صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: حين تكذب الرّبيبة إسرائيل أسوة بزوج أمّها…

chebbi
كتب: الأمين الشابي

أرقام الضحايا و الشهداء التّي لا تعرف جمودا، وأرقام الجرحى، التي تجاوزت المعقول، وقمّة الخراب الذي طال الشجر و البشر و السكن و المستشفيات و المدارس و المساجد و الكنائس و الطرقات و العربات و الحيوانات و الطيور، تشهد بما لا يدع للشك، و أنّ هذا الكيان الإسرائيلي هو كيان حاقد على الحياة و حاقد على الإنسانية و حاقد على كلّ أمل يراود البشر في العيش بسلم و سلام….

ولكن ما يلفت الانتباه في هذه الحكومة الصهيونية كونها تكذب بامتياز بل وتمعن في الكذب إلى درجة تصديق نفسها بأنّها لا تكذب.

مسيلمة الكذاب القرن 21

وضع هذا الكيان الغاصب و حكومته – في مجال الكذب و الافتراء – يذكرني بمسيلمة الكذّاب الذي ادّعى يوما النبوة، بل و لتأكيده ذلك ذكر التاريخ و أنّه بعث رسالة إلى الرسول محمد – صل الله عليه و سلّم – يقول له فيها ” من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: ألا إنى أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشا قومُ يظلمون”.
و لكن، ما لا أفهمه و لا أستسيغه، هي الكذبة الكبرى التي بنا عليها هذا الكيان المجرم ليصب جام غضبه و حقده الدفين على الفلسطينيين و كل رعوده و حممه بلا إنسانية و لا شفقة و لا رحمة و لا احترام للمواثيق الدولية بهدف أوّلا تأليب الرّأي العام لنصرته وثانيا لتحقيق هدف تحقيق إسرائيل الكبرى و بالتالي إطالة كل عقبة أمام هذا الحلم الاسرائيلي. و قد تعمّد حبك الكذب لإنزال الموت وبكل قساوة على الرضع و الأطفال و النساء و الشيوخ بكلّ عنجهية و حقد دفين على أبناء غزة و أبناء فلسطين عموما.

وما بالعهد من قدم..

في مجال الكذب السياسي، ادّعى الكيان الصهيوني يوم 7 أكتوبر بل و سوّق للعالم و أنّ مقاومي غزة ( و هم إرهابيون في نظره ) ” ذبحوا الأطفال و مزّقوا بطون النساء الحوامل و أحرقوا بعض المواطنين و هم أحياء و اغتصبوا و أذّلوا وأسروا بعض رهائن ” حتّى يطلب النّصرة ممن هم ” أعداء الإرهاب ” و هم في الحقيقة مختصون في الإرهاب حتى النخاع. و التاريخ الحديث شاهد على ذلك و لا يستحق التدليل عليه. و الأهم من ذلك كلّه و أن حقيقة هؤلاء بتبني الكذب البحث عن الذريعة ” المقنعة ” و بالتالي اقتصاص الفرصة للقضاء على المقاومة بقطاع غزة و التي مرغت الكبرياء الصهيوني في التراب بل في الوحل.
وفي هذا المحال، فإنّ الكذب السياسي هو اخطر أنواع الكذب لأنه يعمد إلى تضليل الأمة بأكملها ولا يقتصر على أفراد أو جماعات معينة فكيده عظيم، والأخطر من ذلك أن يستمر الكذاب في كذبه ويجد تبريرا له، “جوزيف غوبلز” وزير الدعاية النازي السابق له مقولة شهيرة في هذا المقام مفادها ” اكذب، اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك.” وهذا استدلال على الحيز الكبير الذي يعطى للكذب في حياة السياسي. و هذا ما دأبت عليه بعض الدول و لنا شواهد عبر التاريخ الحديث في هذا المجال.

كذبة الدمار الشامل للعراق

كلّنا يتذكّر اجتياح دولة العراق من قبل التحالف الإرهابي بقيادة الولايات المتحدة – سنة 2003 – على أساس كذبة ابتدعتها أمريكا و مفادها و أن النظام العراقي يمتلك ” ترسانة من الدمار الشامل ” و بالرغم من فتح النظام العراقي لأبوابه للمفتشين الدوليين و لم يتّم اثبات ذلك، فإنّ أمريكا و حلفائها أصرّوا على تدمير العراق، نظاما و تاريخا و حضارة و مقدرات و تمّ التنكيل بالشعب العراقي و بنظامه تنكيلا لم يشهده التاريخ سابقا. وصلت بهم الدناءة و الانحطاط الأخلاقي و القيمي و اللا إنسانية إلى حدّ اعدام الشهيد صدام حسين في يوم عيد اضحى، و كأنّ حال هؤلاء الارهابين الجدد يقول و يبعث لنا رسالة مفادها، هذا قائدكم و قدوتكم ها نحن نذبحه كالشاة في يوم عيد ديني.
وكأنّ ذلك أيضا رسالة لبقية الأنظمة العربية تقول سيكون مصيركم نفسه إن دافعتم على أوطانكم أو شعوبكم أو مصالحكم. و بالتالي اختيار الكذب كوسيلة لتحقيق غايات وأهداف خفيّة هي ديدان هذا الغرب، و لكن الأخطر تصديقها من قبل من لفّ لفهم من الدول الغربية التي تصدق كلّ ما تروجه ماما أمريكا.

موت القذافي حادثة يلفها الكذب

واقعة أخرى، تدّل على أنّ الإرهاب الدولي – الذي تمارسه بعض الدول، و هي التي تدّعي بأنّها دول تعتنق الحرية و التحضر و العدل و غيرها من الشعارات الكاذبة، مازال هو سيّد الموقف و تمارسه كلّما سنحت الفرصة و على أساس كذبة أو مصالح تحققها. فموت العقيد القذافي، يبقى موتا يحمل بيت طياته الكثير من الخفايا و الألغاز رغم التسويق بأن ” الثورجيين ” هم من قتلوه؟ و هنا نسأل إن كان ذلك صحيحا، فماذا نفسّر تواجد طائرات الناتو زمن محاولة هروب القذافي و من معه، و مطاردته لموكب العقيد القذافي؟ هل ذلك لحمايته من جحافل الثورجيين أم لغرض في نفس يعقوب؟ ثانيا و ما تفسير ما تتناول بعض المصادر بأنّ سركوزي وراء تصفيته باعتبار ما يتم تناوله بأن القذافي هو من موّل حملته الانتخابية آنذاك؟ هذا فضلا عن أنباء أخرى تثبت مصلحة رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق في تصفية العقيد القذافي باعتبار ما رشح بأن هذا الأخير حصل على بعض الأرصدة المالية الكبيرة من القذافي؟
و أخيرا، و ليس آخرا، أ لم تكن ماما أمريكا هي أيضا من سعت إلى تصفيته مستغلة الوضع المهزوز وقتها في ليبيا باعتبار و أن الزعيم معمر القذافي كان ينوي اصدار عملة جديدة قد تطيح بالدولار الأمريكي؟ و الأهم هو تلاقي مصالح هذه الدول في تغييب هذا الزعيم العربي، يبقى اللغز المحيّر عن الجهة التي صفته و غيبته و تسريب الكذب هنا و هناك لطمس دورهم في ذلك؟

غزّة و كذب الصهاينة

أسوة بزوج أمّها ماما أمريكا ، دأبت الربية إسرائيل أيضا على الاعتماد على الكذب لتصفية أعدائها. و ما تمّ تسويقه منذ اليوم الأول لاجتياح المقاومة يوم 7 أكتوبر 2023، للأراضي الفلسطينية المختلفة، بكون ما حدث هو عملية إرهابية بامتياز و كل عناصر المقاومة هم ارهابيون، لا يخرج عن دائرة الكذب التي تسلكها الولايات المتحدة عبر تاريخها الدموي. فالكيان و في اطاره حربه على غزة، له أهداف ظاهرة و أهداف خفيّة. فالأهداف الظاهرة هي استغلال الفرصة – التي قد لا تتاح مرّة أخرى – لتصفية خصم أرّق هذا الكيان الصهيوني و كشف للعالم مدى هشاشة هذا الكيان لو لا الاستنجاد بالولايات المتحدة. أمّا الهدف الخفي، هو إزالة غزةّ كموقع جغرافي يحول دون ربط إسرائيل بحريا بجهات أخرى و بالتالي تحقيق أكبر المشاريع الاقتصادية في المنطقة باعتبار و أنّ وجود غزة تحت السيطرة الفلسطينية هو بمثابة العقبة الكأداء لتحقيق ذلك. و بالتالي وجد الكيان الصهيوني الفرصة مواتية، و تحيّنت اجتياح المقاومة و الدخول ” للأراضي الإسرائيلية ” لتحقيق هذا الهدف الخفي و إن كان على حساب هذا العدد الكبير من الشهداء و الجرحى و الدماء و الخراب الذي تشهده الجهة. و هذا ما يفسّر تمسك الكيان بمواصلة ” تطهير ” قطاع غزة من كل تواجد فلسطيني و لو أدّى ذلك بالتضحية بجميع المحتجزين لدى المقاومة بغزة. بل و هذا ما يؤكدّه أيضا الدفع الأمريكي بعدم حرصها على إيقاف هذه الحرب الهمجية للكيان الصهيوني على غزة و الشعب الفلسطيني عموما. لأنّ مصالح الكيان و من ورائها أمريكا التقت في إزالة غزة و قد تجعل منها لاحقا قناة بحرية تربها بعديد الأقطار الأخرى؟

كلمة الختام

بقطع النّظر عن العجز العربي و حتى الإسلامي لمجابهة هذا الكيان رغم ما يملكه من عناصر ( النفط و العتاد و الجيوش مجمعة ) التي قد تربك الصهاينة و من وقف إلى جانبها من الدول الغربية و على رأسها أمريكا، فإنّ الإرادة لتحقيق ذلك هي الغائبة و بامتياز في عالمنا العربي و الاسلامي، لا ضعفا في العرب بل لأنّ المقاومة الفلسطينية في عمومها هي أذرع تابعة إلى جهات غير عربية و نقصد هنا ايران. و لكن هذا لا يبرر أيضا هذا التخاذل العربي و الإسلامي لنصرة المواطن الفلسطيني الذي أصبح بين كماشة الصلف الصهيوني و آلته الحربية وبين الصمت العربي المخزي.
وهذا لا يبشر بأي خير في المستقبل ؟ لنقول أخيرا، انتهت حلول الأرض و لم يبق إلاّ حلول السماء و بسالة المقاومة و شجاعتها و التي آمنت بعدالة القضية الفلسطينية ، رغم عدم توازن القوى، في مقارعة العدو الصهيوني التي أطاحت بقناعه بكونه الجيش الذي لا يقهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى