عيسى البكوش يكتب: مئوية الإذاعي الألمعي محمد حفظي (1923-1998)


كتب: عيسى البكوش
لقد اعتادت شعوب الغرب الاحتفال بانقضاء مائة عام على مولد أحد أعلامها، ولقد أصبح ذلك تقليدا كرّسته صحفهم ومجلاّتهم فلم لا ننحو مثل ذلك ونحن من اتبعناهم في مأكلهم وملبسهم وحتى لغتهم؟
وعلى كلّ وفي انتظار أن ننشئ مستقرا على غرار البانتيون في باريس للأفذاذ في بلدنا لكي تطّلع الأجيال على ما أنجزوه بالفكر والصوت والقلم من أجل رفعة هذا الوطن، فلا بأس من أن يولي بعضنا بعض هؤلاء المقام المرجو ومن ضمنهم الإذاعي الألمعي محمد حفظي.
البدايات
ولد محمد حفظي الزليطني بجزيرة جربة يوم الخامس من شهر مارس من سنة 1923 وهو شقيق الزعيم علي الزليطني (1913-1976) ولقد شدّه الولع بالإذاعة وهو في ريعان الشباب ـ 19 عاما ـ وعلى الرغم من معارضة أخيه فإنّه ولج أبواب محطّة تونس الكائنة بساحة المدرسة الإسرائيلية ـ ساحة العملة حاليّا – واضطرّ إلى حذف لقب الزليطني لكي لا يحرج أخاه علي، وواظب في نفس الوقت على إتمام دراسته واشتغاله من بعد في مهنة التدريس في تونس وحتى في القطر الليبي.
مواهب متعددة
كانت مواهبه متعدّدة وكان له صوت به تردّدات شبه كهربائية مع عذوبة تشرئبّ لها الآذان. ولقد كان يجيد أداء أغاني محمد عبد الوهاب وهو يذكّر في إحدى تصريحاته أنّه مرّ من حصّة الهواة التي كان يقدّمها المنعّم عبد العزيز العروي وغنّى إحدى روائع الهرم المصري ‘أعجبت بي’.
كما أنه انضمّ إلى الفرقة التمثيلية للإذاعة عند تأسيسها تحت إشراف المصري كمال بركات سنة 1952.
لقد أنتج إلى جانب عمله كمذيع ربط وقارئ للأخبار برامج عديدة في مجال الموسيقى والسينما، وهو الذي عايش جلّ فنّاني العصر وبالخصوص جماعة تحت السور ومن أشهرها “لحن وقصّة” بالاشتراك مع المرحوم المختار حشيشة.
كما أنه يقدّم برنامجا طريفا افتقدناه للضرورة إذ أنه كان يقدّم لنا بالصوت سردا للأفلام التي تعرض في قاعات العاصمة وكان بالتالي يثير لدينا معشر المستمعين محرّك الخيال وكان يراوح بين الكلمات والأنغام.
اطّلاع موسوعي
محمد حفظي كان مفتونا إلى حدّ النخاع بالتراث الموسيقي إن تونسيّا أو شرقيّا وكان على اطّلاع موسوعي بكلّ ما ينتج هنا وهناك من أغاني مثلما هو الشأن حاليا للموهوب وليد المزوغي الذي يستضيفه كلّ خميس الإذاعي المتألق معز الغربي وهو الذي كثيرا ما يداعبه عندما يأتي بالمعلومة الدقيقة عن ظروف نشأة أغنية ما في القرن الماضي بالقول: ‘هل كنت حاضرا وقتها يا وليد؟’…
سلامة اللغة العربية
كان محمد حفظي وهو أحد رجال التربية يعدّ حصّة ” المباريات المدرسيّة ” والتي يتمّ تسجيلها بقاعة ” المسرح الصغير” بمعهد كارنو – بورقيبة حاليا والتي أصبحت تحمل اسم أحد روّاد التربية: محمود المسعدي.
من خصاله – وهي وا أسفاه نادرة هذه الأيّام- حرصه على سلامة اللغة العربيّة إلى حدّ أنّه كان يحرّر بمجلة الإذاعة ركنا يحمل عنوانا بليغا ” أخطاء شائعة ” تتعلّق بالنطق والكتابة بلغة الضاد.
جاء في كتاب “ثمانون من أعلام ومشاهير الإذاعة” لعبد الستار النقاطي: ” لقد كان محمد حفظي يمتلك مكتبة موسيقية ثريّة بها كمّ هائل من المراجع والمصادر والوثائق النادرة، ولقد قارنه أهل الفنّ في تونس بالناقد المصري كمال النجمي الذي كان محمد حفظي من مريديه من حيث إدمانه على قراءة كتاباته في المجلات المصريّة مثل ” الهلال”.
توفي محمد حفظي يوم 17 مارس 1998، وكان رحمة الله عليه مثلما ورد في كتاب “ثمانون ” “مبدعا بصيغة الجمع”.
وجدير بالذكر أنّ محمد حفظي هو الذي قدّم سنة 1951 أحلى الأصوات النسائية على مرّ الأزمان “مبروكة العقبي” التي اختار لها من الأسماء أرقّها ” نجوى إكرام”.