وطنية

شركات البيئة..كانت ‘حلا لامتصاص الاحتقان الشعبي’..فتحولت إلى مشكل يقض مضجع الجميع!

ما فتئت معاناة أعوان شركة البيئة تتفاقم وتزداد تعقيدا، سيما بعد دخولهم في اضرابات متعددة للمطالبة بتلبية مطالبهم المتعلقة أساسا بإنهاء ما وصفوه بـ ‘السياسة المعتمدة من قبل الأنشطة البترولية والمبنية على المماطلة والتسويف’ في صرف الأجور…

بالإضافة إلى المطالبة بتفعيل قرار التصنيف وتفعيل الزيادة العامة في الأجور لسنوات 2023/2024/2025، وصرف المفعول الرجعي لتعديل زيادة 2015/2016 وتحيين شبكة الأجر على قاعدة الأجر الأدنى المضمون وتمكين الأعوان من زي الشغل..

البدايات

وللتذكير، شركة البيئة والغراسة والبستنة بتطاوين تم إحداثها يوم 7 سبتمبر 2015، وهي شركة خفية الاسم برأس مال يقدّر بأربعمائة ألف دينار، وهي شركة اختصاصها خدمات العناية بالبيئة وتهيئة المنتزهات والبستنة والغراسة والخدمات الفلاحية، وكان الهدف من إحداثها توفير مواطن شغل تساهم في تقليص نسب البطالة وتحقّق التنمية في القطاع الفلاحي وقطاع الطاقات المتجدّدة.

ماذا اليوم؟

تعاني هذه الشركة كغيرها من شركات البيئة والغراسة والبستنة من تأخّر صرف أجور العمال، كما يذكر أن الشركة أوقفت عملية انتداب 1000 موظف بعد أن نصّ على ذلك اتفاق الكامور الممضى مع حكومة يوسف الشاهد، ومنذ مدة تشهد شركات البيئة والبستنة عدة مشاكل حيث منذ أشهر نفذّ بدورهم أعوان شركات البيئة والبستنة بولاية قفصة وقفة احتجاجية، وخرجوا في مسيرة سلمية للمطالبة بتسوية وضعيات عدد من الأعوان وتفعيل نشاط الشركات إلى جانب التعجيل بسن القانون الأساسي المعطل منذ 2011 وذلك تنفيذا لمحاضر الجلسات التي أبرمت مع الحكومات المتعاقبة.
ونفس الأمر ينسحب على كل شركات البيئة في كل من صفاقس وقبلي وقابس وقفصة وتطاوين، حيث لكل شركة منها مشاكلها، هذه الشركات التي رأت النور من حضن أزمات اجتماعية كبرى و”تحوّل ثوري” وانتفاضات شعبية لتكون بمثابة ‘المسكّن الاجتماعي’ الذي تم استعماله في أكثر من حقبة لامتصاص الغضب الشعبي واستيعاب أعداد متزايدة من الشباب المعطّل عن العمل، ولكن هذا الحلّ مع الأيام والسنوات تحوّل بدوره إلى مشكل والى معضلة باتت اليوم تبحث عن حلول جذرية في ملف له خصوصيته الاجتماعية.

حلّ لامتصاص الاحتقان الشعبي

وفي السنوات الأخيرة باتت هذه التجربة محلّ نقد لاذع بالنظر لخسائرها الاقتصادية وضعف جدواها الاجتماعية حيث باتت هذه الشركات تواجه صعوبات وتحديات كبيرة كما باتت تشكّل عبئا كبيرا في علاقة بتمويلها من قبل شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي، كما تلاحق اتهامات خطيرة اليوم هذه الشركات التي اعتبرها البعض أنها شركات وهمية بمقرات مغلقة وعمّال غير مباشرين لنشاطهم، ورغم أنه لا يمكن الجزم بان كل شركات البيئة هي شركات وهمية لا يمارس عمّالها أو إطاراتها أي نشاطات إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن هذه الشركات تعيش هشاشة مالية وهيكلية تجعل قدرتها على ضمان ديمومتها خارج الدعم الحكومي ودعم الدولة أشبه بالمستحيل…

وكان المدير العام السابق للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية عبد الوهاب الخماسي، كان أكّد في تصريح سابق أن المؤسسة العمومية تتكفّل بخلاص 2500 عامل في شركة البيئة والغراسة والبستنة في تطاوين بكلفة شهرية تقدّر بـ 3.3 مليون دينار شهريا، دون تحقيق مداخيل تذكر!
وفي 2017 أكدت وزارة الصناعة أن حجم الأجور بشركات البيئة والغراسة والبستنة بلغت حوالي 134 مليون دينار، مؤكدا أنه من الضروري بلورة تصوّر وطني لتفعيل دور هذه الشركات.

هل من حلول

وحاولت حكومة نجلاء بودن إيجاد حلّ لإضفاء المزيد من الفاعلية والنجاعة على عمل هذه الشركات حيث استعرض مجلس وزاري انعقد في أفريل 2023 سبل تطوير أنشطة شركتي البيئة والبستنة بتطاوين وقبلي بما يساهم في انجاز مشاريع تدعم مواردهما الذاتية وتضمن ديمومتهما وذلك من خلال ضرورة تحسين حوكمة الشركتين وتطوير آليات التصرّف بهما بما يمكّن من تدعيم قدراتهما على انجاز المشاريع والمساهمة في استغلال الإمكانيات الاقتصادية المتاحة بولايتي قبلي وتطاوين.

إجراء تشخيص دقيق

كما طالبت رئيسة الحكومة وقتها نجلاء بودن بضرورة إجراء تشخيص دقيق لوضعية الشركتين من حيث الجانب المالي وطبيعة المهام الموكولة إليهما كما دعت بودن إلى ضرورة تطوير الأنشطة الاقتصادية للشركتين عبر وضع إطار قانوني يضمن ديمومتهما .
إلا أن ما اقترحته حكومة بودن لم يتم تفعيله بشكل مناسب والدليل المشاكل التي تعيشها اليوم شركة البيئة بتطاوين ومنها تأخّر الأجور والوضعيات المهنية المتعثّرة .
يشار إلى أن أعوان شركة البيئة بتطاوين نفذوا وقفة احتجاجية سلمية،وتجمّع عُمّالي أمام مقرّ الاتّحاد الجهوي للشغل، صباح يوم أمس الإربعاء 28 ماي 2025،بدعوة من النقابات الأساسية لأعوان وإطارات الشركة.

صرف الأجور

وأكّد كاتب عام النقابة الأساسية للشركة بتطاوين الشمالية يوسف القرسان أنّ مطالب الأعوان تتمثّل في صرف أجرتيْ أفريل وماي قبل عيد الأضحى حتى يتمكنوا من تأمين مصاريف حياتية يومية، بالإضافة إلى شراء الأضاحي مع إيجاد حلول جذرية للإشكاليات العالقة وضمان ديمومة الشركة وصرف الأجور في الآجال من خلال تطبيق قرار 5 نوفمبر 2020 القاضي بتصنيفها ضمن وزارة الفلاحة.

فتح الملف

وحتى لا يتغلب الفتق على الرتق، ندعو إلى فتح ملف شركات البيئة والغراسة وتقييم تجربتها طوال كل هذه السنوات ووضع خطة وطنية تسهر عليها الحكومة لتحقيق المعادلة الصعبة من خلال ضمان الأمان الاجتماعي للآلاف العاملين بهذه الشركات مع ضرورة أن يكون لوجود هذه الشركات جدوى اقتصادية تضمن ديمومتها حتى في ظل تقليص الدعم الحكومي بما يفرض إعادة هيكلتها لتكون قادرة على الصمود لوحدها.
اللهم قد بلغت فأشهد.

متابعة: محمد المحسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى