صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يتذّكر ويترّحم…

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

لما أنهيت واجبي الوطني الاجتماعي وأديت رسالتي التربوية التعليمية مُتعلِما ومُعلِمًا ومدَّرِسًا ومتفقدا توفرت لي ظروف متعددة يسرت لي السفر إلى تونس العاصمة والبقاء فيها أياما، سافرت وصرت أسافر وأبقى…

وبحثت عن مجالس ثقافية فكرية أنخرط فيها زيادة عن ترددي وزياراتي لأخي وصديقي صالح الحاجّة في دار الصباح ثم في دار أخبار اليوم ودار الصريح

بحثت عن مجالس فوجدت ثلاثة تُفرج الهم، وتكسبني معرفة وعلما، وتُعرّفني بصديق وأكثر من صديق…المجلس الأول هو مجلس خميس في مكتبة العسلي بنهج جامع الزيتونةً، والمجلس الثاني هو مجلس الأديب والمؤرخ الناقد أبي القاسم محمد كرو، في نزل ثم في بيته، وثالث المجالس في مقهى باريس، قيادته ورئاسته وجامع الشمل فيه أبو زيان السعدي

…أنا اليوم بالثالث أبدأ، ففي أول جويلية من سنة 2014 توفي أبو زيان السعدي، ونزل الستار عن مجلسه وترك في نفس كل من انخرط فيه ذكريات تفرض عليه أن يرويها لنفسه، أو يرويها لغيره وهو يستمطر الرحمة عليه…كلما تذكر يوم وفاته…

..كان رحمه الله يسكن مسكنا بعيدا عن مجلسه فيحرص على قطع المسافة في الذهاب والإياب على رجليه، وهو يرى في ذلك رياضة صحية

كان رحمه الله كثير التدخين، وفي السنوات الأخيرة قَبِل النصيحة فقرّر الانقطاع عن التدخين ونفذ ما قرره كعادته في العزم والحزم..
…كان رحمه الله يعتز برأيه وكأنه يتمثل بقول الشاعر: (قف دون رأيك في الحياة مجاهدا، إن الحياة عقيدة وجهاد)…
ولما تساءل يوما بقلمه عن أول صفاقسي كتب القصة، أجبته بمقال قلت فيه: هو عبد الحميد المنيف الذي كتب (سر المعركة، وكتب قصة، وأخيرا تزوجتها)…
خالفني أبو زيان وأعلن وأصرّ على أنه مصطفى الفارسي، وقد نشر هذا الخلاف في كتاب من كتبه، وأذكر أنني قلت له يوما (العرب لا يبتدئون بساكن ولا يقفون على متحرك) ولذلك فكل قارئ للقرآن لا يقف على متحرك، فقال لي وبإصرار، أنا أقف على متحرك وإن قرأت القرآن وقفت على متحرّك…
وكان رحمه الله مدمنا على شراء الكتب القديمة فهو يزور في كل يوم مواقع عرضها، وكم يكون سعيدا يوم يعثر على كتاب قديم نادر فهو يعتمده سلاحا في معاركه النقدية…
كان رحمه الله كريما، ولذلك يستضيف أحيانا صديقا عضوا في مجلسه، وقد شرّفني، ودعاني واستقبلتني زوجته بلطفها، وأدخلني مكتبته العامرة بالكتب، وتجول بي في بعض نفائسها، وقدم لي لفافة وصلته من محمد الشعبوني شاعر صفاقس وقد عزم السعدي على أن يسعد الشعبوني فيها وهو يحولها وينشرها مؤلفا من مؤلفاته، وتوفي السعدي وتوفي الشعبوني ـ رحمهما الله ـ
فما هو مصير مكتبة كل واحد منهما بما فيها من نفائس؟
كان رحمه الله يعتز بدعوة تأتيه من علم من أعلام تونس، وما زلت أذكر أنه كان سعيدا فرحا بلقاء تم في دار الأستاذ الكبير محمود المسعدي، وتم اللقاء بدعوة من المسعدي، وفي اللقاء قدم له بفكره ومشاعره ولسانه وصيّة، على ألا ينشرها السعدي إلا بعد وفاة المسعدي…
وتوفي المسعدي رحمه الله، ونشر السعدي الوصية ،وسعدت أنا بالتعليق عليها،
فكم من صديق يذكر أبا زيان السعدي ويترحم عليه ويضيف بيانا يزيدنا به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم وأتذكر وأترحم على كل صديق سعدت واستفدت من صداقته؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى