فنون

في بنزرت: بسام الحمراوي أبدع وأقنع فأمتع في ‘المايسترو’..ولكن..

كان لجمهور مهرجان بنزرت الدولي، ليلة أمس ( الأحد 30 جويلية 2023 ) موعد مع العرض المسرحي ” المايسترو ” لبسام الحمراوي و هو من نوع ” وان مان شو ” و قد تابعه حوالي 5 آلاف متفرجا، ومن كل الشرائح العمرية بما فيهم الأطفال.
بسام الحمراوي
فكانت دون منازع، ليلة الضحك و الإضحاك و الترفيه عن النفس و للحقيقة نقول أن بسام الحمراوي، كممثل، كان مبدعا ومقنعا وممتعا.
كان مبدعا، لأنّه طوّع النّص، على ضعفه، إلى عمل فنّي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فكان بذلك الممثل الذي يتقن و بحذق الفن المسرحي، خاصّة على مستوى الحضور الركحي و البديهة والتفاعل بذكاء مع الجمهور و شدّه إلى متابعة العرض لمدّة ساعتين بالتمام و الكمال.
كان مقنعا، بأدائه و امتلاكه لأدوات الفن الرابع، كأكاديمي، خبّر هذا الفن و اطلع على تقنياته، ممّا مكّنه من افتكاك الضحكة من جمهور لم يقدر على التحكم في قهقهاته طيلة كلّ العرض و خاصّة الأطفال الذين كانت ضحكاتهم البريئة تملأ أرجاء فضاء مسرح الهواء الطلق، رغم رحابته. فكنت من حين لآخر تؤنسك تلك الضحكات البريئة لقدرة الممثل بسّام الحمراوي من افتكاك هذه الضحكات، من ثغر تلك العصافير التي تابعت بشغف العرض.
كان مقنعا، باعتبار أنّ أغلبية الجمهور تابع العرض كلمة كلمة، طيلة كامل العرض، لم تهدأ ضحكاته العالية مع كلّ موقف و مع كلّ حركة تصدر عن الممثل. بل و قاطعه الجمهور كثيرا بـ وابل من التصفيق تعبيرا عن اعجابه لصورة ما، أو موقف ما، أو عبرة ما، أو رسالة ما، كانت قد مسّته في داخل وجدانه أو استحسنها.

كان ممتعا، من حيث تمكنه، من تمرير بعض الرسائل للجمهور العريض، بطريقة ساخرة على عاداتنا كتونسيين بمناسبة أفراح أعراسنا. فصوّر لنا هذه العادات بطريقة كاريكاتورية جعلت المتفرّج يتقبّلها ـ كما هي، رغم أنّها تعكس في حقيقة تصرفات البعض منّا في تلك المناسبات الاجتماعية، على الرغم الصورة السيئة والمضحكة و الكم الهائل من السخرية التي صاحب هذه العادات، و لكن المتفرّج قبل تلك الصورة، بانفتاح، و التي تعكس تصرفاته في حقيقة الأمر.

هنات يمكن تلافيها

ولكن، هذا الإبداع و الإقناع و الامتاع، لا يغفر له انزلاقه أوّلا في تيار الايحاءات المجانية والنسج على ما دأب عليه من سبقه في هذا المجال.
وهذا في الحقيقة يسيء لبسام، الممثل، أكثر مما يضيف إليه، خاصّة و أنّ هذا العرض هو الابن البكر لبسام. كذلك ، هذا لا يغفر له عدم حسن اختياره للنص الذي كان ضعيفا جدّا، و أقلّ ما يقال فيه أنّه تناول جمعا من كليشيهات ممجوجة ومعروفة في المجتمع و كأنّ الهدف منها ، اضحاك الجمهور بأيّ ثمن…
في حين أن المسرح هو ” نص ومنصة وممثل وجمهور”. فلا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار كل هذه العناصر الأربعة، عند اعداد أي عرض مسرحي. و ذلك حتى لا يكون الإضحاك هو الهدف الأوّل و الأخير لدور المسرح. ثمّ، و حتّى و إن حاول العرض أن يعكس لنا بعض العادات و التقاليد – التي تصاحب أفراح الأعراس لدينا – وما عم إبراهيم ووالد العروس و والد العروسة و تلك العجوز المسنة و الطفل المشاغب الصغير، ليست إلاّ نماذج حيّة وواقعية لما يحدث خلال أفراح الأعراس عندنا، فإنّ كلّ ذلك لا يبرّر التركيز على كل عاداتنا السيئة في أفراحنا.
وأخيرا، ما يعاب على العرض التمطيط المجاني في العرض الذي تواصل على مدى ساعتين بالتمام و الكمال و هو يدور في نفس الحلقة المفرغة لأجواء الأعراس و ” المايسترو ” في انتظار قدوم ركب العروسة ” لإحياء حفل عرسها.

عناصر سلبية

كلّ هذه العناصر السلبية، استنقصت من قيمة العرض، خاصة و أنّه العرض البكر لبسام الحمراوي و الذي سيكون له بمثابة تأشيرة العبور إلى بقية المهرجانات الأخرى و العروض. و بالتالي، لابدّ ، أوّلا، من تفادي الحشو المجاني. وثانيا الابتعاد عن السقوط في مهزلة ” الايحاءات” الجنسية، التي تكون مضرتها أكثر من نفعها، وذلك للمحافظة خاصة على شريحة معينة، متابعة، لبسام الحمراوي، ألا وهي شريحة الأطفال، التي سمعنا قهقهاتهم تمزّق الصمت، في أكثر من مرّة خلال العرض.
وأخيرا نرى لزاما مراجعة النّص ليكون أكثر حبكة و يعتمد فقط على مضامين غير الضحك و الإضحاك، حتّى يبقى، للمتفرّج بعد العرض، رسائلا إيجابية و إن كان الضحك ضروريا للترفيه عن النفس من هموم الحياة.
كلمة أخيرة، لصديقي بسام الحمراوي
الممثل بسام الحمراوي، ممثل كبير و له من المؤهلات الكبيرة و الكثيرة و هو ما يؤهله لأن يكون أفضل ممثل كوميدي على الساحة الثقافية، لا في تونس فحسب بل و حتّى على الساحة العربية، شريطة اختيار نصوصا تحمل مضامينا مدروسة، فضلا عن تفادي كلّ ما من شأنه السقوط في فخاخ استجداء الضحك و لو عبر الايحاءات العقيمة..

كواليس:

ـ رصدنا حضور الكثير من العائلات و قد اصطحبت معها أطفالها و هذا بمثابة مقياس نجاح لبسام الحمراوي، الذي جلب كلّ الشرائح العمرية لعرضه، فالرجاء العمل على تدعيم هذا المكسب.
ـ التنظيم من أهم النقاط السوداء في هذه الدورة، خاصّة على مستوى المكان الشرفي، الذي عادة ،لا يدخله كل من هبّ و دبّ والذي أصبح سوق “بومنديل” للأسف.
ـ المكان المخصص للإعلاميين منتهك انتهاكا صارخا، ولا يحمل من ذلك إلاّ الاسم، فهو يعج بكلّ من هبّ و دبّ إلاّ من الإعلاميين ممّا يجد البعض، من رجال الإعلام، صعوبة الحصول على مكان فيه، فنرجو، و بكل لطف، من لجنة التنظيم إيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من العناية تسهيلا لمهمة الصحفيين للعمل بأريحية لمواكبة فعاليات المهرجان و نقلها و منع كل من لا يحمل شارة دخول كصحفي من الولوج فيه.
ـ كلمة شكر نسوقها لرجال الأمن والحماية المدنية التي تعمل جاهدة على تأمين فضاء العروض بكل سلاسة واحترافية.

مواكبة: الأمين الشابي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى