعل كتلة الأجور في عهد الترويكا تنتقل إلى نسبة 20 % بعد أن كانت لا تتجاوز 6 % في عهد بن علي…
عدالة انتقامية
مرحلة ما بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 مرحلة أطلق عليها مصطلح تلاقي الإسلام بالعلمانية انصرفت فيها الترويكا الفائزة إلى تشكيل الحكومة، مرحلة شابها الكثير من التجاذبات والوعود بنيل المناصب والتركيز الكلي على الحكم بدل تحقيق مطالب الثورة مع وجود غضب متبادل حول المناصب والاعتراضات والنقد.
بخصوص موقفه من هيئة الحقيقة والكرامة فقد اعتبر أن الهيئة قلبت المفاهيم والتوجهات لتصبح عدالة انتقامية فيها جلد ومحاسبة لتاريخ البلاد ورموزها.
انتقد بشدة توجه تونس نحو معاداة سوريا (النظام السوري) في عملية اصطفاف الى جانب سياسة تقودها أمريكا وتحديدا الحزب الديمقراطي ورأس الإدارة الأمريكية الرئيس باراك أوباما…
اغتيالات وعمليات إرهابية
يقول: ونتيجة لكل هذه الانحرافات بدأت تونس تدخل نفقا غير مسبوق بحصول الإغتيالات المتتالية والعمليات الإرهابية والتهديد بالقتل والتصفية، واختلطت الأوراق وحصلت اللخبطة وانفلت العقال.
وبدأت الهفوات تتالى وحصل الارباك في الحكومة الذي أصبح سيد الموقف وحصيلة ما حصل من اقتحام فضاء أجنبي ذي سيادة – في إشارة إلى اقتحام السفارة الأمريكية – فكانت النتيجة أن غرمتنا الدولة الأمريكية وتحصلت من مجلس نواب الشعب في 2015 على تعويض عن الخسارة التي لحقت بها تمثل في ملكية الأرض المقابلة للسفارة والمشيد بها مدرسة أمريكية لطالما توددت السفارة للسلطات التونسية كي تحصل على ملكية تلك الأرض ولكن دون جدوى…
سؤال محيّر
فهل كان هذا الحدث مفتعلا، مقصودا للوصول إلى هذه النتيجة؟ هذا السؤال المحير بقي إلى اليوم عالقا لماذا لم تتخذ الدولة الأمريكية أي إجراءات إزاء ما حصل من اقتحام لسفارتها كما لم تتخذ أي إجراءات صارمة وحازمة تليق بالحدث تجاه الحكومة التونسية حيث لم يصدر بيان يحمّل الدولة والحكومة مسؤولية وتبعات ما حصل من فعل شنيع..
واكتفت بقبول تعويض عما لحق بها من خسارة كان عقارا مقاما فوقه مدرسة تابعة لها. فهل كانت المخابرات الأمريكية على علم بهذا الحدث؟ وهل تم تحميل المسؤولية لطرف ما؟
وللمقال صلة…
طالع أيضا الجزء الأول: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة عرفتها تونس: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم
طالع أيضا الجزء الثاني: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة عرفتها تونس: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم
طالع أيضا الجزء الثالث: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم
طالع أيضا الجزء الرابع: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم
طالع أيضا الجزء الخامس: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم