الأمين الشابي يكتب: ترامب ولعبة القط والفأر أو أسلوب الصدمة.. فـ المساومة ‘أخطاني يا قط وخليني نتخبط’

كتب: الأمين الشابي
هوس ترامب خاصة كلامه حول “تهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة، يذكرني بالمثل العامي الذي يقول ‘أخطاني يا قط وخليني نتخبط’، باعتبار وأنّ قلب “ترامب” رقّ لوضع الفلسطينيين بعد كلّ ذلك الدمار الذي حلّ بهم، حيث هو لا يرى حاليا وأنّ هذا المكان أصبح يليق أن يعيش فيه الفلسطينيون، وهو فاقد لكل مقوّمات الحياة.
كلام جميل في ظاهره وخبيث في باطنه. فأيّ عاقل لا يمكن أن يتقبّل بأريحية “حنّية” “ترامب” المفاجئة على الفلسطينيين وبلاده هي التّي وفرّت للكيان كلّ وسائل الدمار والقتل للصهاينة ليفتحوا أبواب جهنّهم على الفلسطينيين؟ وبالتّالي علينا قراءة ما بين السطور لمثل هذه التصريحات المفخخة وما تبطنه من مشاريع لهذه المنطقة ولكل فلسطين؟
وفي خضم هذا الذي يحدث، أكثر من تساؤل يفرض نفسه ولعلّ أهمّها، ما مدى قرارات “ترامب” واقعيا؟ هل فعلا رقّ قلب “ترامب” “لأحبائه” الفلسطينيين؟ هل ينفع أسلوب الصدمة، فالمساومة مع الدول العربية وما دور الدول العربية في كلّ هذا الذي يحدث في عقر دارهم؟
مدى واقعية قرارات “ترامب”
في هذه النقطة بالذات لا أريد الإطالة، باعتبار وأنّ كل قرارات “ترامب” أراها ستجر على الولايات المتحدة في عهده الويلات والمشاكل وربما الحروب. فهو يتجرأ في الاعتداء على حق ” بنما” كدولة لها سيادة وكذلك غيرها من الدول، مستعملا في ذلك أسلوب البلطجة ورعاة البقر بل وكأنّه يحيي الفكر الاستعماري من جديد مستعملا قوّة الحديد والبطش والصعلكة. وهذا يتناقض مع ما تعيه أمريكا من كونها بلاد الحرية والقيم والمبادئ، ولكن المعضلة الكبرى هي تفكيره في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة باعتبار وأنّ بقية الدول لا ترزح كدولة فلسطين تحت الاستعمار الصهيوني؟
هل رقّ قلب “ترامب” “لأحبائه” الفلسطينيين؟
بعد 100 ألف طن من القنابل ألقاها الاستعمار الصهيوني على غزة على مدى 470 يوما سقط خلالها 61 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح فضلا عن الخراب الذي حلّ بغزة وعلى كلّ الصعد من مدارس وكليات ومستشفيات ومساكن ومقرات رسمية ومعدات بمختلف أصنافها، ها هو قلب “ترامب” يرّق لحال الفلسطينيين ويقدم لهم هدّية ولكنّها مسمومة، وهذا أقل وصف لهذه الهدية. وبالتالي فهو ظاهريا يتطلع إلى نشر السلام في الشرق الأوسط كما يدّعي ويقول ” شعب غزة يستحق أرضا جميلة وسوف تنفق الأموال لإعادة بنائها لتكون المكان الذي يستمتعون فيه، لا أعرف كيف لهم أن يبقوا في هذا المكان المدمر، ولذلك يوجد الكثير لبناء منازل جميلة لهم بدل العودة إلى قطاع غزة ويمكن أن يكون ذلك في الأردن أو مصر أو في بلدان أخرى وسكان غزة يقيمون فيها لأنّهم لم يجدوا بديلا عنها”
بحسب كلّ هذا الوضوح في الطرح، إن كان غباء منه أو جرأة أو بلطجية و’تبوريب’، فهو كان واضحا في موقفه على أنه يزعم طرد أهل غزة من بلادهم ليتم توطينهم خارجها؟ ومن هنا نفهم ما معنى الهدية المسمومة وما ينوي فعله بكلّ وضوح وبدون تخفي، ما عدا محاولة تزيين البديل لغزة الخراب وغزة التي لم تعد فيها الحياة ممكنة؟ مثل هذا الموقف، كان سيجد كل الترحيب لو أضاف أنّنا سنعمل على المساهمة في إعادة اعمار غزة بسواعد أبنائها الفلسطينيين ولكن بتمويل إسرائيلي وأمريكي باعتبارهما مصدر كل هذا الخراب الذي حل بغزة ولكن بدون ترحيل الغزاويين باعتبار وأنّ مثل هذا الأمر ممكن؟ أمّا أن تقتلع أبناء غزة من أصلهم وفصلهم و أرضهم وهويتهم وتلعب معهم لعبة القط والفأر، عندها سيقول ل أهل غزة، مقاومة وشعبا ونساء ورجالا، صغارا وكبارا “أخطاني يا قط وخليني نتخبط”…
فتهجير الفلسطينيين، لم يقبله عاقل ولا تنطلي حيلك المقرفة والبليدة، يا سيد “ترامب” حتّى على شبل من أشبال فلسطين، فما بالك، الكبار منهم الذين صمدوا وتحمّلوا ما لا تحتمله الجبال، دفاعا عن أرضهم، وهم بالمناسبة من أذاقوا الجيش الصهيوني الويلات دفاعا عن وطنهم وأرضهم وقضيتهم. يا سيد “ترامب” أنت هنا كمن يغرف الماء بغربال؟ أمّا وإن كنت تجرّب أسلوب الصدمة ثمّ المساومة، فتلك مسألة أخرى؟
أسلوب الصدمة هل هو نافع مع الدول العربية؟
حسب ما يتصف به هذا الرجل من صفاقة، يمكن أن يكون “ترامب” يعتمد على أسلوب “الصدمة فالمساومة” كما جاء في كتابه (the art of the deal) أو (فن الصفقة)، وهو أن يقدم عرض مبدئي مفاجئ ومبالغ فيه ويثير الصدمة في الطرف الآخر ( تهجير الفلسطينيين)، ثمّ بعد هذه الصدمة يأتي دور المساومة و تعديل الشروط ممّا يجعل الطرف الآخر يشعر براحة عن قبول عملية المقايضة. وهذه الاستراتيجية/تعتمد على خلق حالة من الضغط ثمّ الانتقال إلى مرحلة التوازن. و هذا فعلا ما يقوم به “ترامب” في قضية تهجير الفلسطينيين من غزّة على أساس مقايضة الدول العربية بين الإذعان لقبول “اتفاق إبراهيم” (Abraham accord ) وهو اتفاق يدعو إلى تطبيع كل الدول العربية مع الكيان الصهيوني؟ و من هنا يبدو و أن “ترامب” يلعب مع الدول العربية هذه اللعبة : إمّا قبول التطبيع أو يتم تهجير الفلسطينيين من غزّة؟ وهنا ننتظر ردّ فعل الدول العربية والتي بدأت برفض فكرة التهجير خاصة مصر والأردن والسعودية. ولعله، على أساس هذا الرفض سيتم اقتراح – حتى لا نقول فرض – التطبيع مع الكيان الصهيوني بدءا من دول الخليج؟ وهكذا سيبدو هذا الموقف من الدول العربية أي “قبول التطبيع” هو بمثابة موقف ثابت من القضية الفلسطينية؟ وبالتالي هذا الأسلوب الأمريكي في التعاطي مع نظرتهم ” للغباء العربي” في صورة سقوطهم في الفخ؟ فهل سيكون للدول العربية موقف آخر بالاعتماد على وسائل أخرى للتصدي لهذا الأفعوان الصهيو / الأمريكي؟
كلمة الختام
في هذا الإطار وباختصار شديد نقول، إمّا أنّ ترامب وصل إلى سنّ الخرف وأصبحت تتهيأ له أشياء غير واقعية وصعبة التحقيق على أرض الواقع، وهنا ندعو له بالشفاء العاجل؟ أو أنّه فعلا مغامر وقد يعمل على تنفيذ ما يحلم به بأعين مفتوحة خاصة أمام تخاذل جلّ الأنظمة العربية والإسلامية تجاه قضيتهم الأولى التي يدّعونها في المنابر؟ أو أنه سيجر الولايات المتحدة إلى خيبات وتقهقر لم تشهده في حياتها وإرجاعها إلى أصلها وفصلها وهو” رعاة البقر”