الصريح الثقافي

‘أنثى السّراب’ وأم – نيّة’ يؤثثان سهرة الأحد بمهرجان ليالي المدينة ببنزرت

تتواصل فعاليات مهرجان ليالي المدينة ببنزرت مع مسرحيتين اثنتين، الأولى بعنوان ”  أنثى السّراب  ” وهي من نوع ” المونولوغ ” نص و تمثيل أمل العبيدي و من اخراج حسن الحشاني و تأطير جلال مصدق و بلمسات الفريق التقني، أيهم رزقي ( الصوت ) و صفية قرقاس ( لباس ) و أمل العبيدي ( موسيقى ).

قصّة أرملة

المسرحية  تروي قصّة أرملة استشهد زوجها أثناء الثورة  ـ و لم يمض على زواجهما إلاّ أسابيع ـ
 ولكنّها لم تصدق أنّ زوجها بين يدي الله و ظلت تتعامل و كأنّه موجود معها، فهي أحيانا تستعد للاحتفال بعيد ميلادها معه،  فتتولى إعداد كل ما يلزم لهذه المناسبة، و أحيانا أخرى تتذكر و أنّ زوجها قد استشهد لا ولن يعود إليها، و هي في أوج الشباب والعطاء، فتثور على كلّ من كان وراء موت زوجها،  لتعود و ترقص على أنغام ” المزود ” و كأنّها تتزوج من جديد و هي ترتدي فستانا أبيض و هي في انتظاره ليأخذها إلى  رحلة حبّ.

شهيد أم لعنة؟

لتثور مجددا بعد أن تستعيد صور مراسم دفنه وهو محمول على الأكتاف نحو مثواه الأخير. عندها  تمطر الحضور بوابل من الأسئلة منها كيف ستعيش بقية عمرها وحيدة؟ و هي التي لم تنجب من زوجها بعد؟  كيف ستعاني من الحرمان العاطفي بعده؟ لماذا اختاره الموت هو بالذات من دون غيره؟ و هو حديث الزواج؟ لتعود للواقع و تفتخر باستشهاد زوجها دفاعا عن الوطن و في المقابل تنعت خونة الوطن بأشنع النعوت. و في آخر المسرحية، رغم المعاناة التي تعيشها، تغطي ضريح زوجها بالعلم، و صدى النشيد الوطني – بصوت أنثوى – يهزّ أركان فضاء المسرح فتنحى على الضريح الملفوف بالعلم الوطني تقديرا للوطن و مهابة للموت.

ممثلة واعدة

وأمل العبيدي، بطلة ” أنثى السراب ”  حقيقة أبدعت في تقمص دور زوجة الشهيد إلى درجة يتهيأ للمتقبل و المتفرج عموما و أنّه أمام واقع لا عرض مسرحي من شدّة انصهارها واندماجها في الدور إلى حدّ و لم يعد المتفرج يفصل بين أمل الحقيقية و أمل زوجة الشهيد؟ بالرغم من أنّها ممثلة هاوية و لكنها، حسب ما صرّحت به، تعشق الفن الرابع كيف لا و هي، و منذ ثماني سنوات، لم تغب عن أي عمل مسرحي بالجهة و لم تفرط في أي تربص في مجال المسرح. أمل العبيدي هي ممثلة واعدة و تطمح إلى الشهرة و الانتشار و لم لا اشراكها في بعض الأعمال الدرامية التلفزية فهي ” قدّها و قدود “؟

أمّا المسرحية الثانية ‘ أم – نيّة – فهي من انتاج ” البولفار الثقافي ” و هو عمل جماعي  شارك في تجسيد الأدوار فيه كل من تسنيم قارة علي وياسمين بن حمودة و مهدي مرادسي و بشير الزعبي و آدم الرياحي و حسين الأديب و شهد الحشاني و ريهام الهمامي و عماد الدين قبلي.  وكل  هؤلاء هم من شريحة الشباب الواعد و المتيم بالمسرح  و المسرحية  من تأطير سيف الدين الأديب و اخراج أوس إبراهيم.

رغم التضحيات…

و إن كانت في الظاهر تدور أحداث المسرحية حول أمّ تعيش مع بناتها و أولادها – بعد أن فقدت زوجها و أصبحت هي العائل الوحيد لأولادها – و لكن   بالرغم من تضحياتها، فقد شبّ الأبناء في اتجاهات مختلفة. فكان منهم من تزمّت و ادّعي في الدين فلسفة و منهم من أصبح منحرفا و من البنات من تعلقّت بالرقص في ” الكافي شانطة ” والبعض الآخر يحمل إعاقة. و هذا الوضع أثقل كاهل الأمّ و جعل معاناتها تتفاقم خاصة مع تقدم أعمار الأبناء و ” النزوات ” التي تراود كلّ منهم. و لكن ومع العثور على وصية الفقيد زوجها، و ما تركه من ارث هام مالي و مادي، احتّد الصراع بين الأبناء ليصل إلى أوجه. و في المقابل تتفاقم معاناة الأم، فتكفر بالمادّة عموما لما جلبته من صراع، إلى حدّ تهديد الأبناء بعضهم البعض بالموت.

بعض الهنات في العمل…

 إلاّ أنّ الأهم في هذه المسرحية وأنّها تستمد جذورها من مدرسة ” بريشت ” المسرحية، و بالرغم من الخرافة لتلك العائلة التي تفتت و تمزقت بسبب التكالب على الإرث و أيضا بسبب غياب الأب و هو ما يعني أيضا غياب السلطة، ولكن بالاستناد للنص المرجعي ” الأم الشجاعة لـ ‘برتولد بريشت’ فأن السلطة أو الحاكم يتدخل لفسخ هوية هذه العائلة و اجباره أفرادها على القيام بالواجب الوطني و لكن بطريقة مزرية فيها من التعسف و الطمع الشيء الكثير.
أمّا فنّيا، فإنّ الإيقاع غير المضبوط و غير المحدد للمسرح الملحمي البرشتي، هو إيقاع غير متوازن من أجل كسر الايهام و تجنب التطهير الأرسطي في الأفعال و بالتالي جعل المتلقي أو المتفرج عموما غير قادر على مسك زمام المسرحية و هذا ما لمسناه أيضا من خلال تجريد الفضاء من كل مشهد واقعي و الاعتماد فقط على الرمزية كمنطلق و هذا النوع من المسرح يعتمد على خرافة لطرح المشكل و إيجاد الحلول له من خلال السرد و الصدمة.

مواكبة: الأمين الشابي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى