صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: هل تساهم ‘طوفان الأقصى’ في تشكيل إسرائيل الثالثة؟

chebbi
كتب: الأمين الشابي

انطلاقا من العنوان، قد يتساءل المرء، منذ الوهلة الأولى، هل توجد أكثر من اسرائيل كما يلمّح العنوان إلى ذلك؟ و عليه نجيب بالقول، أوّلا، بأنّ ” إسرائيل الثالثة ” هي ما ستكون عليه اسرائيل بعد ‘طوفان الأقصى’…

وثانيا إن إسرائيل الأولى هي إسرائيل سنة 1948 و اسرائيل الثانية هي إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973. و هذه المحطات الثلاثة، لها أهمية في حياة هذا الكيان، منذ إحداثه في قلب العالم العربي و تحديدا في فلسطين.

إسرائيل الأولى

بعد قرون من التشتت، بدأت الأفكار الصهيونية تتسلل إلى عقول اليهود انطلاقا من القرن 19، حيث سعت الحركة الصهيونية إلى توحيد اليهود وتأسيس وطن لهم. ولم تكن فكرة توطين اليهود في فلسطين القديمة هي الخيار الوحيد لهم. ولكن مع مرور الزمن أصبح فلسطين هي الخيار الأكثر ترجيحا. ومع تصاعد الصراعات بالمنطقة العربية، تصاعدت الجهود الصهيونية للتوطين وتعزيز الوجود اليهودي في فلسطين.
وفي سنة 1947، اتخذت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة فلسطينية و “دولة” يهودية. وبالتالي أعلنت إسرائيل استقلالها سنة 1948. ومن المفارقات وأنّ حدود إسرائيل السياسية من أكثر الأشياء المثيرة للجدل باعتبار وأنّها لم تعلن حدودها الرسمية منذ نشأتها عام 1948. ومن هنا بدأت النوايا الخبيثة لهذا الكيان؟ وأيضا من سمات الحكم بهذا الكيان، بأنّه “كدولة” مستعمرة، تعتمد نظام حكم برلماني، على الرغم من أنها ليس لها دستورا مكتوبا ولكن تعتمد على مجموعة من الوثائق والقوانين تحدد نظام الحكم وسلطات “الدولة” وحقوق المواطنين.

اسرائيل الثانية

بعد وفاة جمال عبد النّاصر في سبتمبر 1970 و ما تحملته الجيوش العربية في عهده بما يعرف بـ ‘النكسة’ سنة 1967، تولى منصب رئاسة الجمهورية بمصر الراحل محمد أنور السادات، الذي لم يكن أمامه من خيار سوى الاستعداد لحرب مع إسرائيل لإعادة و تحرير الأراضي العربية التي استولت عليها سنة 1967. و هو ما تطلب عامين من الاستعداد لحرب أكتوبر 1973. و قد ساهمت العراق في هذه الحرب بنحو 20 طائرة حربية مع طياريها، إلى جانب سوريا. و قد بدأت الحرب يوم 6 أكتوبر 1973 بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصري و الجيش السوري على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء و هضبة الجولان و توغلت القوات المصرية بحوالي 20 كلم شرق قناة السويس وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق الجولان.

نتائج حرب 1973

وإن كانت الخسائر تبدو ثقيلة في هذه الحرب للجانبين، العربي والإسرائيلي، فإنّ من نتائج هذه الحرب تمثل في استرداد مصر السيادة الكاملة على قناة السويس وعودة الملاحة فيها، وكذلك استرداد جميع أراضيها في شبه جزيرة سيناء. كما استردت سوريا جزءا من مرتفعات الجولان بما فيها مدينة القنيطرة. وأهم إنجاز في نظرنا، هو إنهاء الغرور الإسرائيلي السياسي بأنّها قادرة على استمرار الاحتلال وتجاهل حقول ومطالب الدول العربية. هذا فضلا عن إدراك الحليفة الأولى لإسرائيل وهي الولايات المتحدة الأمريكية، بأن استمرار النزاع العربي – الإسرائيلي سيكون له تداعيات مباشرة على الساحة الدولية. ومن هنا فرضت هذه الحرب خيار المفاوضات كسبيل لحل كل المشاكل العالقة. وكان من نتائجها اتفاقية ” كامب ديفيد ” المبرمة بين مصر وإسرائيل سنة 1978 بعد مبادرة محمد أنور السادات بزيارة القدس سنة 1977. حيث اتضح وأنّها لصالح إسرائيل، باعتبار تحييد أكبر قوّة عربية عن هذا الصراع العربي – الإسرائيلي بالمقارنة مع يحدث اليوم في إطار ما يعرف بحرب ” طوفان الأقصى ” حيث نرى مصر عاجزة حتى على التدخل لفك شفرة المرور من ممر رفح.

