صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب/ يا مهرجاناتنا: أليس العملة الأجنبية اللي ‘ماشية’ للخارج البلاد أولى بها؟

chebbi
كتب: الأمين الشابي

حين نقول فصل الصيف، يتبادر إلى ذهننا منذ البداية أجواء المهرجانات و “الشطيح و الرديح ” والاسترخاء و الراحة، وذلك بعد قضاء مدّة هامة من الزمن، في الكدّ و العمل و الإنتاج و الدراسة…

والحديث على المهرجانات يجرّنا أيضا للحديث عن الفنانين الأجانب و ما يعنيه ذلك من إهدار للعملة الصعبة، التّي كم، البلاد في حاجة إليها في مثل هذا الظرف الاقتصادي العصيب.

استنزاف

ويكفي القيام بعملية حسابية بسيطة لنقف على مدى هذا الاستنزاف لهذه العملة الصعبة من بلادنا لقاء تنظيم حفل لأشباه الفنانين، وليس أدّل على ذلك الرجوع إلى آخر حفل أثثه مطرب عربي و ما كلّفه من عملة أجنبية، مقابل حفل مبتور و مشاكل بالجملة بين هذا الفنان و بين أحد الجمعيات المنظمة وصلت إلى حدّ اللجوء إلى القضاء.

نعم للثقافة و الانفتاح و لكن ..

وهنا أطرح سؤالا جريئا وواضحا، و هذا لا يعني أنّنا ضدّ التفتح على ثقافات الآخر أو ندعو إلى الانغلاق في مهرجاناتنا. وهذا السؤال مفاده، ماذا لو استغنينا مؤقتا، و لمدة ثلاثة مواسم على مشاركات عربية أو غربية في مهرجاناتنا؟ و ذلك أوّلا، حفاظا على العملة الصعبة وثانيا منح أهل الذكر، فرصة تأمّل لاختيار أفضل ما هو موجود على الساحة العربية و الغربية من عروض ثقافية وموسيقية ترقى إلى مستوى أدنى لمهرجاناتنا الدولية فضلا عن كون أنّ الساحة التونسية تزخر بعديد القامات وفي شتّى المجالات..؟

المهرجانات وإهدار العملة الأجنبية

لو ننطلق من ثلاثة مهرجانات دولية فقط في بلادنا و هي مهرجان قرطاج والحمامات و بنزرت، و نغوص في حسابات هذه المهرجانات المالية و ما دفعته خاصة من العملة الصعبة لفائدة فنانين عرب و أجانب؟ لوجدنا الملايين منها تدفع لفائدة هؤلاء. و لو حوّلنا، هذا الكم الهائل من العملة الصعبة و رصدناها فقط و لمدة ثلاث سنوات لبعث مشاريع اقتصادية مشغلة لكان النتائج مذهلة من حيث التنقيص من نسبة البطالة في بلادنا، فضلا عن تحريك عجلة النمو لدينا اجمالا.
ولو أيضا رصدنا هذه الأموال إلى دعم البنية الأساسية لمستشفياتنا و مدارسنا التّي لم تعد تحمل، إلاّ الاسم، لمثل هذه المنشآت، لكنّا أتينا على العديد من النقائص التي لم تعد مقبولة في القرن 21 لبلادنا، وذلك بعد حوالي 7 عقود من الاستقلال. بل أضيف وأنّه أمام ما يشهده العالم من إضرابات وعدم استقرار، أليس من الأفضل استعمال هذه العملة الصعبة لتوريد المواد الأساسية المفقودة في أسواقنا على غرار السكر و السميد و الزيت و غيرها ؟
نعم للثقافة ـ و التي نعتبرها – أهم رافد من روافد التنمية الشاملة، و لكن لابدّ من رسم أولويات لبلادنا خاصّة أمام ما تشهده مدارسنا و مستشفياتها من تدهور في غياب الصيانة؟ فالمنطق و الواقعية تدفعنا لضبط أولوياتنا؟ فلا يمكن أن نعيش على الهامش بدون تخطيط وبدون تحديد مثل هذه الأولويات؟ فلن نموت إذا غاب فنان عربي أو غربي عن مهرجاناتنا لمدّة ثلاثة مواسم؟ و لكن مثل هذه المدّة يمكن أن تفضي إلى كوارث في مستشفياتنا و في مدارسنا ـ في غياب صيانتها و الاهتمام بها؟ قد يتساءل البعض، أ لهذا الحدّ ندعو إلى الانغلاق؟ و الجواب و بكل بساطة يقول، لا أبدا، لسنا مع الانغلاق و لكن مع تحديد الأولويات و التخطيط، هذا أوّلا. و ثانيا لنسأل هؤلاء، أ ليس لدينا ما يكفي من الفنانين التونسيين، و في شتّى المجالات، لتأثيث مهرجاناتنا؟ ثمّ نسأل كذلك هل المطربون الأجانب يدفعون الضرائب على كلّ ما يجنونه من مال في تونس و بالعملة الصعبة؟ و الجواب بطبيعة الحال، لا يدفعون الضرائب؟

عروض تونسية أفضل من المستوردة

حسب تجربتنا المتواضعة في مواكبة بعض المهرجانات الدولية، و هذا ليس انتقاصا من العروض العربية أو الغربية، فإنّنا على يقين و أنّ بعض العروض التونسية سواء كانت موسيقية أو مسرحية أو روحية أو غيرها، تفوق بكثير بعض العروض العربية أو الأجنبية و على أكثر من مستوى. فالفنان التونسي عموما، لا يبحث عن تقليص مدّة عرضه، كما يفعل بعض الفنانين الأجانب، بل أحيانا كثيرة، لا يهتم الفنان التونسي بعامل الزمن خاصّة إذا ما شعر برغبة الجمهور في الزيادة. و يمكن تقديم العديد من الأمثلة – و هي على سبيل الذكر لا الحصر، و يكفي الاستدلال بحفلات لطفي بوشناق و أمينة فاخت و زياد غرسة ويسرى محنوش و صابر الرباعي و الهادي حبوبة و غيرهم كثير ممّن يتسلطن مع الجمهور و لا يضع نصب أعينهم إلاّ انتشاء الجمهور و تلبية رغباته و ارضائه حتى يعود ذاك المتلقي راض كلّ الرضاء عن العرض.

كلمة أخيرة..

في نهاية هذه الورقة نؤكّد على أنّنا لسنا مع الانغلاق والتقوقع، ولسنا ضدّ الاطلاع على الثقافات الأخرى بل أحيانا مثل هذا التفتح على الآخر يخدم بلادنا من حيث التسويق لها على أنّها بلد الانفتاح و الفن و الموسيقى و بلد الثقافة عموما…
ولكن يكون ذلك في زمن تعيش فيه بلادنا الرفاه والانتعاش الاقتصادي و المالي و الاجتماعي. فلا يعقل أن نقبل مثل تكلفة عرض أجنبي بما قيمته 200 ألف دولار أمريكي ، في حين و أن أغلى العروض الوطنية لا تتجاوز 200 ألف دينارا تونسيا في أقصى الحالات ـ و الفرق هنا شاسع جدّا.
أ ليس كذلك؟ كلّ ما أرجوه ـ في النهاية ـ هو أن تأخذ وزارة الثقافة في حساباتها، حين تتم برمجة العروض الأجنبية، ما تعيشه بلادنا من ظرف اقتصادي ومالي صعب؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى