الأمين الشابي يكتب: سرقة بـ ‘موافقة ضمنية’ من الضحية وصمت من الجهات المعنية…

كتب: الأمين الشابي
بداية، لن أتناول في هذه الورقة السرقات السياسية بمختلف أشكالها وأنواعها بداية من سرقة إرادة الشعب مرورا بسرقة المال العام ووصولا بخيانة أمانة الحكم بالعدل والمساواة وتقاسم الأعباء كما تقاسم الخيرات، فذلك يتطلب صفحات وصفحات وقد لا تكفي للوقوف على هذا النّوع من السرقات.
وعليه سنتناول، عبر هذه الأسطر، نوعا من السرقات التي تحدث لكلّ منّا ويوميا. بل أهمّ ما يميّزها أنّها غالبا ما تحدث بموافقة ضمنية من الضحية ويتم سرقتها وهي تنظر بأم عينيها لمثل هذا التفنن في عالم السرقة، وما هو بالسرقة في نظر هذا السارق المحتال.
بائع الخبز يسرق رغيفنا ومالنا
بائع الخبز، هذا الذي يتعامل معه ويوميا ملايين المواطنين، باعتبار وأنّ الخبز مادة أساسية في مائدة المواطن، لا يتورع بأن يقضم منك 10 مليمات عن كلّ ” باقات ” تقتنيها. وبلغة الأسعار هو يبيعك ” الباقات ” بسعر 200 م والحال هي بـ 190 م فقط. بل يصل الأمر ببعض المخابز حين تقدم له مثلا 950 م لشراء 5 “باقات” لا يتورع من أن يقول لك ناقص 50 م؟ والسؤال كم يجني هذا الخبّاز من أرباح “حرام” بمثل تلك السرقة التي تتم بموافقة ضمنية من الضحية، لأنّ هذا الأخير “يترفع” من أن يطالب بحقّه؟
هذا فضلا عن الأسلوب الآخر ليبيعك نوعية من الخبز الأغلى ثمنا باعتبار نفاد النوع العادي من الخبز؟ وحتى ترجع بالفائدة هذه الزيادة الضمنية للخبز لفائدة المجموعة الوطنية، نقترح أن يتم تقنينها ولكن بشرط أن تذهب الـ 10 م إلى صندوق خاص مثلا لتهيئة المدارس والمعاهد التي تتطلب العديد من الصيانة أو غيرها من الأعمال لفائدة الصالح العام؟
المقاهي والمطاعم والتجار تسرق رصيفنا وشوارعنا
“احتلال” الرصيف بل ووصل الأمر – بعد غض النظر عن مثل هذا الفعل – إلى قضم البعض من الشوارع من قبل المقاهي والباعة والمطاعم والتجار عموما، تلك حكاية يبدو أنّها ما فتئت تتفاقم رغم بعض المطاردات والمراقبة من قبل الجهات المسؤولة؟ ولكن تبقى هذه الظاهرة مستفحلة وظاهرة للعيان.
وهذا الأمر أحال المترجل إلى ما تبقى من الشارع بعد أن احتلت كراسي المقاهي والمطاعم وسلع التجار لا الرصيف فقط بل والبعض من الشارع؟ فهل من تحرّك جدّي من قبل الجهات المعنية، وبدون محاباة، من أجل تحرير الرصيف والبعض من الشارع من هؤلاء المحتلين؟
والغريب في الأمر أنّه إذا طلبت من “محتل” الرصيف علّل هذا التصرف بكونه يدفع مقابل ذلك إلى البلدية؟ فهل من توضيح حول هذه الوضعية؟ وبالتالي هل تنمية موارد البلدية هي أولوية أمام راحة المواطنين؟ نحن نسأل وننتظر الجواب؟
و للتسول نصيب في سرقتنا..
ظاهرة تسوّل القصر ما فتئت تنشر في رحاب بلادنا، وأنت بالمقهى أو بالشارع أو بالمحطة أو بالسيارة، يقصدك طفل أو بنت لم يتجاوز سنها الـ 6 سنوات وهي تتسول في الليل كما في النهار؟ أيضا طرق التحيل في التسول أصبحت مدروسة من أجل التأثير على المتبرع وتأخذ العديد من الطرق والأشكال والفنيات؟
هذا يتظاهر بإعاقة جسدية وما هو بمعاق في الأصل؟ وآخر يقدم لك أوراق طبيّة لشراء دواء ضروري وعاجل لوالدته المريضة؟ وثالث يدعي أنّه غادر السجن من لحظات وليس له ثمن السفر إلى موطنه الأصلي؟ ورابع يدّعي أنّه جائع ولم يأكل منذ مدّة، وحين يرق قلبك وتحاول أن تشتري له شيئا لسدّ رمق جوعه، لا يقبل بل يطلب منك المال ليتولى ذلك بنفسه؟ وغير من أساليب الابتزاز والضحك على الذقون؟ فقط ما يحيّر هو ذلك الطفل أو البنت التي في ساعات متأخرة من الليل وهي من مقهى إلى مقهى وهي تطلب المساعدة، فهل هي فعلا وحيدة أم من “يستعملها” هو قريب منها ويراقبها أو يراقبه؟
مظاهر أخرى من الابتزاز والسرقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي
مجال التواصل الاجتماعي، لا يخلو هو أيضا، من مثل هذا التحيل والسرقة “بضخامة” وضحاياه كثيرة. وأكيد أن البعض من أصحاب النفوس الطيبة تنطلي عليهم بعض الحيل والخزعبلات التي ما انفك يبتدعها هؤلاء المتحيلين “القافزين” فلا تنزعج أن وصلتك رسالة قصيرة من صديق حميم أم زميل أو أحد أفراد العائلة ويطلب منك وبكل الحاح أن ترسل مبلغا ماليا إلى “المحامي” فلان حتى يتمّ سراحه باعتباره موقوفا في أحد مراكز الشرطة ويضيف وأنّ الأمر لا يتطلب إضاعة المزيد من الوقت، فلا بدّ فعل ذلك وسيتصل بك هذا ” المحامي” بعد حين؟
وغيرها من طرق التحيل خاصّة ممن ينتحل صفة فتاة ويطلب منك مدّه ” بعديد من بطاقات الشحن ” ويعدك بإرجاعها إليك لاحقا؟ والبعض الآخر، من هؤلاء المتحيلين، يفتح مجالا أرحب ممن يبحث عن بعض العلاقات المشبوهة… وبقية طرق التحيل لا تحصى ولا تعدّ؟ فهل من مراقبة لهؤلاء المبتزين و ” السراق ” الجدد؟
وختـــــــــاما
كلّ هذه المظاهر والأساليب المبتدعة في التحيل والسرقة والجري وراء الربح دون بذل أي جهد واحتلال الرصيف والشوارع، لا تقتصر على مكان دون آخر من بلادنا، فضحاياها في كل ولاية من ولايات الجمهورية. وعليه لابدّ من تشديد المراقبة من قبل الجهات المعنية ـ كلّ فيما يخصه.
لأنّ استفحال هذه الظاهرة، بمختلف أنواع التفنن فيها – إن لم يتم التصدي إليها – فإنّها ستشجع هؤلاء على التمادي فيها وابتداع أكثر من أسلوب لسرقة المواطن وطرده من الرصيف و الشارع و بالتالي اختلاط الحابل بالنابل و انتشار الفوضى..