إسرائيل الثالثة

إسرائيل الثالثة أو اسرائيل ما بعد حرب ” طوفان الأقصى ” هي خلطة، أوّلا، بين ما يعرف في الأوساط اليهودية، من عقدة العقد الثامن ( مرور حوالي 80 سنة على تأسيسها ). حيث يتشاءم الإسرائيليون من حلول 80 سنة على إنشاء ” دولتهم “. وبقطع النّظر عن جدارة هذا الاعتقاد من الناحية العلمية، فإنّ قطاع هام من الإسرائيليين يعتقدون في ذلك. وثانيا، فيما يتعلق بإيمان الفلسطينيين، خاصة حماس و الجهاد، بالتأويلات الدينية عن نهاية فلسطين و ذلك حسب ما يسمى بالإعجاز العددي ” للقرآن الكريم وذلك وفق ما يطلق عليه ” حساب الجمّل ” ما يفيد بأن نهاية إسرائيل يبدأ في سنة 2023، و ذلك حسب ما ورد من آيات من سورة ” الإسراء “.

الميدان هو الفيصل

وبقطع النّظر عن المعتقدين، فإنّنا نرى جازمين، بأنّ الميدان هو الفيصل لهذه الحرب المدّمرة، التّي التهمت حوالي 26 ألفا من الشهداء وما يزيد عن 65 ألفا من الجرحى الفلسطينيين، فضلا عن هدم كل ما له صلة بالحياة عموما بقطاع غزّة، من مباني ومدارس ومستشفيات وكنائس ومؤسسات وبنى تحتية. وبدون أن نتحدث عن حرمان المواطن الفلسطيني من الغذاء والدواء والمأوى والتعلّم والشعور بالطمأنينة والراحة أمام ما يهدده من قصف وموت في كل ركن من أركان فلسطين. إضافة عن خسائر الكيان الكبيرة جرّاء هذا التعنت الصهيوني والاستعلاء غير المبرّر بمواصلة حرب جائرة عن الشعب الفلسطيني.
قلنا، أنّ ما سيسفر عنه الميدان هو سيفصل هذه الحرب، ويبدو وأنّ الكفّة تميل لصالح الفلسطينيين بالرغم من عدم تكافئ الجهتين، على أكثر من مستوى، باستثناء العقيدة والإيمان بعدالة قضيتهم والرجولة وشجاعة الفلسطينيين وقدرتهم على تحمّل ما لا تتحمل الجبال. و يكفي أن نشاهد، ما ينشر يوميا تقريبا، من وقائع على الأرض، وما يتكبّده العدو الصهيوني، و يوميا، من المزيد من القتل و التدمير في العتاد فضلا عن الخسائر الاقتصادية و المالية و التحركات المجتمعية، إضافة إلى وجود رهائن اسرائيليين لدى الفلسطينيين كورقة ضغط لها أهمية قصوى.
ومن هذا المنطلق نعتقد جازمين، ومهما كان الاستعلاء الصهيوني و تغطرسه و تمترسه وراء آلياته و طائراته و مزنجراته، سيخر في النهاية ساجدا أمام صلابة المقاومة، ليقبل بمفاوضات تكون فيها الكلمة العليا للمقاومة الفلسطينية. خاصّة أمام تململ الشارع الفلسطيني والتناقضات بين الشق العسكري والشق السياسي فضلا عن الضغط الدولي الشعبي و الرسمي على الجانب الصهيوني. و بالتالي سيدفع هذا الكيان السرطاني، فاتورة غالية الثمن لهذه الحرب، و التي يرى فيها الكثير من المحللين بأنّها حرب ” بنيامين نتنياهو” و ليست حرب اسرائيل. وهذا ما ستدفعه الحكومة الإسرائيلية، بالتالي، من سقوط مدوي خلال الأيام القادمة القليلة و تفرض انتخابات جديدة، قد تذهب بكل أعضاء هذه الحكومة المتطرفة.

كلمة الختام

نحن على يقين وأنّ المرحلة القادمة، بعد انتهاء الحرب، ستكون حبلى بالأحداث وستعرف القضية الفلسطينية مسارات جيدة، لو يعرف الفلسطينيون كيف يستثمرون هذه الحرب لصالحهم، وذلك أوّلا عبر المصالحة الوطنية بين كل الفرقاء الفلسطينيين. وثانيا عبر ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني عبر اتفاق وطني على إدارة مرحلة ما بعد الحرب، بغرض انهاء الانقسام والتهيئة لانتخابات شاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى