محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم قضى سنوات في صفاقس ثم ودع: نصر بن سعيد

كتب: محمد الحبيب السلامي
هذا المواطن التونسي له في تونس عامة وله في صفاقس تاريخ…هذا المواطن نصر بن سعيد ولد في نفزاوةً، في قبلي سنة 1887…وتوفي بعد أن أدى دوره الذي كتبه الله له في الحياة سنة 1973…
تعلم في الزاوية، وتعلم اللغة الفرنسية، وكان أول تونسي يدخل مدرسة ‘سانسير’ الحربية في فرنسا، وفي سنة 1911 يتخرج منها ضابطا، ولما اندلعت الحرب العالمية الأولى التحق مع الجيش الفرنسي في القتال…وخرج منها يحمل رتبا عسكرية عالية…
ولـ ثقة فرنسا فيه وكفاءته كلفته بالقيادة المدنية في عدد من المدن التونسية، منها قفصة والقيروان وصفاقس…ولأنه في صفاقس كتب تاريخا رأيت أن أتحدث عنه وأتذكره وأذكر به..
نصر بن سعيد في صفاقس
شجع وساند الزعيم النقابي فرحات حشاد في تأسيس النقابات والمنظمة…لما أضرب العمال في مصنع البراميل بصفاقس، هددتهم السلطة الفرنسية بالجيش وأنذرتهم بإطلاق النار عليهم إن لم يفكوا الإضراب…علم بذلك قايد صفاقس نصر بن سعيد، فأقبل، ووقف أمام العمال المُضربين، وعرى صدره على النياشين ورتبه العسكرية وقال لفرقة الجيش الفرنسي: اضربوني أنا قبل أن تضربوا العمال…عودوا إلى ثكنتكم ويجب أن يلقى العمال حقوقهم..
علم طلبة الفرع الزيتوني بصفاقس أن الحكومة التونسية سوف تعزل الإمام محمد الطاهر ابن عاشور من رئاسة مشيخة الجامع الأعظم فخرجوا في مظاهرة وصلوا بها إلى دار القيادة…
ولما قابل القايد نصر بن سعيد الوفد ووعدهم بتبليغ مطلبهم، صاح المتظاهرون طالبين بنزول القايد ومقابلة المتظاهرين، فنزل القايد نصر بن سعيد، وحيّاهم وأعلمهم بأنه معهم في مطلبهم…ولذلك تفرقوا…
كان بذكائه وخبرته يعرف المكان الذي يجتمع فيه (الباندية واللصوص)..إنه في الماخور في دار (ببية ـ ودار حيطية ودار حسنية) فإذا حدث حادث سرقة وحصل عدوان، وعجزت فرق الأمن عن وضع العين على كشف صاحبه، ووضع اليد عليه وعلم بالخبر القايد نصر بن سعيد، دعا ببية وحيطيةً، وحسنيةً وحدد لهن موعدا للكشف عن المعتدي وأنذرهن بالعقاب إن لم يكشفن عنه..حققن له ماأراد…
طرفة ‘الفلو’
كان يعطف على المساكين ويستقبلهم ويساعدهم..ومن الذين كانوا يترددون عليه (الفلو) وهو رجل فقير طريف، يُدعى في بعض الأعراس ليغني أغاني فكاهية ويقدم بعض حيله وألعابه…
في يوم دخل (الفلو ) على القايد نصر بن سعيد باكيا، وهو يدعي أن زوجته ماتت البارحة، وليس له ما يكفنها به ولا ما به يحفر لها قبرها…واساه وعزاه و منحه منحة…بعد ساعة دخلت عليه امرأة باكية تدعي أنها زوجة (الفلو) وأنه مات البارحة، وليس بيدها كفنه وقبره…
تفطن نصر بن سعيد للحيلة فأبقى المرأة في غرفة، وبعث في إحضار (الفلو) فلما أقبل أخرج له زوجته، ولما أراد القايد أن يوبخه أخذ (الفلو) في الضحك وهو يقول لنصر بن سعيد: رأيتك مهموما مغموما من تعب القيادة فرأيت أن أعرض عليك هذه المسرحية لأسليك وأضحكك..وضحك القايد…وأعطاهما منحة…
قاوم الأميّة والجهل
يذكر التاريخ التونسي…أنه وجد الأمية منتشرة في الريف فكوّن جمعية محو الأمية، وبنى وبعث في مناطق ريفية مدارس لمحو الأمية، يذكر له التاريخ: أنه في سنة 1954 كلف بوزارة التعمير والإسكان في الوزارة التفاوضية التي ترأسها الطاهر بن عمار من أجل الحصول على الاستقلال الداخلي، وفي طرف والصورة يظهر نصر بن سعيد يلبس جبة بيضاء وطربوشا قرب الوزير العزيز الجلولي الطويل الذي يلبس كسوة افرنجية، وبجانبه الزعيم المنجي سليم يلبس جبة…
ودع الدنيا
تزوج نصر بن سعيد بنت الجنرال محمد بلخوجةً، وتوفي سنة 1973…فودعه أهله وأحبابه وودعته تونس بالرحمة وحسن الذكر ولا تنسى صفاقس أنه كان يدخل المدينة في المناسبات لابسا لباس نفزاوة، وقد وضع عصاه على رقبته وشدها من طرفيها يبديه، كما يفعل الراعي في المرعى مع الغنم فتستقبله الجماهير بالموسيقى، ويرش تجار العطورات موكبه بمياه الورد والياسمين…فبماذا سيعلق الأصدقاء وماذا سيضيفون لنزداد به معرفة وفهما…أنا أحب أن أفهم؟