صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم: أعلام عاشوا في صفاقس ثم ودعوا: الشاب عبد العزيز التركي

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

عبد العزيز التركي…هو جارنا وابن جارنا…هو المأسوف على ذكائه وشبابه، هو عبد العزيز بن التاجر في سوق الربع الضيق، الطاهر التركي والمؤدبة عيشوشة بنت المؤدب الإمام الحاج علي المصمودي…

عبد العزيز التركي المولود سنة 1931بصفاقس…تلقى القرآن في زاوية جدّه وعن أمه، ثم التحق مع أخيه عبد الرحمان بالمدرسة الفرنسية العربية، و باجتهاده طوى سنوات الدراسة فتخرّج من المدرسة وقد فاز بالشهادة الابتدائية ونجح في مناظرة الدخول للتعليم الثانوي…

في التعليم الزيتوني

وفي العطلة الصيفية دخل زاوية العالية لزيادة التمكن من قواعد تلاوة القرآن…في هذه الزاوية التقى ببعض الأصدقاء وكنت من بينهم فاتفقنا على الانخراط في التعليم الزيتوني…وفي أول أكتوبر من سنة 1946 تقدمنا للامتحان طالبين الدخول للسنة الثانية فقُبلنا ونجحنا وانطلقنا في التعليم الزيتوني….

كفاءة عبد العزيز

أثبت عبد العزيز كفاءته فكان في كل امتحان يفوز بأحسن الأعداد يُسندها إليه الشيوخ المدرسون بالفرع الزيتوني بصفاقس…ومن بين شيوخه المدرس الخطيب المؤرخ الشيخ محمد ابن إسماعيل…فقد كان يسند للتلميذ عبد العزيز التركي على مقاله (عشرة على عشرة) لذلك كان مصدر حديث التلاميذ…

بعد ثلاث سنوات دراسية كُنت في بعضها أراجع معه الدروس تقدمنا في شهر جوان لامتحان الفوز بشهادة الأهلية فنجح وأخفقت، وفي أول أكتوبر دخلت الامتحان وفزت، ولذلك التقينا وسافرنا معا لتونس لنقضي المرحلة الثانية من التعليم الزيتوني بجامع الزيتونةً…

في تونس اكترينا دارا للسكنى في نهج الباشا وكان فيها معنا أحمد التركي وعبد الرحمان المصمودي…وكل واحد منّا في صحة جيدة يواصل دراسته بنجاح وكان يشارك في مسابقات تنشرها بعض الصحف فينجح، ويحصد الجوائز…

مرض والده

في صيف سنة 1951 أصيب والد عبد العزيز التركي بمرض السل، وقد أخذ المرض في تلك الفترة ينتشر، فكان عبد العزيز يقوم برعاية والده مع أمه وأخواته في دوائه والاستجابة لطلباته وهو في الفراش…

وكان عبد العزيز مع ذلك يعدّ نفسه للسفر إلى تونس ومواصلة دراسته بجامع الزيتونة والسكنى مع ابن خالته الشاعر محمد الشعبوني…لكن المرض إلى عبد العزيز كان أسبق، وكان أخطر، لذلك فرض عليه الأطباء البقاء في المستشفى…والبقاء امتد وتواصل سنة كاملة فحُرم من مواصلة الدراسة في السنة الثالثة سنة شهادة التحصيل…

مناظرة ترشيح المعلمين

خرج عبد العزيز من المستشفى قبل شهر رمضان، وفوجئ بخبر وفاة والده منذ شهور…خرج قبل المرحلة الأولى من امتحان شهادة التحصيل المتمثل في كتابة مقال أدبي حول شخصية مشهورة في تاريخ الأدب العربي…لأنه صديقي وجاري كنت أزوره في بيت أبويه دون خشية من العدوى، وراجعت معه خلال شهر أو أقل ما درسناه عن هذه الشخصيات وتقدم للامتحان فنجح، وعليه أن يستعد للمراحل الأخرى من لامتحان وفيها تقديم درس وأسئلة شفاهية وكتابية في علوم دينية ولغوية ورياضيةً، قضيت معه رمضان في المراجعة، وتقدم للامتحان بكفاءته فنجح وفاز بشهادة التحصيل…

هذه الشهادة فتحت في وجهه الباب ليدخل في مناظرة ترشيح المعلمين فينجح، ويرتقي بعد من معلم إلى مدير مدرسة في معتمدية السند، ثم عين مديرا في مدرسة ابتدائية كبرى بـ بئر علي بن خليفة…وكان يعدّ نفسه ليدخل مديرا بمدرسة من مدارس مدينة صفاقس، وليتزوج في غرفةً ملاصقةً لبرج أبويه اشتراها من مسكن عمه …

عبد العزيز والتدخين

هذا عبد العزيز في صغره بدأ التدخين من أوراق عنبرية يحت أوراقها ويلفها في ورقة خاصة، ثم صار يدخن السجائر إذا وجدها…أوصاه الأطباء قبل أن يخرج من المستشفى بحفظ صحته وتجنّب التدخين كما أوصوا بعض الشبان التلاميذ الذين أصيبوا بمرض السل فامتثلوا وحافظوا على صحتهم وتزوجوا وعاشوا مع أولادهم وأحفادهم، لكن الصديق العزيز بقي مدمنا على التدخين، فبقي المرض يفعل فيه أفعاله، ومظاهر الضعف تدل عليه ضاربا بنصائح الأطباء ونصائحي ونصائح من يحبونه حتى تغلب عليه المرض، وأعاده للفراش…

رحل الصديق المأسوف على شبابه

وفي يوم من سنة 1960، جاءتني رسالة من ابن خالته الشاعر محمد الشعبوني يخبرني فيها بوفاة الصديق المأسوف على شبابه عبد العزيز التركي…ترحمت عليه ومازلت أترحم عليه وأتذكره، أتذكر نشاطه في جمعية الاتحاد الصفاقسي الزيتوني، وأتذكر محاولاته الشعرية، وأتذكر وصيته، فقد قال لي يوما (نتعاهد أنا وأنت على أن يزور الحيّ منّا قبر من سبقه(..
وعزمت على تنفيذ وصيته لكن مشروع صفاقس الجديدة سبقني إلى المقابر ينسفها ويبني فوقها عمارات حرمني من زيارة قبره، ولذلك بقيت أذكره وأترحم عليه وأحدثكم عنه ففي حياته دروس وعبر…فبماذا يعلق الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما، وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى