صالون الصريح

رجب حاجي يكتب لكم: في عيد الشهداء لما لا… وقفة تأمل لاستخلاص العبر من طريقة حكم بورقيبة؟

كتب: رجب حاجي

بعد عشرات السنين، بدا جليا يتضح نوايا من تغلغل في أرجاء بلادنا، وهو من ليس من محبيها اطلاقا، أتى بهم التاريخ من حيث لا ندري، من كل صوب وحدب، فعبثوا بثورتها، وحاولوا اتلاف اصولها، فكان نهب أموالها الغاية، والاستيلاء على حكمها الهدف ، ونشر ثقافة البؤس الاولوية، والعمل على زرع الحقد في أهلها، وترويج الكراهية في شبابها…

تدحرجت تونس…

فتدحرجت تونس نتيجة ذلك من عليائها إلى الحضيض، وكادت رويدا رويدا تنزلق الى المجهول، مواكبة مع انتشار “لوبيات” الاقتصاد الموازي في كل ارجائها، مدعما بشرذمة عملت على نشره وتركيزه، حتى أنه أصبح من الصعب القضاء على جذوره، لأنه محمي بالأموال المشبوهة بأنواعها، والترهات الرخيصة بأساليبها، ولا ينقصه الا سبر آراء على المقياس، لتثبيت مزاياه، وبيان صلاحياته، و لا يخفى على أحد أن سبر الآراء هو ركن من أركان الاحصاء والاحتمالات، يدرس في الجامعات والكليات، و يخضع الى قواعد علمية موثقة. ولقد نبهنا واقترحنا الحلول العاجلة والآجلة في مقالات باللغتين العربية والفرنسية، وعاودنا الكرة في كتاب بصدد النشر باللغة الفرنسية…وذلك بالاشتراك مع مركز النشر الجامعي الذي أعلمني مديره بمراسلة إلكترونية جاء فيها “يسرني اعلامكم انه تمت الموافقة على نشر مؤلفكم… بعد الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات والاقتراحات الواردة من قبل المقوم”، فكان ذلك كذلك.

فقدان المصداقية

بلادنا مريضة عز دواؤها، إذ تجربة الديمقراطية فيها فقدت مصداقيتها منذ انبعاثها، لان المتبارين على الحكم ينتمون الى أحزاب  سياسية، أجمع القوم على فشل أدائها، اذ لم تحقق أهداف الثورة، ولا طموحات الشباب في الشغل والكرامة، كل ذلك أفقد الأمل في السياسة ومحبيها، و كان من الواجب لمن اختار السياسة مهنة، أن تكون له قناعة برؤى وطموحات وتصورات، وأبرزت التجربة، مع الاسف، ان أغلب من تحمل المسؤولية، وإن كانت محددة في الزمن، يريد أن يستمر فيها حتى بعد انتهاء أجلها، ويعلل ذلك بالرجوع الى الدستور، واصفا المهمة بانها تحتم استمرارية المرفق العام، داعيا إلى عدم الانسياق وراء مطالب انهائها، و رافض للتقييم والرقابة

بناة الجمهورية

كفى المواطن حرمانا من لقمة العيش، بدفع الضرائب من قوته، لهيئات ظهرت نتائجها سلبية، ولم تبين التجربة، طيلة مهمتهم، ما يثبت فوائد عملهم، إذ غاب في بلادنا التقييم للمسؤولية المناطة، والاحترام للقانون المشرع، مما اضر بناموس الدولة التي مازالت تخضع لمراسيم لم تعد مواكبة للواقع الجديد، وعلى المجلس المنتخب تحيينها، لأنها كافية لتغطية كل الفرضيات وكل القضايا المطروحة، والاولوية يجب أن تكون للاقتصاد والعمل لا غير..

ونترك الشقاق جانبا ولو كان بيننا اختلاف في الرأي، ونجابه اليد في اليد التحديات المطروحة، وفي شهر مارس وأفريل لنتذكر أن بلادنا فقدت فرسان الحرية، بناة الجمهورية، و رواد الوحدة القومية، وفي ذكراهم وجب وقفة تأمل وتفكير، ومحاسبة النفس، ومد يد المساعدة إلى المشهد الإعلامي لخلق بيئة غير ملوثة، وإعانته على طرح المساءلة والمحاسبة، مع ترك القول الفصل للعدالة وحدها.

ذكرى شهداء 9 أفريل

أتت ذكرى شهداء 9 افريل متزامنة مع ذكرى الزعيم الفذ الحبيب بورقيبة ورفاقه، وهي فرصة ثمينة لمراجعة النفس، والتأمل والنظر بعمق وعقلانية الى ما وصلت اليه البلاد من تدهور، نتيجة عدم الوصول الى مواصلة بناء دولة حديثة، قواعدها صماء، وأسسها فكر اصلاحي نير، وللخروج من المأزق تتاح فرصة قراءة ثانية لنمط أسلوب بورقيبة في الحكم، وكيفية حكمته، وسياسته المبنية على المراحل، وهي كلها تتسم بالحنكة، وكفيلة من استنباط وسائل عملية تمكن من إنقاذ البلاد من ماهي عليها اليوم من ضبابية، وان الالتجاء الى “فيسبوك” وما يحمله في طياته من مخاطر، هو أمر مزعج ومخيف ، وجب الاحتياط منه، والانتباه اليه، واستخدامه في نبذ الكراهية، وبث المحبة، والدفاع عن تونس ولو اختلفت آراؤنا في مسارها، لأن أعداؤها بالمرصاد  لزعزعة بنيانها بإثقال كاهلها بالديون.        

يوم تاريخي

وفي هذا اليوم التاريخي، من الواجب كغيري من مناضلي الحزب الاشتراكي الدستوري، وبناة ادارته، أن أبارك وأهنئ شعبنا الأبي بذكرى شهداء 9 أفريل الابرار، وهم من أجدادنا و آباؤنا كل في عشيرته، ومن زاويته، في وحدة صماء، ذكرها التاريخ، وافتخر بها من عايشها، وتزامن الذكرى مع ذكرى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة يزيدها عظمة في جسامة التضحية، إذ ساهم بقسطه الوافر، معطيا المثل في المصابرة، والقيادة الرشيدة، وتعود بي الذاكرة الى ما يشهد به المناضل احمد المستيري – طاب ثراه- في تدخله في جمعية بشرى الخير في ذكرى 9 أفريل الفارط، “أن الزعيم رفض في حياته النضالية كل المذاهب، مهما كانت أصولها، وهو من دعاة “البراغماتية” يبحث عن النتيجة في كل مراحل كفاحه، من ذلك عمله الدؤوب في بناء الدولة، واقتناعه بمؤسساتها الدستورية، وللحكم عليه اجمالا ان مسيرة الزعيم كانت موفقة وايجابية…

تريثوا

 ودعا المؤرخين الى التريث في الحكم، منبها ان العهود غير قابلة للمقارنة، وداعيا الجميع الى استخلاص العبر من طريقة حكم بورقيبة التي أظهرت قدرتها على توحيد الأمة، ورأى انه من المفيد قراءة ثانية لنمط أسلوبه، وكيفية حكمته، وسياسته المبنية على المراحل، وهي كلها تتسم بالحنكة، وكفيلة من استنباط وسائل عملية تمكن من إنقاذ البلاد، ولنذكر وهو بمعية ثلة من رفاقه باني الدولة الحديثة، ومحرر المرأة، ومعمم التعليم، ومصمم بحيرة تونس والساهر على مراحل إنجازها… يذكر الرئيس قيس سعيد ما اعتقد شخصيا تكملة لشهادة المناضل أحمد المستيري ولما رواه لي المرحوم الباجي قائد السبسي طاب ثراه، عند زيارتي له في القصر، “أن بورقيبة جزء لا يتجزأ من تاريخ تونس، وأن التاريخ لا يرحم و كفيل بالفرز، مشيرا بذلك إلى التعتيم على موكب دفنه…

مناقب الزعيم

وأضاف الرئيس أن المؤرخين سوف يذكرون مناقب الزعيم الحبيب بورقيبة، ويذكرون كذلك بعض الأخطاء، مؤكدا أن الحبيب بورقيبة قام بإصلاحات في مجالات التعليم والصحة والأحوال الشخصية وأحدث ثورة داخل المجتمع، لكنه أخطأ ربما في ممارسة السلطة في تصوره لبعض الاختيارات” أوردت الشهادات للدلالة على انجازات بورقيبة ولنتذكر انه انسان يخطئ ويصيب، واسوق للذين لا يفهمون قوله تعالى:  “لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالأنعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون”. صدق الله العظيم

هوامش

رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر
بجامعة هارفارد الأمريكية – ألف أربع كتب في علم الإحصاء في المستوى الجامعي- أول رئيس بلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين و رئيس ديوان وزيرة الصحة ومكلف بمهمة في اختصاصاته لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى