صالون الصريح

رجب حاجي يكتب لكم : في تأبين حسين بوزيد…’واذكروا موتاكم بخير’

كتب: رجب حاجي

فقدت تونس اليوم أحد رموزها الأوفياء حسين بوزيد، تغمده الله برحمته الواسعة، ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان، كان رحمه الله من الذين آمنوا بمسيرة تونس بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة…

ناضل منذ صغره في حزبه في قريته بوحجر، مسقط رأسه، ثم في الجامعة حيث كان نشيطا في الاتحاد العام لطلبة تونس، ثم واصل نضاله في المسؤوليات التي تحملها عن جدارة، إذ ترك فيها بصماته، و تعدادها لدليل واضح على كفاءته واشعاعه، من رئيس ديوان وزير الاقتصاد، مدير عام لوكالة النهوض بالصادرات، كاتب عام لوزارة الخارجية، سفير تونس ببرازيليا، سفير للجامعة العربية بمدريد، رئيس لودادية قدماء المرحلة العليا للمدرسة الوطنية، إلى غيرها من المسؤوليات الوطنية…

وعند خروجه للتقاعد انتدبه رئيس مجلس النواب محمد الناصر ـ أطال الله عمره ـ، مستشارا لمدة سنة، لتكليفه بشؤون المجلس الخارجية… فلبى الواجب، وأحسن الأداء.

 سبّاق في العمل

ليس من السهل ولا من الهين رسم صورة واقعية لإنجازات حسين بوزيد في كل الوظائف التي شغلها، ولما قدمه من خدمات جليلة في ادارتها، تُذكر فتُشكر، وأهل قرية بوحجر وخرجي المدرسة العليا للإدارة أدرى مني بذلك، ولما كنت رئيس بلدية ملولش المحدثة (1985-1990) ، أتذكر انه لم يبخل عليّ بنصحه وارشاده، وكان كما عرفته، دائما سبّاقا في العمل على تطوير المجتمع، والنهوض به الى الأفضل، لأنه يؤمن بالعمل الصالح في خدمة الغير، ونحن زملاء في المجلس، ملتزمان بالقيام بالأعمال التي يكلفنا بها الرئيس، وبالواجبات المحمولة على أعوان الدولة، وما أتذكره يوما في لقاءاتنا المتعددة،  مجد دوره، أو تباهى بإنجازاته في مسؤولياته، أو عمل على الاطاحة بمن لا يشاطره رأيه، او خان أصدقاءه، وكان المغفور له، محمد الصياح، ابن عمته، يكّن له المحبة والتقدير، ويعتبره من الذين ساهموا في بناء الدولة العصرية، ولم ينقطع حسين عن الدفاع عن أفكار بورقيبة بذكائه الحاد، وذلك عن دراية وتبصر، وكان من الذين اختاروا “الصدق في القول والإخلاص في العمل”.

أي لسان يعطيه حقه؟

أي لسان يعطيه حقه اليوم، وأي قلم يعدد خصاله، ففي غروبه عني ذكريات لا تنسى، وصور من شريط لن يكتمل، أثر فيه منتسكيو، وديكارت وغيرهم من فلاسفة التنوير، وكان عصرهم عصر المعرفة، ومصدر الحضارة الانسانية الحالية، مثل فصل السلطات، والديمقراطية، والحقيقة عن طريق العلم، وكان شغوفا بكل ذلك.

نتناول في المجلس الخوض في هذه المواضيع وغيرها، وقد كلفنا الرئيس كل في ميدانه بنصحه وارشاده، وهي فرصة لاكتمال تكويننا بجانبه، إذ ترك لنا المجال لدرس كل مواضيع الساعة، وتسجيل ملاحظاتنا بكل حرية، لما هو جدير أن يدوّن طبعا، مذكرات في مختلف الميادين نتعمق فيها بكل روية، وكنا نحذر من المناورات السياسية، ونناضل من اجل ان يكون الانتقال سلميًا،  فكان حسين دائما سباقا للأحداث، ومتبصرا للمستقبل.

قضينا عاما كله نشاط، وانتهت مهمتنا في نفس الوقت، ولم نخطأ في توقعاتنا لمعرفتنا الدقيقة للأوضاع، و إدراكنا أن التنافس على السلطة، مهما كان الثمن، هو الوازع المشترك لأولي الأمر.

آخر مكالمة

 وفي خاتمة هذه اللمحة اتذكر اني طلبت منه الحضور الى بوحجر لإحياء الذكرى السنوية الخامسة للأستاذ محمد الصياح ـ طاب ثراه ـ فقبل الدعوة، لكن ما راعني ان اعتذر هاتفيا، لأسباب صحية طارئة، وبعد أيام خاطبني ثانية لشكري على نجاح الذكرى، وكانت تلك المكالمة الاخيرة بيننا…  ولا يفوتني الا أن  أترحم عليه، راجيا من الله أن يرزق كل أفراد عائلته وسائر أصدقائه ومحبيه، جميل الصبر والسلوان.    

“أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”

صدق الله العلي العظيم  

هوامش                                                                                                            
رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر
بجامعة هارفارد الأمريكية – ألف أربع كتب في علم الإحصاء في المستوى الجامعي- أول رئيس بلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين و رئيس ديوان وزيرة الصحة ومكلف بمهمة في اختصاصاته لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى