عيسى البكوش يكتب/ رحيل الإعلامي حمّادي بن سعيد: أحد صنّاع ‘الرأي’ لصاحبها المنعّم حسيب بن عمّار

كتب: عيسى البكوش
لقد افتقدت منذ إطلالة هذا القرن عددا من رفاق الدرب من جماعة اليسار خلال ستينات القرن الذي سبقه…
وجماعة اليسار لا تمتّ بصلة لجماعة تحت السّور البوهيميين إلا إذا استثنينا العطاء الزاخر الذي خلفته الجماعتان، نذكرهم اليوم جميعا لأنّهم أسّسوا لتونس الحديثة تونس المزركشة ألوانها المتعدّدة الناصعة.
فاللون الواحد مثل الرأي الواحد لا تستسيغه الحواس إذ أنّه مثلما تقول العرب
‘إنّما تُعرف الأشياء بأضدادها’ وأُضيف: وتنمو وتزدهر.
رفاق رحلوا
لقد غادرنا من بين هؤلاء الرفاق: نور الدين بن خذر وأحمد العثماني وصالح الزغيدي وخميس الشماري وهشام قريبع ومرشد الشابي وكمال السماري والصادق بن مهني وآخرهم حمادي بن سعيد المتوفى يوم 09 ديسمبر 2024 ولقد كان يجمع بينهم الدفاع المستميت من أجل حقوق الإنسان وإرساء مجتمع سياسي ديمقراطي.
حسيب بن عمّار
فكانوا يمشون على خطى واحد منّا كان يختزل في اسمه المدرسة الدستورية التقدّمية المنعّم حسيب بن عمّار (1924/2008).
لقد أدركتُه في جلّ مراحل مسيرته داخل الحزب وخارجه ولما مرّت الحركة الطلابية بمحنها وجدت في الأخ الأكبر حاميا ونصيرا ولكن وللأمانة التاريخية لم تكن بيده حيلة في ما حلّ باتحادنا من محاولة وأد.
ولقد مسّه ما مسّنا من لغوب فاعتبر ومضى في سبيل إنشاء ما يحسب له اليوم من أعمال جليلة: جمعية صيانة مدينة تونس والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمعهد العربي لحقوق الإنسان وجريدة الرأي وإن زالت.
لقد حرّك سي حسيب ـ مثلما كان يشير إليه معلّم الأجيال محجوب بن ميلاد ـ السواكن في مجتمع ألٍفَ الاستبداد ولو كان مستنيرا، وبيّن بوضوح أنّ ” الدستوري” يمكن أن يكون “ديموقراطيا” خلافا للشعار الذي كان يرفعه بعض منافسينا أنّ “الدستوري” هو بالأساس “فاشي”.
الإقصاء والخيبات
لقد كان الحزب الجديد الذي أسّسه الحبيب بورقيبة سنة 1934 والذي انشقّ بفضله عن الحزب القديم الذي يرجع عهده إلى سنة 1920 لمن يمعن النظر حزبا متعدّدا تعايش فيه إلى حدّ ما الجميع مهما اختلفت مشاربهم.
ولكن أتى زمان ولم يحافظ فيه هذا الحزب “التقدّمي” على هاته السمة فتقطّعت السبل ببعض قادته ومناضليه إمّا قسرا أو طواعية، ولنا في الزعماء أمثال سليمان بن سليمان وأحمد المستيري وأحمد بن صالح أفضل الأمثلة.
وتواصل الإقصاء فتواصلت الخيبات إلى أن صار الحزب في شهر فيفري 1988 إلى قدره المحتوم.
إعلامي متميز
لقد كان الفقيد حمادي بن سعيد وهو أحد المؤسّسين لجريدة الرأي، مثالا للإعلامي المتميّز بفضل قلمه الأمين ومواقفه الحرفية وحواراته الهادفة، كان متشبّعا بقيّم النضال من أجل بلد أفضل وشعب أرقى، فكتب كمّا هائلا من الافتتاحيات والمقالات وأجرى مثل ذلك من الحوارات. ولقد أنشأ ـ وهو المقيم ـ إبّان إقامته بباريس إذاعة أبلغ بواسطتها صوت التونسي المتعلق بالسلم واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، يعني ذلك نصرة القضيّة الأولى على المحك في عالمنا اليوم منذ سنة 1948: فلسطين.
ولقد أرجع حمادي السنة الفارطة بطاقته المهنيّة في فرنسا إلى الدوائر المعنيّة لما تبيّن له من مؤازرة وسائل الإعلام الفرنسية للعدوان الإسرائيلي.
رحمه الله رحمة واسعة وجازاه خيرا عنّا معشر جيل الاستقلال، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.