صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: علي التركي

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

هذا الرجل علي التركي في زمن مضى وانقضى كان في صفاقس معروفا ومشهورا، هذا الرجل ولد في صفاقس سنة 1912، وأخذ حظا من العلم والثقافة….

هذا الرجل فكر في طريق للكسب فوجده في التجارة..والتجارة تتطلب دكانا، والدكان موجود معروض في جمعية الأوقاف، فاكترى دكانا…
الدكان في نهج العدول، قريب من كتبية قدور وكتبية معلى، مواجه لمكتب العدلين الشيخين، أحمد السلامي والطاهر بوشعالة (في ذلك الوقت والزمان)…

هذا علي التركي فكر في بيع الأكلة الخفيفة، وبيع الحليب البقري، وليس في صفاقس من يبيع الحليب البقري، والحليب في صفاقس له حكاية وقصة وعادة، اعتاد سكان صفاقس على حليب المعزة، والمعزة عند المعاز، والمعاز مالطي، أو علي القنوني…
والمعاز يدخل عند الفجر وسط المدينة بمعيزه، ومعيزه معها (فحل، عتروس) في رقبته ناقوس، والناقوس يرّن، وعلى رنينه يخرج سكان الديار ليشتروا من المعاز حليبا يتسحرون به في رمضان ويصنعون منه (الرايب)…
ومن يسكنون الأبراج عدد منهم يملك معزة…منها يأخذ الحليب، ومن ليس له معزة، يشتريها من الدلال في العشر الأواخر من شعبان ليتمتع بحليبها في رمضان…
صاحبنا علي التركي يبيع الحليب، وليس من عادة الصفاقسي أن يشتري الحليب البقري، فإذا اشتراه أحدهم وفي الشارع به اعترضوه، سألوه: (ماهو لاباس ؟ آشكون عندك مريض؟)…

وقد ذكر هذا الرئيس بورقيبة يوما في خطاب من خطبه…قامت حكومة بورقيبة بحملة ضد المعزة فهي قاتلة الأشجار…وقلت تربية المعزة فالتجأ الناس إلى حليب البقر…
وحليب البقر معروض في دكان صاحبنا علي التركي، وفي رمضان صار الحليب عنده مطلوبا، والشراة صفوفا…ظهر معمل يبيع الحليب معقما في علب، ومع ذلك بقي الحليب من دكان علي التركي هو المطلوب…
وتحركت عادة التقليد ففتح بعض الناس دكاكين لبيع الحليب، وفرضت الثقافة العصرية التطور في الأكل والشراب فصار الحليب يُباع مصنوعا وألوانا، وصار الحليب يدخل كل بيت للمريض والصحيح السليم…
ومع ذلك بقي دكان علي التركي مفتوحا وله حرفاؤه وزبائنه حتى حان أجله وودع دنياه سنة1965 فمن ترك خلفه في دنياه؟
الشهرة والسمعة الطيبة وصفحة من تاريخه الاقتصادي والاجتماعي..وترك الزوجة الفاضلة، آمنة العش، وترك ذرية طيبة من بنين وبنات…
ترك منجيةً ورتيبة وآسيةً وليليا ونجوى، وترك رؤوف، ومحمد ومحمد التيجاني الذي ساعدني…مشكورا…
وترك علي التركي خلفه صفاقس تودعه وتذكره بالرحمة وحسن الذكر، فبماذا سيذكره الأصدقاء لنعرفه ونفهمه أكثر ،وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى