صالون الصريح

هادي دانيال يكتب: فرصة العرب للتفلُّت نسبيّاً من قبضة الهَيْمنة الأمريكية

adanille
كتب: هادي دانيال

بعدَ وفاةِ كُلٍّ مِن الرئيس العربي جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو و رئيسا وزراء الهند جوهر لال نهرو وأنديرا غاندي، تورّطَت مصْر بـ كامب ديفيد وتداعياتها وانهار الاتحاد اليوغسلافي منقسماً إلى عدة كيانات مستقلة وأدارت الهند ظهرها تماماً لمبادئ عدم الانحياز وتطَرّفت في براغماتيّة سياساتها الخارجية.

نضالات الشعوب

كان ناصر وتيتو ونهرو مؤسسي حركة عدم الانحياز، إلى جانب غاندي وسَلَفها نهرو، رموزاً لداعميّ ومسانديّ نضالات شعوب القارات الثلاث، أفريقيا وآسيا و أوربا الشرقية، ضد الاستعمار الغربي. وكانت هذه المنظمة الدولية ذات حضور فاعل في السياسة الدولية، وتحظى بدعم غير مباشر من الاتحاد السوفياتي الذي كان، حتى لحظة انهياره، يخوض حرباً باردة ضدّ الغرب الإمبريالي.

العرب أدوات لأمريكا؟

بدخول حركة عدم الانحياز في حالة موت سريري، لم يعد للدول العربية كافة أيّ حضور فعلي أو فاعل في المشهد السياسي الدولي إلّا كأدوات للغرب والولايات المتحدة الأمريكية خاصة. وحتى عندما تَكَوّمَ العرب أرقاماً في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية أو الدولية ذات الصفات القوميّة أو الدينيّة أو القاريّة (جامعة الدول العربية، منظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة الوحدة الأفريقية)، فقد كان حضورهم الكمّي غير وازن إلّا في خدمة المصالح الغربية تصويتاً أو تمويلاً، بل إنّ المنظمات الثلاث كانت ولا تزال غير مرئيّة من صانعيّ قرارات السياسة الدولية إلّا عندما تُسْتَخْدَم هذه المنظمات لفرض العقوبات على بعض أعضائها هِيَ وفرْض الحصارات الجائرة على هذا البعض والتدخّل السياسي والأمني والعسكري لتغيير الحكومات غير المرضيّ عنها صهيو ـ أمريكيا والإتيان بحكومات بديلة تناسب المصالح الصهيوأمريكية في المنطقة وعبْر العالم، وهذا ما عرفته دول عربية عضو إمّا في المنظمات الدولية الثلاث كما هو حال ليبيا أو في اثنتين منها كما هو حال العراق وسوريا واليمن، مثلاً.

انتقام مفضوح

ولأنّ الغرْب الإمبريالي يريد أن تبقى حكومات الدول العربية أدوات للتحكّم بمصائر الشعوب ونهب ثرواتها الطاقية والمعدنية والغذائية والمائية وحتى البشرية، يُغْلِق دونها بإحكام أبوابَ الأمل بالانضمام إلى منظماته العسكرية والاقتصادية على غرار الحلف الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي…إلخ…

لأنه عازم على أن لا يسمح يوماً لدولة من هذه الدول العربية بأن تكون دولة مستقلة ذات سيادة ومكتفية ذاتيا كما كان حال الجمهورية العربية السورية التي لم يكتفِ بفرْض العقوبات عليها ومحاصرتها وشنّ حرب عليها دامت أربعة عشر عاماً، وعندما تمكّن مِن إسقاط نظامها الوطني، حرصَ على أن يكون هذا السقوط مُدويّاً بأن يتمّ الانتقام من الشعب بتمزيقه وهدم دولته بدْءاً مِن حلّ الجيش العمود الفقري لأيّ دولة والعبث بباقي مؤسسات الدولة بتسليم سوريا أرضا وشعباً لعصاباتٍ إرهابيّة تستعرض ابتكاراتها الوحشيّة في ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية ضدّ جميع السوريين بدءاً بأبناء الطائفة العلوية العزّل وغير المحظوظين بِمرجعيات تحميهم محلياً وإقليميّاً ودوليّا على غرار المرجعيات التي تحمي نسبيّاً المُكوّنات الكردية والدرزية والمسيحية مِن بطش ذئاب القاعدة وداعش التنظيمين اللذين أنشأتهما المخابرات الأمريكية لتدمير الدول وتمزيق المجتمعات والتحكّم بمصائر الشعوب التي تدين أغلبيّة مكوّناتها بالإسلام.

تمكين الإرهاب

لقد كان الغرب يزرع الجماعات الإرهابية في الدول التي يستهدفها ليتدخّل في الشؤون الداخلية لهذه الدول بذريعة مساعدتها على التخلّص من الإرهاب لكنه لاحقاً أصبح يتدخّل لدعم الفصائل الإرهابية التي مكّنها من السيطرة على هذه الدول بعد تدميرها كما هو الحال في سوريا.

هذا الواقع الذي يَعِد بقية الدول العربية كافة بمصائر ليبيا وسوريا واليمن، فهذه هي المشيئة الصهيو ـ أمريكية، يُفْتَرَض أن يَفْرِض على الدوَل العربية أن تتلمّس أعناقها، وأن تفكّر بكيفيّة الحفاظ عليها بين الأكتاف. والمُتاحُ حالياً ليس قليلاً، وأعني تحديداً الانضمام بدون تردد إلى المنظمتين الدوليّتين الفتيّتين، منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة “البريكس”، وكما أنّ «شنغهاي» هي منظمة حكومية دولية تهدف إلى التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، تأسست سنة 2001، فإنّ منظمة “بريكس” التي تأسست سنة 2009، هدفها وضْع حدّ للاحتكار الاقتصادي والسياسي الغربي، و كلا المنظمتين تقودهما الصين وروسيا وتضمّان أقوى الدول اقتصاديا وعسكريا وبشريا في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية على غرار الهند والباكستان وجنوب أفريقيا والبرازيل…إلخ.

وتلك الدول العربية التي لا تزال محافظة على وحدة أراضيها وشعوبها يمكنها الاستقواء بهاتين المنظمتين أوّلاً لكسْر سياسات العقوبات والحصارات الجائرة، السلاحين الفتاكين اللذين يلجأ إليهما الغرب عندما يستهدف دولة يرى أنّ حكومتها مارقة أو نفدت صلاحيّتها في خدمة المصالح الغربية بالنجاعة المطلوبة. خاصّة وأنّ استراتيجية “دونالد ترامب” القاضية بتشليح دول الخليج تريليونات الدولارات ستكون أكثر ابتكاراً وقسوَةً في مجال رفع الرسوم الجمركية وفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية وربما إعادة رسم الخرائط الجغراسياسية بناءً على مُعطيات ديمغرافية جديدة تُفرَض بالقوة على شعوب منطقتنا.

فرصة أخيرة

فالانضمام إلى “البريكس” و”شنغهاي” قد يعيد الدول العربية إلى المشهد السياسي الدولي ككيانات وطنية مُستقلّة مُشارِكة في صناعة السياسة الدولية مِن خلال عضويتها الكاملة النديّة والفاعلة باتخاذ القرار في منظمتين دوليّتين وازنتين، فضْلاً عن أنّ هذه العضوية قد تُحرّر اقتصاد الدول العربية من الارتباط بالدولار الأمريكي وتخلّص أعناق حكوماتها مِن نِيرِ مزاج “دونالد ترامب” المُتقلّب ومِن جَشَعِهِ غيْر المسبوق، وفي الوقت نفْسه يصبح عصيّاً على “ترامب” مواصلة التعامل الهزلي مع التراجيديا الإنسانية في فلسطين وسوريا المحتلتين وفي اليمن و ليبيا ولبنان والسودان المهددة هي الأخرى باستقلالها وبوحدة أراضيها وشعوبها، ويُوضَع حدّ لهذا الاستثمار الغربي الصهيوني في الحروب على العرب بدماء العرب وأموالهم في سياق لن يفضي استمراره إلّا إلى المزيد مِن هدر ثرواتهم وتبخُّر مصالحهم وتلاشي حتى ملامحهم الباهتة في المشهد السياسي العالمي وبالتالي انقراضهم وجوديّاً ودخولهم نهائيّاً في أرشيف ديناصورات هذا الكوكب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى