الصريح الثقافي

عن تجربة الفنانة التشكيلية مروى قديمة ومعرضها ‘شظايا’ بدار سيباستيان بالحمامات

كتب: شمس الدين العوني

الفن..هذا الذهاب عميقا تجاه الينابيع حيث الشغف المفعم بالرغبات قولا بالجمال و بالأسئلة وفق اعتمالات شتى هي ما تداعى من الدواخل..و الفن بما هو الحلم تقصدا لتحويل الأمكنة إلى علب تلوين و تشكيل حيث الأنامل تخط شيئا من الأمنيات و تدعك من طين الحال كونا من الوجد و البهاء..هذا اذا نظرنا للفن في جوانبه البصرية الجمالية التي لها اتصال بباقي التعبيرات الفنية والممارسات الإبداعية الأخرى ..

عوالم تجربة

في هذا السياق من التمشي الفني و منذ طفولة أولى متواصلة و الى الآن في الذات الفنانة نلج عوالم تجربة مثلت صاحبتها هذا الدأب من الرغبة في الذهاب بعيدا في عوالم الفن و التشكيل رفقة أحلام ناجمة عن تلمسات أولى قديمة في عوالم التشكيل الفني بما أتيح من الممكنات و الولع و الانشداد لتترسخ الفكرة و تكتسب التجربة و تتعمق الأسئلة ..
من بيئة أولى بالوطن القبلي و ببني خيار تحديدا كان الشغف الممزوج بطفولة حالة تجاه اللعب مع المادة في محاولات كشف واكتشاف ..محاولة و محاورة حيث الفضاء الاجتماعي الذي يتيح الغرام تجاه الإبداع الخزفي و التفاعل مع الطين و ما يشكله من جمال و هيئات و أشكال تعبيرية تلتقي في النهاية في هذا الأفق الجمالي الرحب..

عوالم الطين و الخزف

نمضي اذن مع عوالم الطين و الخزف في بيئة تشربت كثيرا من ينابيع هذا الفعل الفني و الجمالي حيث الورشات القديمة و معامل الخزفيات و المعروضات بما فيها من عفوية و جمال مبثوث و بقايا أنفاس و أحوال و رسومات بأنامل حرفيين و مهنيين بما فيها من رغبات و براءة و أحلام..
من تلك الربوع بالوطن القبلي كانت بدايات الفنانة التشكيلية مروى قديمة التي نلج عوالمها حيث تواصل تجربتها ضمن الممارسة الفنية وفق رؤيتها و فكرتها التي تمضي فيها لتتعدد مشاركاتها الفنية و التشكيلية التي كان منها معرضها الشخصي الأخير بعنوان ” شظايا ” في مرحلته الثانية بدار سيباستيان بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات للفترة بين 03 و 24 فيفري 2024..و في هذا المعرض تبرز الفنانة مروى قديمة بخصوصية عملها الفني الذي تشتغل عليه ضمن الراكو و عبر اللعب على الممارسة الفنية بالألوان ومختلف تقنيات فن الخزف و المواد و جماليات و ممكنات السيراميك انطلاقا من آلة الكمان التي تبتكر لها ذاكرة شاسعة و متحركة و حية بين البناء و التشظي و المراكمة و التشتت باختلاف المواد و تنوعها حيث العلاقة بين الحالة والآلة بين الطين و آلة الكمان في إطار من الدلالات و الثنائيات المتصلة بالفن و الحياة..كل ذلك بوعي جمالي و فني للفنانة التشكيلية التي تبحث و تبتكر خلال عملها الفني و قبله ..

شغف بالفن التشكيلي

وذلك وفق مسار و بحث و هواجس رافقتها منذ البداية و في هذا السياق تقول الفنانة مروى “…إنَ شغفي بالفنَ التشكيلي كان منذ الطفولة، فكانت مسيرتي المدرسيَة ثريَة بالمشاركات و الملقيات الفنيَة سواء الجهويَة أو الوطنيَة. عند اجتيازي مرحلة الباكالوريا قررت التوجه إلى المعهد العالي للفنون الجميلة بنابل للتفرَغ تماما للفنَ و بداية مشوار فنيَ تشكيلي أساسه التكوين الأكاديمي و العلمي مع الممارسة التشكيليَة التطبيقيَة طبعا. إنَ ما ساعدني في التمكَن و اتقان مختلف التقنيات في فنَ الخزف هو تواجدي الدائم في ولاية نابل و تحديدا بين مدينتي بني خيار و نابل. لن أنسى أي مهنيَ في الخزف أو أصحاب الورشات التقليديَة أو المصانع المختصَة في الخزف لرحابة صدرهم و فتهم الأبواب لي لكسب التجربة الثريَة التي جعلتني أطوَر من معارفي و مكتسباتي لإنشاء أعمال تشكيليَة فنيَة ذات بعد متفرَد خاصَ بي. فكلَ الشكرلكلَ من علمني حرفا في مسيرتي الدراسية و الجامعيَة و لكل مهنيَ أفادني بشيء و لو بسيط من تجربته . فأنا اليوم كدكتورة في علوم و تكنولوجيا الفنون و أكاديميَة و أستاذة تربية تشكيليَة، من دوري البحث على البعد المفاهيمي للعمل التشكيلي الخزفي و إدراك خفاياه. البعد التقني ضروري في اختصاص الخزف و لكن اتقانه لوحده ليس كفيلا بنحت صورة الفنَان فالبعد التعبيري و إنشائيَة الإنجاز تزيد ثراء كلَما تعدَدت القراءات و التأويلات…لقد وجدت في تقنية الخزف و تحديدا الراكو أبعادا مفاهيميَة كثيرة أذكر منها ، العفويَة و الصدفة… فالتشققات التلقائيَة الناتجة عن تفاعل قطعة الخزف مع الهواء تسلك طرقا متعدَدة من غير تخطيط مسبق لها، فتنتشر فوق سطح القطعة محدثة ذبذبات بصريَة من شأنها أن تشعرك بالضياع…أمَا بالنسبة للقيمتين الضوئيتين التي تسيطر على المعرض ” شظايا” فهي إحالة لعدَة ثنائيات منها تواتر الليل و النهار، الهدم و إعادة البناء، الموت و الحياة، الموت و الإنبعاث، الحب و الكراهيَة، الماضي و الحاضر…”..

معرض شظايا

و عن السياق الحاف بالمعرضين تقول الفنانة “… لم يكن معرض شظايا في محطَته الثانيَة مجرَد تغيير لفضاء العرض فقط بل لدي نظرة أتحدَث عنها كما يلي:مسرحة الفضاء/ مسرحة المعرض..
إنَ فضاء العرض الجديد في دار سيباستيان الذي وقع تدشينه بمناسبة معرض شظايا، يتميَز بطابع معماري مميَز يتماشى مع أعمالي التشكيليَة الخزفيَة من ناحية الحجم ومن ناحيَة الألوان (الأبيض و ألسود). الفضاء هو عبارة عن متحف لتوثيق للتاريخ، فمنذ دخوله نجد بقايا حديديَة للسخَان الذي كان يستعمله سيباستيان لتسخين الماء و المنزل، أيضا نجد محرَكا لذاك السخان و شظايا أخرى لم تترك ذاك المكان إلى اليوم، بل بعد عديد السنين يتحوَل الفضاء من مجرَد كهف لتزويد المنزل بالحرارة إلى كهف فنيَ تنبع منه حرارة الحسَ الفني، فيستقبل شظايا، معرضا ليسكن المكان و يؤثث الجدران البيضاء و يزيد من المتناقضات… فيجمع بين الأبيض و الأسود، الماضي و الحاضر، القديم و الحديث…امَا بالنسبة للعلاقة التي نشأت بين أعمالي والفضاء أرى أنَها المسرحة La théâtralité …مسرحة كلَ من الفضاء والمعرض… في قراءة لعمل Tombeauنرى مسرحة الكمان الشيء… أنسنة الكمان الشيء…ليتحوَل إلى كائن من قوَة ما يكمن بداخله من أحاسيس متوهجَة يريد أن يغادر قبره و ينبعث من جديد. حاولت من خلال هذا المعرض إعادة إخراج أعمالي في حلَة جديدة تتماشى مع الفضاء. أضفت ستارا أسود لمسرحة قبر الكمان وسخان صاحب الفضاء…اللَون الأسود يمثَل الرابط الظاهر بين مكوَنات الصورة التشكيليَة، المسرحيَة…أما في الحقيقة هي مسرحة لحالات نفسيَة تتمظهر من خلال الأشياء. لتجعلنا نتراوح بين الماضي و الحاضر، بين الغائب والحاضر ، بين الظاهر والباطن… سأتحدَث الآن على عمل تشكيلي ثاني يمثَل La théâtralité de l’attente حيث تحوَل العمل الخزفي إلى تنصيبة متكوَنة ( 3 كراسي/ عمل خزفي تقنية راكو / قماش). قمت بتنصيب مماطلة و هو اسم العمل فوق ثلاثة كراسي حديديَة سوداء اللَون، و فوقها قطعة قماش تتدلى حتى الأرضيَة لتزيد من تمثيل المماطلة و الإنتظار.. ثلاث كراسي وفي تكرار الشيء هناك التأكيد…طول قطعة القماش و تدلَيها يزيد من مفهوم المماطلة…لن يتوقف معرض شظايا عند هذا المستوى و إنمَا سيتواصل المشروع و تنضاف إليه فنون أخرى ففي تظافر الفنون تجديد و تجدَد و ثراء، و هذا ما يؤكد اهتمامي بإشكاليَة تظافر و تداخل الفنون في تجربتي التشكيليَة التطبيقية و في بحوثي و منشوراتي النظريَة، حيث أثرت علاقة الموسيقى و الرسم في تجربة بول كلي، و العلاقة الجدليَة بين الصورة الشعريَة و الصورة التشكيليَة و من ثم توجهت من الصورة التشكيليَة إلى الصورة السينمائية حيث تنضاف الموسيقى…

أبعاد جديدة

وكلَما انضاف فنَ من الفنون اكتسب العمل الفنيَ أبعادا جديدة للتعدَد قراءاته و تأويلاته…لن أقتصر في معرضي الشخصي الثاني شظايا على ترحاله وتجواله بين أروقة فنيَة ثقافيَة متعدَدة، بل انطلاقا من فنَ الخزف المعاصر سيتطوَر المشروع الفنيَ لتتغيَر ملامحه التشكيليَة. إنَي بصدد تحضير تصَور لعرض كوريغرافي حيَ، يجمع بين شظايا، الرقص، التعبير الجسماني، الموسيقى والضوء…ستغادر لوحاتي أطرها، لتنتشر في الفضاء، فمنها الشظايا التي ستكون منبسطة على الأرض، و أخرى معلَقة في الفضاء، تتأرجح بين السقف و الأرضيَة…سنرى تركيبات مشدودة بخيوط شفافة رفيعة…كلَها شظايا تتطاير في الفضاء. سأقوم بتسليط ضوء على الأجزاء المتدليَة لينعكس ظلَها على الجدران التي كانت فارغة لتسكنها ظلال شظايا الكمنجات…وبذلك يتضاعف عددها وتزداد حركيَتها… و بين تلك التركيبات الملقاة أرضا و المتدليَة من السقف، تتنقَل راقصة الباليه بحركاتها الرشيقة، متخذة نسق الموسيقى التي تسمعها مرجعيَة لنسق حركاتها.. متفاعلة مع الشظايا التي من حولها…فتارة تداعبها وتارة تتجاهلها… فالشظايا تجعلنا نتذكَرالماضي فنحاول تركه لنغادره لننطلق نحو المستقبل…مثلما غادرت أجزاء لوحة “شظايا” إطار اللَوحة لتغيَر إطار وجودها وسياقها التشكيلي… من الجمود إلى الحركة… من الصمت إلى الضوضاء…”.و الفنانة مروى قديمة متحصلة على شهادة الدكتوراه في علوم وتكنلوجيا الفنَ من المعهد العالي للفنون الجميلة بنابل.و لها عديد الأنشطة العلمية منها المشاركة في فعاليَات الندوة العلميَة العالميَة المنظمة من طرف جمعيَة praxis تحت عنوان ” Regards nuances surl4qrt qctuelenTunisie pratiques lieux d expositions et actants “Derrière les بمداخلة علميَة تحمل عنوان barreaux : Une exploration artistique du vécu carcéral
والمشاركة في الندوة العلميَة الدوليَة المنظمة من طرف جامعة قابس بمناسبة إحياء عشرينيَة تأسيسها تحت عنوان ” إنسانيَات متعدَدة في عصر الرقمي: التحديَات و الأدوار و الرهانات” و عنوان المداخلة: « Décrypter le monde digital : Comment la révolution numérique bouleverse les sciences humaines ? »و المشاركة في الندوة العلميَةالعالميَة ” العلاج بالفن” تحت عنوان علاج الصَدمة المنظم من طرف كليَة الطب بالمنستير.و من التربصات التي شاركت فيها نذكر التربص في تقنية الراكو في المركز الوطني للخزف بسيدي قاسم الجليزي و التربَص في تقنيات الإختزال المنظم من طرف الجمعيَة التَونسيَة للفنون والوساطة بسليمان كما أنها كانت ضمن انجاز جداريَة مع تلاميذ المعهد الثانوي ابن شرف بالزريبة ولاية زغوان بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشجرة و عن المعارض كانت لها مشاركة في المعرض الجماعي العالمي المقام في روما تحت عنوان ” SENSES INTERNQTIONQL QRTFQIR 2023 – FUTUTRE LANDSCAPES”بعمل تشكيلي خزفي يحمل عنوان Eclats de reve
الى جانب عدد من المعارض الفنيَة الوطنيَة و نذكر ضمن المعارض الشخصيَة معرضها بعنوان “شظايا” EXPLOSE للفترة : من 11 إلى 25 نوفمبر 2023 برواق المركب الثقافي نيابوليس نابل
و معرض بمقر جمعيَة صيانة مدينة نابل..الى جانب المعارض الجماعية و منها صالون الخزف المعاصر في دورته السادسة بفضاء قصر خير الدَين بتونس بعمل تشكيلي خزفي و معرض الفنانين الشبَان المنظم من طرف اتحاد الفنَانين التشكيليين التونسيين بفضاء قاعة يحيى البالماريوم بتونس بعمل تشكيلي خزفي بعنوان “أثر” و بصالون الخزف المعاصر في دورته الخامسة بفضاء قصر خير الدَين بتونس بعمل تشكيلي خزفي بعنوان ” Etat d’âme” الى جانب المشاركة في مسابقة الجائزة الكبرى للفنون التشكيليَة المنظمة من طرف بلديَة تونس.
بعمل تشكيلي خزفي يحمل عنوان ” Abysses” المعروضة في قاعة عرض سانت كروا “Saint-Croix”بتونس…
تجربة فنية ضمن السياق الجمالي للباحثة الفنانة مروى قديمة حيث التواصل مع الممكنات الجمالية ل”شظايا” حيث التفكك و اعادة التشكيل و التشظي و البناء و ما الى لك من الدلالات التي يبرزها هذا النحو الفني في قادم المعارض و المحطات الثقافية الفنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى