صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ مؤشرات القراءة بتونس: 10 دقائق في اليوم!

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

تصدير:

عًبر كلها الليالي ولكن ** أين من يفتح الكتاب ويقرأ اسماعيل صبري (1854-1923)

تُسائلني زوجتي وهي عليمة: لمن تكتب؟ أو بالأحرى من يقرأ ما تكتب؟
وأجيبها وكما شاء لها سبر الآراء الأخير: للنزر القليل من العشر من سكان بلدي الذين يقتنون كتابا يتيما في السنة…

هكذا برزت للعيان نتائج البحث الذي قام به أحد مكاتب سبر الآراء على هامش انعقاد الدورة 39 لمعرض الكتاب واستهدف عيّنة من حوالي ألف مواطن من فئة 18 عاما فما فوق.
ومن بين مخرجات هذا العمل النوعي أنّ 22 بالمائة منا يطالعون كتابا في الشهر بينما تصل النسبة في بلدان أوروبا إلى حوالي 90 بالمائة ولا يخصصون أكثر من عشر دقائق في اليوم لهذا الغرض بينما هم يبحرون بمعدّل ساعتين يوميا في وسائط ما يسمى بـ”التواصل الاجتماعي” وهو أقرب ما يكون “للانزواء الفرداني »…

إدمان جماعي

هو شكل من الإدمان الجماعي فرضه التطوّر المدهش للتقنيات والحراك الرّهيب للعولمة التي هي أقرب ما تكون لـ”القولبة”.
لم يعد هناك إلا نمط واحد للإنسانية فبعد الإنسان الصفر ـ مع الاعتذار لـ عز الدين المدني ـ ، ها قد حلّ الإنسان ذو الأصفار اللا متناهية.
على ذكر الأرقام والصفر Le chiffre هو أوّلها بل إنّه اعتمد في الغرب دليلا على الأرقام – Les chiffres- إنّي لأستحضر ما خطّه المنعّم منجي الشملي في مجلة التجديد عدد 9 – جانفي 1962 عندما تحدّث عن ديمقراطية الثقافة ” إنّه لمن المؤسف أن نتغنّى بثقافة نخبة في بلاد لا يتجاوز قرّاء الكتاب التونسي فيها بضع مئات، حقيقة لا مجازا، فمن سيقرأ نتاج “النخبة” يا ترى؟…

فهل تغير هذا الواقع بعد ستين عاما؟

صدر عن مركز النشر الجامعي سنة 2004 أثر في الغرض يحمل عنوان “الكتاب والمطالعة في تونس للدكتور محمد صالح القادري أحاط فيه بالخصوص بهوية القارئ عندنا :”إن التونسي ليس بقارئ بمعنى انه يطالع للمتعة بل غالبا ما يقرأ تلبية لحاجة مهنية او مدرسية من ذلك أن التلميذ يقرأ لكي ينجح في امتحاناته”.
ثم يحيط بواقع المؤسسة المكتبية فيلفت النظر إلى هشاشتها: “إنه رغم انتشارها الجغرافي وقربها من التجمعات السكنية فهي مجرد أماكن لحفظ الكتب ولم تستفد من الإمكانيات التي توفرها التقنيات الحديثة وشبكة الإنترنت”.
وفي هذا الصدد يجدر بنا التذكير بأن أولي القرار آثروا تغيير صبغة المكتبة المعلوماتية بأريانة وهي الأولى في إفريقيا وتصنيفها كـ مكتبة جهوية.
يقول الصديق علي بن العربي في كتابه ” سياسات الثقافة التي نريد” الصادر سنة 2017 عن دار سحر ص 196 : ” لقد دخل العالم في طور جديد من أطوار الاتصال ظلّ من خلاله رواج الكتاب الورقي تصيبه حالات من الفتور أمام ما يسمّى بالكتاب الالكتروني. لقد كبر عند من يحبّذون القراءة تخوّفهم من نهاية الكتاب المطبوع، فهل لهذه الدرجة أصبحت هذه النهاية قريبة؟ »…

خلل ما؟

لكن في انتظار هذا الأمر المحتوم لا بدّ من الإقرار بأنّ هناك خللا ما في سلسلة المطالعة فكيف نتحسّس من القرّاء والكتاب مفقود؟
فهل تعلم أنّه إذا ما قُدّر لكاتب أو ناشر أن تقتني منه وزارة الثقافة عددا من إصداره فلا يكون ذلك إلا بقدر ما يغطي الربع أو النصف في أحسن الحالات من شبكة المكتبات العموميّة. لم لا تتواجد كلّ العناوين على قلّتها – حوالي ألف سنويا – على رفوف كلّ هاته الأماكن للمطالعة؟.
فما هذا بضنين على دولة تستعيد بقوّة دورها الاجتماعي …والتنويري.
حينئذ يمكن للكاتب التونسي أن يطمئن فيقول:” أنا أكتب فأنا موجود وما على القارئ إلا أن يمدّ يده … ليتصّفح أثري”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى