صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: إنجازات دولة الاستقلال في مجال الصحّة العمومية

كتب: عيسى البكوش

لقد كانت أولوية الأولويات بالنسبة لدولة الاستقلال التي أقامها فوق أرضنا المتحررة عام 1956 من نير الاحتلال الحزب الدستوري بقيادة زعيمه الفذ الحبيب بورقيبة بمعية كل القوى الاجتماعية الوطنية كانت الأولوية هي ما أطلق عليه منظّر التنمية في بلدان العالم الثالث François Perroux تغطية تكاليف الإنسان” Couverture des coûts de l’homme”، وهي التغذية والتعليم والصحّة، ولقد أضفنا لها في تونس “السّكن »…

عماد التنمية

فـ الصحّة هي عماد التنمية وصمّامها ولذلك انطلقت دواليب الدولة الحديثة في بناء منظومة متكاملة للوقاية والعلاج في آن، ومهّدت لذلك بسنّ حملات واسعة النطاق لمقاومة الأمراض المستفحلة مثل الجدري والتراكوم والرمد والسلّ، وتمّ القضاء عليها جميعا بفضل اتباع سياسة راوحت بين الدواء والتلقيح. ولعلّ إحداها وهو BCG حصّن الأجيال المتعاقبة على مرّ أكثر من ستة عقود. ثم انطلقنا في تهيئة البيئة الأساسية للصحة الأساسية وهي ما اصطلح على تسميته بالخطّ الأوّل.

مشاريع في كل قرية

ولقد ساهمت العديد من الشُعب الدستورية التي كانت إلى جانب دورها التعبوي تمثل بكلّ ضراوة قوّة اقتراح وقوّة تقويم في بعث مشاريع مستوصف في كلّ قرية مثلما هو الشأن بالنسبة لمدرسة في كلّ حيّ.
ولقد أولت الدولة اهتماما بالأمّ والطفل فبعثت شبكة من المراكز المنظمة في هذا المجال الحيوي وكانت النتائج من تحسّن صحّة النوافس والرضّع مشجعة على المضي قدما في ترسيخ تنظيم محكم للعائلة تجسّم فيما بعد في إحداث ديوان للغرض تحصّل في تسعينات القرن الماضي على جائزة الأمم المتحدة جزاء لما حقّقه من نجاحات باهرة تقتدي بها بلدان أخرى.
إذن يصحّ القول بأنّ المقاربة الصحيّة التونسية الحاملة للمشروع البورقيبي في مجال التنمية الإنسانية جرّبت فصحّت.

نجاح الطبّ الوقائي

لقد استشهد البنك الدولي في إحدى تقاريره بفضائل الطبّ الوقائي في تونس ولقد استنجبت المنظمة العالمية للصحة عددا هامّا من إطاراتنا في هذا الاختصاص للعمل إمّا كخبراء أو كمديرين لمكاتبها الإقليمية في العالم.
والجدير بالذكر أنّ أغلب هؤلاء هم خرّيجو المدرسة التونسية للطب التي تفرّعت إلى أربع كليات بتونس وصفاقس وسوسة والمنستير، وأنشئت أولاها بالعاصمة سنة 1964 بفضل قامات تونسية تألقت في الخارج ومن أبرزها العميد المنعّم عمر الشاذلي ولم يقتصر الأمر على الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة بل إنّ الدولة أنجزت على مرّ العقود الثلاثة الأولى من الاستقلال تعليما قيّما وتكوينا ذا جدوى عالية في مجال التمريض والمساعدة.

مجهود كبير…

وها نحن اليوم نقطف ثمار هذا المجهود اللامتناهي في إعداد روّاد الطبّ والمهن المشابهة الذين يتألّقون في الداخل وفي أنحاء عديدة من العالم، فبلدنا أضحى قبلة الآلاف من المرضى الذين يقبلون نحونا من أقطار مجاورة ومن جنوب الصحراء وأيضا من أوروبا.
كما أنّه يحقّ لنا أن نفتخر بما ننجزه في مجال تكوين الأطبّاء في إفريقيا، جيبوتي نموذجا.
ولقد صرّح أخيرا الأستاذ الهادي خيري عميد كلية الطب بسوسة في المجلّة المتوسّطية ـ التي تعدّها للقناة الوطنية الإعلامية عواطف الصغروني ـ أنّ عدد خرّيجي كليّة الطب بهذا البلد ومن إنشاء تونسي ينوف على المائتين وخمسين، فطوبى لمدرستنا الطبيّة التي تحيي أمجاد مدرسة القيروان  بإمامة العالم الفذّ أحمد بن الجزّار.

حصيلة باهرة

وأخيرا وليس آخرا فإنّ من آثار دولة الاستقلال هذه المعاهد المختصة والمخابر التي طبقت شهرتها الآفاق كمثل معهد باستور ومعهد أريانة لمقاومة الأمراض الصدرية الذي آثر مؤسّسه المنعّم إبراهيم الغربي أن يطلق عليه اسم الدكتور عبد الرحمان مامي شهيد الحركة الوطنية والذي تمّ تدشينه يوم 25 فيفري 1960، معهد الهادي الرايس لطبّ العيون ومعهد البشير حمزة لطبّ الأطفال ومعهد المنجي بن حميدة للأمراض العصبية، معهد محمد القصاب للجبر وتقويم الأعضاء ومعهد زهير القلال للتغذية إلخ…
وفي المحصّلة فإنّه على الرغم من الهنات فإنّ حصيلة زمان بورقيبة باهرة هذا المجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى