في ذكرى وفاته: أبوزيان السعدي وجعفر ماجد ومواقف طريفة لا تُنسى…

كتب: أنس الشابي
في مثل هذا اليوم من سنة 2014 غادرنا الصديق الأديب بوزيان السعدي ودفن في الغد في مقبرة الزلاج وللأسف لم يحضر جنازته من أصحاب القلم سوى علي الشابي وإبراهيم شبوح وعبد الوهاب الدخلي وكاتب هذه السطور، وكنت قد كتبت هذا النص الذي نشر في أربعينيته رحمه الله وأجزل ثوابه:
رحل بوزيان السعدي عن دنيانا وخلت مائدته في مقهى باريس من جُلاّسها، كان نسيج وحده في تعليقاته ونكاته وتعييره للآخرين ونقده لكلّ من هبّ ودبّ، كان الفقيد يتحاشى كلّ ما له علاقة بتقييم شخوص العمل السياسي الرسمي في تونس فينأى بنفسه عن ملامستهم علنا، فهو المثال للمثقف الذي يخشى السلطة ويتحاشى الخوض في أدائها إذ كان يكتفي في مجالسه المفتوحة بإعادة ما دأبت وكالات الأنباء الرسمية على ترديده، ظهر ذلك لديه في كلّ العهود التي مرّ بها الوطن فهو أنموذج للمثقف والكاتب الذي لا يحمل مشروعا سياسيّا يناضل من أجله وإن كان حاملا ومنافحا عن مشروع ثقافي عماده اللغة العربية والإسلام.
أذكر أن الفقيد في مقهى باريس كان يتحدّث بصورة دائمة عن مقالاته وآخر ما كتب ونشر فقد دأب على كتابة مقال كلّما ألقى الرئيس السابق خطابا في مناسبة ما وكان يحتفي بهذه المقالات احتفاء كبيرا وفي مرّة وبعد أن قرأت مقاله سألني عن رأيي فيما كتب فقلت له: “الشرح أفضل من المتن”، نظر إلي وقد فوجئ بتعليقي الذي لم يكن ينتظره إذ لأوّل مرّة أباشره بقول يحمل نقدا مبطنا لخطاب رئيس الدولة قلت حدّق في مليًّا وابتسم ثم قال رحمه الله: “بطبيعة الحال أفضل”، ومن يومها انفتح باب التنكيت على السلطة ورموزها إنما لوحدنا ولم يكن يشاركنا في ذلك إلا صديق أمدّ الله في أنفاسه، ولم يعد يتحرّج في الحديث عن الشأن السياسي المحلي معي ومن بين ما قال لي عن المقالات التي كتبها في المناسبات المختلفة عن العهد السابق أنه يكتب مقاله حول مسألة ما ثم يضيف إليه جملتين واحدة للبداية وأخرى للخاتمة موجّهة إلى السلطة الحاكمة بحيث لو أزيلت هاتان الجملتان لما تفطن القارئ إلى العهد الذي كُتب فيه النصّ.
أذكر كذلك شدّته على صديقنا المرحوم جعفر ماجد الذي لم يكن يحملها على محمل الجدّ لأنه لَـيِّـن الجانب رقيق الحاشية لطيبة فيه، ولم يكن بوزيان يتوقف عن مشاكسته بالقول إن جعفرا استروح قصيده الفلاني من قصيد شاعر آخر لا لشيء إلا لأنه كان ينافسه في اقتناء الكتب القديمة من نهج الدباغين فيسبقه في الحصول على العناوين المفقودة والطبعات النادرة ويخبره بذلك لإغاظته فإذا رآه قادما نحونا في المقهى يقول لي: “اسكت الدمار الشامل جاء” وكان جعفر يضحك ملئ شدقيه كلّما رويت له ذلك، ومن بين ما أذكر كذلك أن جعفرا رحمه الله كتب مقالا بمناسبة الاحتفال بالسابع من نوفمبر في جريدة الصباح تحت عنوان: “وفي ظلمة الليل مُدّت يد” ويقصد أن يد الرئيس السابق امتدت لإنقاذ الوطن غير أن بوزيان لمّا قرأ العنوان قال: “لا تمتد في ظلمة الليل إلا يد لصّ” ولمّا أخبرت سي جعفر بذلك ارتعب وغاب عن مجلسنا مدّة ثم عاد ورغم ذلك فالودّ بينهما لم ينقطع رحمهما الله، هكذا هي الدنيا يتساقط خيارها الواحد بعد الآخر في زمن أغبر غابت فيه الضحكة والنكتة والابتسامة.
في الصورة بوزيان في أيامه الأخيرة وعلى يمينه محمد البدوي وعلى يساره عبد الرحمان مجيد الربيعي رحمهم الله جميعا وأجزل ثوابهم.