صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: المهندس محمد علي العنابي (1906-1962): أوّل تونسي ينتمي إلى مدرسة ‘البوليتكنيك’ بباريس

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

هو رجل موسوعي، فـ محمد علي العنابي متحصّل على شهادة الهندسة من المدرسة العليا للمناجم بباريس، وعلى الإجازة في الآداب وأخرى في الرياضيات من السربون وأخيرا وليس آخرا شهادة العلوم السياسية من المدرسة المختصة بباريس…

أوّل تونسي في البوليتكنيك

وهو أوّلا وآخرا أوّل تونسي ينتمي إلى مدرسة البوليتكنيك وهي أعتى المدارس العليا في فرنسا وفي العالم زمانه وذلك عام 1929.
ولم يكن هذا أمرا غريبا على الفتى الذي تحصّل في شهر جوان 1926 على شهادة الباكالوريا في الرياضيات، وفي شهر أكتوبر من نفس السنة على شهادة الباكالوريا في الفلسفة.

البدايات

هو محمد علي العنابي المولود يوم 15 ديسمبر 1906 برأس الجبل، تلقى تعليمه الابتدائي ببنزرت، ثمّ زاول تعليمه الثانوي بالمعهد الصادقي ثمّ بمعهد كارنو.
إثر تحصّله على شهادتي الباكالوريا انتقل إلى باريس لينضمّ إلى القسم التحضيري للمدارس العليا بمعهد سان لويس.
عند تخرّجه طُلب منه أن يُدرِّس في السربون، ولكنه أبى لأنّ ذلك كان مشروطا بالتخلّي عن الجنسية التونسية فرفض العرض وعاد إلى بلده سنة 1934 لينضمّ إلى وزارة الأشغال العامة في مجال المناجم وكان وقتئذ أوّل مهندس تونسي بتلك الصفة، وهو ما كان حكرا على غير أهل البلد..

لقد صرّح العنابي إلى جريدة الزمان بـ” أنّ ولوج التونسيين للوظيفة العمومية هو حقّ وليس منّة”. كما أنّه كان ينادي دوما بـ” أنّ تحرير البلد آن وعلى سكانه التهيؤ لأخذ المقود”.
ولأجل ذلك فلقد ساهم منذ سنة 1947 في بعث جمعية للمهندسين التونسيين لغاية إعداد الإطارات الوطنية لتحمّل المسؤوليات العليا في الدولة.

تولى مهام متعددة

وفعلا فلقد سُمّي عند استقلال البلاد سنة 1956 مهندسا رئيسا ومديرا للتخطيط، ثمّ سنة 1959 مندوبا للبحث العلمي والطاقة الذرية وهو ما مكنه من الانتساب لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذريّة بفيينا.
أعدّ العنابي عدّة بحوث في هذا المجال وخاصة في التنقيب عن الماء واستخراج المواد المنجمية.
كان يؤكد أنه بإمكان تونس اقتناء مولّد نووي سلمي، ولقد أحدث بالعوينة مخبرا للغرض وكان قد تحوّل في هذا الصدد إلى الولايات المتحدة للإطلاع على البحوث المتقدّمة هناك.
إلى ذلك كان يساهم بقلمه في الصحف السيّارة وفي المجلة النسائية ‘ليلى’ التي أسّسها سنة 1936 محمد زروق.
إنّ هذا النشاط الحثيث علميا وأدبيا لم يكن أمرا غريبا عن رجل اعتاد منذ بواكير شبابه على الانخراط في العمل الجماعي والجمعياتي، فقد كان أثناء إقامته بباريس أحد الأعضاء الفاعلين في جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين التي أسّسها الدكتور سالم الشاذلي عام 1927 صحبة صفوة من الطلبة المغاربة.

في الصادقية

عند رجوعه إلى أرض الوطن لم يتوان عن الالتحاق بجمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية فتحمّل رئاستها من سنة 1934 إلى سنة 1954 وقد نشطت في مدّة رئاسته عدّة نواد للبحوث الفكرية والعلمية والإنسانية. ولقد نشّط تلك النوادي أعلام منقوشة أسماؤهم في ذاكرة الصادقيّين من أمثال الطاهر صفر وعلي البلهوان.
لقد حملت هذه الجمعيّة لواء الوطنية الصادقة وهي لعمري مجبولة على الحفاظ على هذا الإرث العلمي والمعرفي وهي تستعدّ للاحتفال بالذكرى 120 لتأسيسها.

هذا ما خطّه بورقيبة

لقد كتب الحبيب بورقيبة في جريدة L’Action بتاريخ 21 جانفي 1937 فصلا يشيد فيه بأحد أنشطة الجمعية، وفيه إشارتان جديرتان بالتوقّف عندهما: روح المساندة والتضامن بين الصادقيين والزيتونيين، والشكر الموجّه “للصديق” محمد عطيّة المدير المساعد للمدرسة الصادقية:
” نظمت جمعية قدماء تلامذة المعهد الصادقي يوم الأحد الفارط حفلة شاي في مقرّها الكائن بنهج دار الجلد بمناسبة إعادة تنظيم الشبيبة المدرسية.
وفى الساعة الخامسة مساء ورغم رداءة الطقس كانت قاعة المحاضرات تغصّ بالحاضرين وكان في طليعة المدعوّين السيد «ڤو Gou» المدير العام للتعليم العمومي والسيد صالح المالقى عميد الجامعة الزيتونية والسيد «لو كنت Leconte» مدير المعهد الصادقي والسيد محمد المالقى رئيس دائرة بالوزارة وثلة من نخبة النخبة المثقفة في البلاد التونسية أمّا الصحافة التونسية سواء منها الناطقة بالعربية أو بالفرنسية فقد كانت ممثلة بالتمام والكمال.
وفي الساعة السادسة و 15 دقيقة فتح رئيس الجمعية صديقنا السيد محمد علي العنابي الجلسة وفاه بخطاب بديع منسّق العناصر أوضح فيه موضوع هذا الاجتماع وبدأ بشكر المدير العام للتعليم على التدابير التي اتخذها منذ قليل كما شكره على التدابير التي وعد باتخاذها بغية تحسين الظروف المادية لتلامذة الصادقية وبغية نشر تعليم الفرنسية بين تلاميذ الزيتونة ومن هذه التدابير: إضافة معلم عربية في فرع المعهد وبناء محل لائق لإيواء أنصاف البيّاتة والخارجيين الذين يعيشون في « مدارس » لا تتوفر فيها الشروط الصحيّة والمرافق الضرورية واتخاذ ملعب للرياضة في بستان المعهد وتكوين دروس بالفرنسية في مقر الجمعية لفائدة طلبة الجامع الأعظم ..الخ …
وبهذه المناسبة فإنّ ” لاكسيون التونسية ” خلافا لما يشاع عنها من كونها تنتهج القدح انتهاجا يسعدها أن تشارك السيد محمد على العنابي فيما قدّمه من تشكّرات مع الملاحظة أنّ هذه التشكّرات موجّهة أيضا إلى السيد ” لوكنت ” المدير والى صديقنا السيد محمد عطية المدير المساعد الذي بذل جهوده ووقته بلا حساب في سبيل النهوض بالمعهد الصادقي من جميع النواحي”.
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء الثالث من أفريل 1962 وشيع جثمانه من مقر سكناه بباردو إلى مقبرة الجلاز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى