الأستاذ الطاهر بوسمة يكتب: ‘لعنة الصحافة في تونس’..كتاب جديد يلخص حياة صالح الحاجّة…


كتب: الأستاذ الطاهر بوسمة
في كتاب لم يتجاوز المائة صفحة لخص فيه كاتبه مسيرة نصف قرن من حياته قضاها كلها في رحاب صاحبة الجلالة الصحافة وما جرى له فيها وما وقع، إنه الاستاذ الكبير والمعلم صالح الحاجّة الغني عن التعريف الذي عنه أتحدث…
لعنة الصحافة
لقد اختار لكتابه الجديد عنوانا استفزازيا موفقا ـ لعنة الصحافة ـ اذ تغلبت عليه فيها المآسي التي يمرّ بها الصحافيون عندنا، فأغلبهم انتهت حياتهم مفقًرين نادبين حظهم الذي دفعهم لتلك المهنة التي لم نكن نعرفها نحن العرب…
لقد تعوّد منا الاوائل على المعلقات السبع التي كانت تُلصق بجدران الكعبة في المواسم وبعدها ما ترك لنا الشعراء مثل المتنبي وما نقله الرواة من قصص وما تركه القدماء من أساطير كانت تُحكى وتُروى لنا في الكتب والمجالس، مثل ألف ليلة وليلة وما كان يجري بالسند والهند من مغامرات شيقة…
لقد خلدت لنا الكتب السماوية قصص من كانوا قبلنا وخاصة ما جاء في القرآن المجيد الذي أثبت باليقين ما جرى لأنبياء الله ورسله، عن آدم وحواء، وقصة ابليس الذي غوى، وعن سليمان وملكة سبأ، وياجوج وماجوج، وقصة أهل الكهف وذو القرنين والطوفان الذي جرى في زمن نوح، ويوسف الذي همت به وهم بها لولا برهان ربيً، وقصة فرعون وموسى الذي نجاه الله وأغرق فرعون باليُم ليبقى عبرة لمن يعتبر.
لا نقرأ!
اننا نحن العرب قوم لا نقرأ بالرغم من أن أول سورة نزلت على نبينا محمد تأمره بأن يقرأ، لقد انفرد الغرب بتلك المهنة وطوّرها وبات يتحكم في العالم كله بواسطتها لقرون وعقود ومازال يفعل ما يريد بنا…
لذلك اختار صديقنا ـ لعنة الصحافة ـ عنوانا لكتابه الذي لم يترك فيه حسنة أو مذمة إلا واثبتها بالحجة والدليل القاطع، لكنه لم ولن يقدر من التخلص من الطرافة والمحبة التي لم يكن يتحكم بسببها في مشاعره، لأنه يعترف بانه لُف في ورق من أوراقها لما ولد، ولم يكن يصبر بعدها عليها ابدا طيلة مسيرته الطويلة التي قاربت ستة عقود من هذا الزمن الاغبر…
تمنى لنفسه شغلا آخر لو تيسر، لكنه في الواقع لم يكن صادقا في المطلق، لانه كان ميسرا لما خلق له، ولو عادت به الأيام سيعود بالتأكيد لتلك المهنة لانه متبوعا لها وليس بتابع لاحد.
وفي المحصلة التي خرجت بها من قراءتي لذلك الكتاب الشيّق هي براعة كاتبه الذي طوّع اللهجة التونسية فبات صاحب أسلوب اتبع وبه اشتهر.
في ذلك الكتيّب كاد يلخص قصة حياته الزاخرة بالنجاحات والإخفاقات النسبية التي لا يخلو منها عمل ما…
لقد حلق بنا شرقا وغربا وحتى في بلاد السند والهند وما وراء البحرين ليعود بنا دائما الى تونس، والجهاد الذي خاضه في عالم متغير كان يوجب على الصحفي في أغلب الأحيان السير بين المسامير سكوتا كي يتجنب المزالق التي لم تكن دائما بارزة وهو ما يتطلب اليقظة الدائمة والعيش في شك وحيرة كي يَسلَم.
عالم جديد
كانت ‘الصريح’ صرحا ورقيا ما كان له أن ينتهي لولا التطور التقني والعولمة التي ألزمتنا و أوجبت علينا اليقظة.
لقد تفطن صاحبنا لذلك في الوقت المناسب واستبق النتائج وساير الدنيا بما تيّسر، واتصور انه بذلك أحسن التدبير وحسبها وخرج منها بأقل التكاليف وساير العصر، لما حوّلها إلى صحيفة ديجيتال يومية مازالت تتصدر المواقع، وذلك بفضل جديّتها ومصداقيتها والحمد لله على ذلك…
إنه كتاب جدير بالقراءة ومن السهل الممتنع، قرأته في صبيحة يوم من أيام الله في نحو ثلاث ساعات، عرفت فيها ما قاساه صاحبه من صعوبات مادية ومعنوية وضغط لا يُحتمل، لأنه اختار الاستقلالية والصدق وتجنّب البطولات التي لا فائدة منها وقتها وحتى في يومنا هذا، فهنيئا له على ذلك متمنيا له الصحة والعافية وطول العمر والتألق دائما والجلوس في صدارة مجلسنا المتواضع والسلام…
تونس في 6 ماي 2023