صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/علم عاش في صفاقس ثم ودع: جدي محمد بن الحاج محمد السلامي

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

أفكر في جدي لأمي أحمد بن الحاج محمد السلامي الذي توفي وهو صغير أسمع عنه ولم أره، فأترحم عليه… أفكر في جدي لأبي محمد بن الحاج محمد السلامي الذي ولد سنة 1870 وتوفي سنة 1960 تعلم في الزاوية وكان من روّاد حلقة الشيخ العالم محمد بن يوسف الشهير بالكافي…

عشت معه ما يقارب الثلاثين سنة ومنه تعلمت وقرته وأحببته كما قدرت زوجته جدتي دوجة بنت الحاج علي السلامي وأحببتها، فهي بنت عمه وأبي تزوج بنت عمه رحم الله جميعهم، وأنا تزوجت بنت عمي حفظها الله وحفظ أولادها وكناتها وأحفادها بصحة وعافية…

تعلمت الصلاة

وطول عمر من جدي وجدتي تعلمت الصلاة فقد كان هو في البرج إمامنا كانت السبحة لا تفارقه في التسبيح بأوراده، وكان الكتاب الذي حوى قصص الوعظ والإرشاد هو الذي يجالسه في بيته إذا كان في وحدته، فكنت أطالع كتابه فأحببت المطالعة اعتمد على نفسه في تكوين ثروته تاجر سنوات في دكان بسوق الربع، شارك الشركاء في موسم عصر الزيتون ثم اشترى أرضا وبنى فيها معصرة…
واشترى أرضا قرب سيدي جبلة وبنى فيها عمارة يؤجرها للأجانب وفتح فيها دكان تموين أوكل أمره لأعوان مدة ثم تخلى عنه واهتم بما يملكه من زياتين، كما كان يُصدر الحبوب لليبيا كان حريصا على صلة الرحم يزور خاله فلما توفي بقي يزور زوجة خاله ويستضيفها في بيته…
لذلك بقيت صلةً ولديها أحمد ومحمود الزحاف متواصلة يزور أخته منانة زوجة الصادق الشعبوني، كما بقي يتواصل مع منانة المهيري أرملة أخيه أحمد، وبذلك جعل أولادها من الأبناء والبنات لا يشعرون باليُتم يزور ابنته فطومة زوجة حمودة المراكشي ويشجعها على زيارته ولا يتأخر عن قضاء حاجاتها…

عادات لا تُنسى

عاش جدي في برج به تسعة عشر نفرا فيهم ولداه وكنتاه وأحفاده عاش موقرا من طرف الكبير والصغير، وكلهم يحافظون على عبادته في وضوئه وصلاته وصيامه وكلهم يحترمون عاداته لغدائه وعشائه وقت ولا يأكل بين الطعام والطعام شيئا…والصغار يجمعون الياسمين وزوجته تعد له المشموم بعد صلاة العصر..يجد قهوته كما يجدها بعد صلاة المغرب في العاشرة ليلا يشرب الماء من مشرب…
يلاطف أحفاده الصغار ويكرمهم بمنحة العيد وكان العيد مناسبة يتجمع فيها في بيته أولاد وأحفاد أخيه المرحوم محمود، وبذلك بقينا نتواصل ونحافظ على صلة الرحم من عاداته أنه يُكرم جيرانه ويحترمهم لما بنى مسكنا فوق برجه لم يفتح في غرفة نافذة تطل على جار إلا بعد أن تحصل على موافقتهم كانت له في الجنان نخلة بلحتها كبيرة طيبة المذاق، عراجينها كثيرة… جدي يأمر بإهداء بعضها لجيران المنزل في المدينة…ولمن في أولاد أخيه لا يملك جنانا…

متعنا بوسائل الترفيه

هجم عليه في داره بالمدينة لص فلما صاح سمعته جارته فأسرعت وصاحت ففر اللص، يكرم أصدقاءه ويعين فقراءهم ويوسع على البعض في السكنى ويحب مجالسهم يفتح بيته للمعينين والمعينات ويحرص على الوفاء بحقوقهم…
متعنا منذ 1938 بوسائل الترفيه فوفر في البيت الحاكي الذي منه كنا نتسلى بسماع بعض الأغاني جهز البرج بالكهرباء بواسطة ناعورة الرياح ومتعنا بالراديو، وفر لنقلنا ‘الكاليس’ والسيارة ولما وضعت الحرب العالمية الثانية خيامها على صفاقس كان في وقت الغارة يجمع بيننا في غرفة واحدة ويزيل خوفنا بالدعاء والذكر، كان سعيدا وهو يراني خارجا من برجه ويدي في يد زوجتي التي هي حفيدته…

ودع الدنيا

عاش وهو غير مدين لأحد بدينار أو مليم وتوفي على فراشه ولما جاءني خبره وأنا معلم في جندوبة بكيته بدموع المحبة والرحمة رحمه الله ورحم الله كل جد تعلم منه أحفاده أدب الحياة وتوقير الكبير والعطف على الصغير فبماذا يعلق الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى