صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: 9 فيفري 1970.. المسيرة الطلابية في شارع بورقيبة وتداعياتها

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

منذ خمسة وخمسين عاما في مثل هذا اليوم وبالتحديد في مسائه خرج الطلبة في مسيرة تلقائية جسّمت التحام الجموع الطلابية مع قيادتهم المنبثقة عن المؤتمر السابع عشر للاتحاد العام لطلبة تونس بالمهدية أوت 1969…

في فترة عصيبة لم تمح فيها بعد آثار المحنة الأولى التي مررنا بها عند عدم مجاراتنا للتحوّل الفجئي، والذي أقرّه مجلس الجمهورية بإشراف الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 08 سبتمبر 1969 من الاشتراكية إلى الليبرالية.

ثار الزعيم

ولقد ثارت ثائرة الزعيم ونعتنا بالموالين لأحمد بن صالح رائد الحركة التعاضدية وكبش الفداء في هذا الانقلاب بعدما نادى به “المجاهد الأكبر” نفسه يوم 24 جانفي من العام نفسه في خطاب المنزه حيث كان يدعو إلى تعميم التعاضد في كلّ المجالات.
ولقد صارحنا بذلك في خطاب توجّه به إلينا في قصر قرطاج يوم 29 جويلية 1970 مشيرا إلى مسيرة 9 فيفري إذ قال بالحرف الواحد”هذه المنظمة ـ أي اتحاد الطلبة ـ تحتوي حسبما بلغ علمي على عناصر أقحمهم أحمد بن صالح في المؤتمر الذي عقدته بالمهدية سنة 1969، وقد عاكس الاتجاه الحزبي بمناسبة زيارة وزير الخارجية الأمريكي لتونس، فهل يُعقل أن تقف منظمة قومية كهذه موقفا مضادّا لنا”.
ثمّ يتوعّدنا الحبيب بورقيبة بالقول: ‘وقد استنتجت من كلّ ذلك أن لا فائدة في وجود هذه المنظمة وأنّه في الإمكان الاستغناء عنها’.

شهادة الباهي الأدغم

ولكن الأدهى من ذلك ما أورده المنعّم الباهي الأدغم في المذكرات التي صدرت في كتاب ‘الزعامة الهادئة’ الذي نشرته دار نيرفانا عام 2019 فهو أسرّ عند لقائه بالرئيس بمقر السفارة التونسية بباريس يوم 12 أفريل 1970 :
-” الرئيس: هل يقبل أن تنظّم مظاهرة ضد زيارة وزير خارجية أمريكا روجرز ونضرب سيّارات الشرطة بالحجارة؟
– سي الباهي: أنت تريدني إطلاق الرصاص، وهو أمر غير مقبول.
– الرئيس بالفرنسية: ça me fait une belle jambe.
– سي الباهي: إنّ هذا لا يسمح به ضميري أوّلا ومصلحة البلاد ثانيا”
ما الذي حدث يومذاك حتى يستوجب هذا الغضب الرئاسي وما نتج عنه من قرارات غلق الجامعة واعتقال عدد من الطلبة وحتى إزاحة الوزير الأوّل بسبب
‘ضعفه في مواجهة تلك الأحداث’.
تجاه الاستفزازات الأمريكية والتي صدرت عن الرئيس نيكسون عند الإعلان مجدّدا على دعمه اللا مشروط لإسرائيل، وبمناسبة زيارة وزيره للخارجية ويليام روجرز لتونس يوم 10 فيفري 1970 أصدر المكتب التنفيذي لاتحاد الطلبة بيانا ندّد فيه بتلك التصريحات ونادى منخرطيه للحضور في اجتماع عام مساء الاثنين 9 فيفري ببورصة الشغل لاستنكار السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

مزالي: خيّبوا ظني

ولقد كنت قبل ذلك اتصلت بـ سي الباهي في مكتبه بالقصبة وأعربت له عن نيّة الاتحاد في التعبير عن موقفه من هاته الزيارة، ففوجئت والحقّ يقال بردّ فعل الوزير الأوّل إذ أنّه قال لي أنّه بدوره سيبلّغ الوزير الأمريكي امتعاضه من سياسة بلده، وبالتالي فقد تجاوب مع مقترح عقد الاجتماع المذكور ثم تحوّلتُ إلى مكتب المنعّم محمد مزالي في وزارة التربية وهو الذي مكّننا من فضاء البورصة مساندا لنا ولكنهّ أمام تطوّر الحدث وما جدّ في المسيرة من طرف المندسّين الذين لا تخلو عادة منهم المسيرات التلقائية وحتى المنظمة تألّم سي محمّد إذ أنه كتب في افتتاحيّة مجلة الفكر في عدد مارس 1970.
“أخذت على نفسي بوصفي وزيرا للتربية القومية، السماح للطلبة بعقد اجتماعهم في هذه القاعة الكبرى والتعبير عن آرائهم بكل حرية فخيّبوا ظنّي وصدّقوا بعض زملائي الذين عارضوني منذ البداية”.

لوموند تكتب

لقد كتبت جريدة “لوموند” يوم 10 فيفري 1970 و أطنبت في الحديث عن هذا الحدث وقالت إنّ الاجتماع داخل القاعة امتدّ من الساعة الخامسة مساء إلى الحادية عشر ليلا ورفعت فيه عديد الشعارات المناصرة للثورة الفلسطينية والمندّدة بسياسة أمريكا ثم حمي الجوّ نظرا للحماس الفيّاض الذي طغى على الثلاثة آلاف مشارك.
ولقد كنت آنذاك في دفّة تسيير التظاهرة، وأحلت الكلمات لجميع من طلبها، ثم تواصل الجريدة القول: إنّ الأجواء هدأت نسبيا عند حضور الأخ حسيب بن عمّار مدير الحزب الاشتراكي الدستوري صحبة ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن ذلك لم يمنع الجمع من الانتشار خارج القاعة والسير تجاه شارع بورقيبة بعدما صادق المجتمعون على لائحة تعهّدت بإبلاغه للسفارة الأمريكية وتذكر فيها في بندها الأخير “نذكّر الحكومة الأمريكية أنّ علاقات الشعوب العربية مع كلّ دول العالم قائمة على أساس موقفها من القضيّة الفلسطينيّة”.
وفعلا لم يثننا ردّ السلطة القائمة وما نالنا من تقريع في التمسّك بمواقفنا الثابتة تجاه أمّ القضايا.

مؤتمر دولي

فلقد نظّمنا ملتقى دوليا في بنزرت يوم 29 جويلية 1970 تحت شعار “من أجل المقاومة في فلسطين وإفريقيا” حضرته عديد المنظمات الطلابية من أنحاء العالم وحضره وفد هام من طنجا وطلبة فلسطين ضمّ 12 قياديا.
وعلى تلك الخطى مضينا عند حضورنا المؤتمر العاشر للاتحاد الدولي للطلاب المنعقد بـ براتيسلافا العاصمة الحالية لسلوفاكيا من 3 إلى 10 فيفري 1971 و اقترحنا إلى جانب عدد من المنظمات الأخرى اعتماد لائحة للتضامن مع الشعب الفلسطيني ودعونا فيها كلّ الاتحادات الطلابية في العالم إلى اعتماد أسبوع من 15 إلى 22 ماي 1971 للتضامن الدولي مع الطلبة الفلسطينيين.
إننا عندما نشاهد ما يصنعه الشباب الطالبي في حرم الجامعات الأمريكية وفي عقر مقر معهد العلوم السياسية بباريس من مدّ تضامني مع شعبنا في غزة وفي الضفّة نقول أنّ المسألة الفلسطينية لا ولن تُقبر وأنّه مثلما أنشد الشابي و لهجت به الحناجر في أنحاء المعمورة:
“لا بد للّيل –وإن طال- أن ينجلي
ولا بد للقيد –ولو عمّر- أن ينكسر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى