صالون الصريح

أحمد القديدي يكتب/ معاهدة النووي الإيراني: كشف الحساب بعد 8 سنوات 

كتب: د.أحمد القديدي

أصدق ما قيل من حقائق خلال السنوات الثمانية (من 15 جويلية 2015 إلى اليوم مارس 2023) هي تلك الحكمة الصادرة عن حضرة صاحب السمو أمير قطر حين قال من أعلى منبر الأمم المتحدة ثم أمام مجلس الشورى: “بأن قطر تعتبر إيران دولة جارة و شعبا لا تفصلنا عنه سوى مسافة بحرية قصيرة، وهذا قدرنا معا فرضته الجغرافيا وعززه التاريخ و مهما اختلفنا مع الجار لا بد أن نجد معا حلا لا يظلم أحدا و يندرج في مشروع السلام والأمن الدوليين مع تمسكنا الدائم بمبدأ خلو الإقليم من السلاح النووي »…

حلول سلمية

هذه الحكمة هي التي يجب أن تدل الجميع إلى حلول سلمية لما يسمى (الملف النووي الإيراني) لأن كثيرا من التعتيم و المغالطات و المصالح جعلت المشهد ضبابيا و قاتما وهو ما لا يخدم لا الحقيقة و لا السلام. اليوم نجد أنفسنا نعيش أحداثا إقليمية و دولية منذرة بالحروب الأكثر اتساعا انطلاقا من المواجهة العسكرية بين أوكرانيا (و وراءها النيتو) و روسيا (و وراءها دول جوارها المستقلة عن الإتحاد السوفييتي) كما نجد إيران بصفقات السلاح متهمة بالإنخراط في دعم هذا أو ذاك من المتحاربين (الطائرات المسيرة ..و غيرها) و نتذكر انه بعد عام من الاتفاق الشهير أي سنة 2016 تلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دفعة أولى من صواريخ (أس300) من موسكو في صفقة أسلحة روسية متطورة بعد عام من توقيع المعاهدة بين الدول الغربية زائد الصين وروسيا (وهو ما يجعل عبارة 4 زائد 2 أدق وأصح من 5 زائد 1!)…

الانقلاب الفاشل

ونذّكر القراء أنه على إثر الانقلاب الفاشل ضد الرئيس أردوغان و تنصل الرئيس السابق ترامب عن التزام الولايات المتحدة بالاتفاق ونشأة منهج المواجهة مع إيران عوض المعاهدة لدى حلف الناتو علينا اليوم تقييم النتائج و استخلاص الدروس: لأننا نحن العرب ومعنا العالم الإسلامي بأسره منخرطون شئنا أم أبينا في لعبة الأمم الكبرى ومعنيون بما وصلنا إليه بعد 8 أعوام من تلك المعاهدة…

ونذكر أنه يوم الـ14 من جويلية 2015 تم التوقيع على اتفاق متكامل نعته أغلب المراقبين والإعلاميين بأنه اتفاق تاريخي اعتمده مجلس الأمن بعد أسبوع من توقيعه بشكله النهائي فأعطاه الصبغة القانونية الدولية واستمعنا إلى توضيحات هامة قدمها السيد جون كيري أمام لجنة الكونجرس بقصد اجتناب تحرك الكتلة الجمهورية ضد الاتفاق وربما إبطال كل ما جرى والعودة إلى مربع الانطلاق ومما قاله الوزير الأميركي أنذاك:” أن إيران كانت على وشك امتلاك السلاح النووي في غفلة من المجتمع الدولي لولا هذا الاتفاق وقال أيضا إنه لا بديل عن الاتفاق سوى الحرب” …

رقابة دولية

وهذه المعاني كررها الرئيس أوباما كذلك أمام الكونغرس مؤكدا أن أبرز ما ينص عليه الاتفاق هو فرض الرقابة الدولية على المنشآت النووية الإيرانية بشكل دوري وناجع وفجئي وطمأنة دول الشرق الأوسط بأن هذه المنطقة الحساسة ستظل خالية من السلاح النووي (ما عدا السلاح النووي الإسرائيلي غير المعلن والمسكوت عنه في نوع من التواطؤ الدولي الذي يشبه النفاق مما يجعل تخوف نتنياهو من سلاح نووي إيراني أمرا في غاية الغرابة!)…

ونسجل بأن طهران رفعت عنها تدريجيا تلك العقوبات الموجعة  كما وعدت باستعادة ثقة العالم فيها بسن سياسات أكثر اعتدالا ستكون سياسات لا تنطلق من ردود فعل متسرعة ولا عشوائية ولا عدوانية، كما كان الحال في ولاية أحمدي نجاد الرئاسية وصدقنا أن هذا الاتفاق الذي كنا نعتقد أنه مؤسس على صدق النوايا سوف يطوي صفحة قديمة من العلاقات الدولية عموما ومن العلاقات بين إيران وجيرانها العرب لتحل محلها صفحة أنصع وأسلم توفر للمنطقة بأسرها مناخا جديدا من الأمن والسلام الدائمين ولم لا من التعاون الاقتصادي والتنسيق الأمني والتكامل الطاقي وتكون المرحلة القادمة على الأقل مرحلة استعادة الثقة المفقودة تمهيدا لشرق أوسط جديد لا بمعنى المحافظين الجدد….

ولكن بالمعنى الحقيقي الناتج عن إعادة النظر جذريا كل من موقعه في منظومة الصراع الطائفي وتغذية الإرهاب وتصدير الثورات وسن تكتيك الخداع واستعمال الأيدي القذرة هنا وهناك لتمرير مشاريع مشبوهة. لكن الواقع الذي اكتشفناه غير ذلك، والدليل أن مؤتمر الأمن الدولي المنعقد في ميونخ منذ أشهر حدد بوضوح:”أن الخطر الإيراني ما زال يستهدف شعوب المنطقة ومصالح الغرب”!.

تغيّرات دولية

ويجدر بنا أن نسوق بعض الملاحظات التي نستنتجها من هذه التغيرات الدولية: أولها أن العلاقات الدولية بأسرها شهدت إعادة رسم خريطة عالمية جديدة وذلك من خلال اندراج الصين وروسيا في عملية التفاوض وصياغة الاتفاق جنبا إلى جنب مع الدول الغربية الليبرالية الأربع الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وهو مؤشر شديد الأهمية يؤكد أن عصر الحرب الباردة بعد أن أعلن موته مع تحطيم جدار برلين في نوفمبر 1989 قد تم دفنه يوم الـ14 من يوليو 2015 في فيينا عاصمة النمسا.

فتح الباب

فالغرب المنتصر بالديمقراطية والليبرالية حسب نظرية المفكر الأمريكي (فرانسيس فوكوياما) فتح الباب لغريمين تقليديين روسيا والصين لكي تشاركا في كل تفاصيل الملف النووي الإيراني، وهو ما أعطى في الحقيقة بعض الضمانات السياسية والاستراتيجية للمفاوض الإيراني لأن المفاوض الإيراني عبر كل الأشواط الماراطونية للمفاوضات وجد نفسه إزاء أربع قوى غربية، ولكن أيضا إزاء قوتين عظميين حليفتين أو على أقل تقدير ليستا عدوتين لم تقبلا في السابق شروط واشنطن وحلفائها الأوروبيين في الملف النووي الإيراني إلى أن دخلت موسكو وبعدها بكين على الخط منذ سنتين عندما شعر الغربيون أن لا حل يرجى من مفاوضات طويلة بدون إشراك كل القوى العظمى التي تملك حق النقض في الأمم المتحدة، وبإمكانها تعطيل أي مسعى أميركي وغربي خاصة ومعضلة أوكرانيا عادت بحرب ضروس بل و تنذر بكل الأخطار!

نحو انفراج عالمي؟

وفي الواقع إذا كان هذا التواجد الروسي ـ الصيني مفيدا جدا لطهران فهو بلا شك أكثر فائدة لواشنطن وبرلين وباريس ولندن لأن الاتفاق القادم لو كتب له أن يتحقق سيكون قابلا للتنفيذ بضمان غربي وروسي وصيني ويضمن ذلك اعتماده من قبل مجلس الأمن، كما أن روسيا والصين فرضتا حماية مصالحهما في إدارة المفاوضات لأن الخطر النووي أكان إيرانيا أم كوريا شماليا أم باكستانيا أم هنديا يهم كل شعوب العالم وأساسا العملاقين الروسي والصيني.
فنحن اليوم على أعتاب انفراج عالمي إذا ما قرأنا الحدث بعيون المؤرخ، ولكن التاريخ علمنا أن لكل دبلوماسية مواقف معلنة ونوايا خفية ونحن لا نرجم بالغيب بل سنتابع تطورات الأوضاع في المستقبل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى