صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: الحاج محمد الصافي

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

هذا الرجل سيبقى ذكره ما بقيت أغنية الفنان المطرب القدير محمد الجموسي تطرب أهالي صفاقس وهو يذكره فيها…هذا الرجل ذكره ونوّه به محمد الجموسي في أغنيته (يا قادم لينا) والتي يقول فيها (مريقة شرافي…من عند الحاج الصافي…ميزانو وافي)…

انتصب في سوق الحوت

هذا هو الحاج محمد الصافي الذي أخذ حظا من العلم وقراءة القرآن، ثم انتصب في سوق الحوت بصفاقس يبيع سمك من اصطادوه، وأغلبهم من جزيرة قرقنة…سوق السمك في باب الجبلي كان لا يفتح إلا بعد صلاة العصر…لكن سوق السمك في باب البحر كان يفتح صباحا…وبعض تجار السمك كانوا يعرضون السمك في رحبة الرماد بالمدينة العتيقة…

صاحبنا الحاج محمد الصافي انتصب أولا في سوق الحوت بباب الجبلي…وبقي فيه سنوات قبل أن تبني بلدية صفاقس سوقا عصريا منظما لبيع السمك متفرعا من سوق العمران، وهنا أخذ كل بائع مكانه…وكان للحاج الصافي مكان معروف يقصده فيه الكبير والصغير …أغلبهم من أهالي صفاقس…

الكبار القدماء من أهالي صفاقس كانوا يخرجون إلى سوق الحوت وبيد كل واحد قفة مخصصةً للحوت، وكل واحد يبحث عن الحوت الشرافي وصبار شرافي للمرقة والشربة في رمضان فإن لم يجد (الشرافي) يرجع بقفته فارغة ويقول لزوجته (ما ثماش حوت)…

عقد شرفية

هو في الواقع السمك في السوق موجود وهو أنواع، ولكن الشرافي هو المفقود في ذلك اليوم…والسمك الشرافي له طعم خاص، فهو لذيذ..وله في بحر قرقنة مواقع خاصة، والموقع يسمى (شرفية) والشرفية عبر التاريخ صارت تملك وتؤجر حسب عقود عدلية قانونية…وجدة والدي من عائلة الشرفي، وكانت في البحر تملك (شرفية) أوكلت أمر تأجيرها لصيادي السمك، من قرقنة لزوج ابنتها، ثم وضعت السلطة يدها عليها…
وفي حديثي هذا ستقرؤون سطورا من (عقد شرفية) وصلت جدة والدي لأنها من عائلة الشرفي الصفاقسيةً، ويقال…إن عالما من عائلة الشرفي الصفاقسية هو الذي قسّم البحر إلى شرفيات بطلب من السلطة وقد اهتم الأستاذ المؤرخ عبد الحميد الفهري بالموضوع وألف فيه كتابا…

خبير في السمك

ونرجع إلى الحاج محمد الصافي فنقول: لقد وثق به عدد من الصفاقسيين ولذلك كان بعضهم يرسل ابنه الصغير إلى الحاج محمد الصافي ويبلغه سلام والده، وما يطلب من سمك ،فيلبي الحاج الصافي الطلب من السمك الذي يعرضه فإن لم يكن عنده طاف الحاج الصافي بالسوق يبحث، وإذا لم يجد في السوق ما يرضي صاحبه اعتذر له عن طريق ولده…
والسمك أنواع، ولكل نوع أوقاته كان الحاج الصافي يعرفها ولذلك كان الزبون الذي يجد سمكا في السوق فيسأل عنه الحاج الصافي فيقول له (ما تاخوش، موش وقتو)…وهذه أمثلة كان القدماء يعرفونها فهل يعرفها شبان اليوم؟

أنواع ومواسم الحوت

الكرشو والوراطة في الخريف…البوري والقاروص في الشتاء…الخذير في الحسوم وألذه أنثاه، السردوك والقشاش في الربيع، والصبارص أنواع: صبارص الزروب في الصيف، صبارص الصنارة والخيوط في الشتاء صبارص الشرافي في الربيع…وقالوا: كيف يبدا الزيت كول القرنيط، إذا زنت النحلة كول المنكوس والكحلة، بيع المشماش وكول القشاش، هذه كان يحكيها ويرويها الحاج الصافي وهو يضحك، ولكن كانت تضيء وتنبه الغافل وهو يدخل سوق السمك…وسوق السمك كبقية الأسواق يندس فيه الغشاشون لذلك يلجأ بعض الزبائن للبائع الذي اشتهر بثقته…والحاج الصافي زادت شهرته بعد الحج، وقد عرفته من والدي، ولما توفي عرفت غيره وهو المرحوم محمد ممدوح وعرفت بعده صابر ممدوح وكنت كـ صفاقسي أتمتع بالسمك في نوعه…

واليوم، تعدد باعة السمك وانتشروا في مواقع عدة، فابحث عن صديق ثقة فيها…وقد بحثت وعرفت، وابحث عن السمك الذي كان آباؤنا يشترونه ويعدونه للعيد الصغير، فقد كانوا يختارون الشلبوط، والقاروص، والمناني…ولم يكونوا يشترون للعيد سمك البكلاوا، واليوم في عهد أولادنا راجت سوقه…

ودع الحاج الدنيا

ولو كان الحاج محمد الصافي حيا لضحك ونهى عنه…لكن الحاج محمد الصافي توفي وودع دنياه، وله ولد واحد هو الطيب الذي تولى بيع السمك وترك أبوه لكل جيل عاداته…واختياراته….
توفي الحاج الصافي فودعه أهله وأحبابه، وودعته صفاقس بالرحمة وحسن الذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى