محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: المناضل الصادق القرمازي

كتب: محمد الحبيب السلامي
هذا العلم ولد في صفاقس ليعمل لا ليتكلم…ليداوي ويشفي لا ليخطب، هذا العلم من عائلة القرمازي التي أصلها من تركيا…
ولد يوم 14 جانفي 1912، سماه أبوه الحاج محمد القرمازي (الصادق) ليكون في حياته مع ربه ونفسه ووطنه صادقا…فهل كان صادقا؟
الجواب نقرأه في صفحات تاريخه الذي كتبه خلال عشرات السنين ثم تركه وكأنه يقول (هذا كتابي بين أيديكم فانظروا بعدي إلى ما في صفحات كتابي)…
في صفحة المدرسة
نقرأ فنجد الصادق يدخله أبوه المدرسة التهذيبيةً المعروفة باسم (مكتب كمون) ومنها يخرج ليدخل مدرسة سيدي عباس، وفيها يجتهد، ومنها يفوز بالشهادة الابتدائية…فكان صادقا
في صفحة التعليم الثانوي
نجد الصادق قد دخل ثانوية صفاقس، ثم نجده يواصل الدراسة بتونس العاصمة في (ليساي كارنو)، وبعد سنوات من سهر الليالي في المراجعة ومتابعة الدروس في القسم بالنهار يفوز الصادق بشهادة الباكالوريا…أ لم يكن صادقا؟
في صفحة التعليم العالي
نجد الصادق القرمازي يطمح في أن يكون صيدليا، ولا يتحقق طموحه إلا إذا سافر وتغرّب سنوات يطلب فيها علوم الصيدلة، سافر إلى فرنسا وحط رحله في (تولوز)، وقرر ألا يرجع لوطنه وبلده وأهله إلا وهو ناجح، وفي يده شهادة (الصيدلة)..
وفي سنة 1940 نجح وفاز بالشهادة، وعاد من غربته إلى بلده وفي يده شهادة تثبت أنه حقق طموحه، وبالشهادة فتح بصفاقس بنهج الحدادين (صيدلية القرمازي) التي تُرى من نهج الباي ومن نهج الحدادين، فهل كان في طموحه صادقا عمليا؟
في الثقافة
بعض المثقفين المدرسيين بصفاقس فكروا في تأسيس جمعية ثقافية تخدم التلاميذ المدرسيين ثقافة وتوجههم وطنيا، والفكرة خرجت وتحققت في جمعية سموها (جمعية الثقافة والتعاون المدرسي)…لها ناديها ولها مكتبتها، وتُلقى فيها المحاضرات فكان الصيدلي الصادق القرمازي من مؤسسيها وباعثيها ومدعميها، فهل كان صادقا؟
في بلدية صفاقس…مرحلة تجربة
صاحبنا الصادق القرمازي يعلم أن بلديةً صفاقس التي تأسست في عهد الحماية مجلسها يتألف من عدد محدود من المسلمين وعدد من اليهود، وعدد من الفرنسيين، فرأى الصادق أن ينضم إلى هذا المجلس كمسلم صفاقسي، ويحاول مع الأعضاء المسلمين أن يوجه رياح البلدية لخدمة صفاقس والصفاقسيين…
ونفذ الصادق الفكرة بعد الحرب العالمية الثانية…وحاول توجيه الرياح لكنه اصطدم بمجلس بلدي مقوده بيد الفرنسيين يخدم في صفاقس الأحياء التي يسكنها الفرنسيون واليهود…
فماذا فعل الصادق؟ قدم استقالته، وفي صحيفة (الدباش ) نشرها…
في صفحات النضال
نلقاه في الحزب الحر الدستوري التونسي، يفكر ويقترح ولا يخطب…ولما انطلقت الثورة في الشوارع والجبال كان همزة وصل في سر وخفاء، وكان مدّعما للمقاومين، في صفحة بناء الدولة، لما استقلت تونس وقامت الدولة التونسيةً، احتاجت الدولة في بنائها لخبرة الخيرة من أولادها، والصادق القرمازي واحد منهم…
لذلك أخذ مكانه في المجلس التأسيسي لكتابة الدستور التونسي، ولذلك نجده عضوا في مجلس النواب خلال دورتين..
في صفحة بناء بلدية صفاقس
ترشح الصادق القرمازي لمجلس بلديةً صفاقس في دورتين، وانتخبه أعضاء المجلس البلدي رئيسا للمجلس البلدي في دورتين، واختار الصادق أن يكون المواطن الفاضل الحاج محمد بن الطيب كمون كاهيته لخبرته وتفرغه…أ فلم يكن في هذا الصادق القرمازي صادقا مع نفسه وبلده؟
في صفحة الخلافات السياسية
لما استقلت تونس دخلت الخلافات السياسية في العائلة الحزبية الصفاقسية، لكن الصادق القرمازي تشهد صفحات تاريخه أنه كان بعيدا عن الخلافات…
ولذلك كان يختار حكما في بعض المواقع، دُعي الصادق للإشراف على مؤتمر الوحدة بين الشقين اللذين ظهرا في صفاقس، في عائلة الاتحاد العام التونسي للشغل…ولما تقرر جمع كلمة الكشافين في صفاقس، في عهد الاستقلال بعد تفرقهم في عهد الحماية دُعي الصادق القرمازي للإشراف على مؤتمر الوحدةً لتحقيق الوحدة لا ليخطب، فهل كان صادقا؟ الجواب بيد بورقيبة…فقد أكرم الصادق القرمازي بالوسام الأول للاستقلال، و الوسام الأول للجمهورية
زواج وأسرةً
صفحات من تاريخ صاحبنا تقول…لقد تزوج الصادق القرمازي بالسيدة الفاضلة، (عائشة بوزقندة) وأنجبا (خليل، وهذا شابه أباه فكان صيدليا…وكان مثله أخوه فائز صيدليا، أما الابن جمال فكان مهندسا إلى سن التقاعد…وابنتهما الوحيدة سلوى…تعلمت وتثقفت وتزوجت رجل العلم والعمل والنضال الأستاذ المدير الوزير رجل الصناعة الهادي بن الطيب الزغل)
صفحة النهاية
كتبت سطورها بوفاة المواطن الإنسان يوم 26 أكتوبر 1984 فودع الدنيا، وودعه أولاده وأحفاده، وأحبابه وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر….فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