حين توحّد “شجرة” الكاتب الجزائري عز الدين جلاوجي بين سطيف وبنزرت (صور)

مواكبة: الأمين الشابي
جميل أن تتوحّد الدول المغاربية عبر الكتاب وعبر الثقافة عموما، كخطوة أولى، في انتظار الاندماج الكلي اقتصاديا واجتماعيا ولم لا سياسيا أيضا.
هذا ما عاشه اليوم مثقفي بنزرت وسلك الأساتذة بالخصوص. فقد كان الكاتب جزائريا، وتحديدا من ولاية سطيف، والحضور تونسيا وتحديدا من بنزرت. وكان ذلك يوم الخميس 31 أكتوبر 2024 ببنزرت وذلك حول الكتاب رقم 50 للدكتور والأديب الجزائري عز الدين جلاوجي الذي تحمّل أعباء السفر والإقامة ليقدمه مولوده الأدبي الجديد ” الشجرة التي هبطت من السماء”.
احتفاء استثنائي تجاوز المعهود
بالفعل كانت مناسبة تقديم هذا الكتاب “الشجرة التي هبطت من السماء” احتفاء استثنائيا بكل من تحمله الكلمة من معنى. استثنائيا، لأنّ الضيف جزائري والمضيف تونسي. استثنائيا، لتعاون معهد “التحدي” الخاص مع أستاذة من معهد عمومي لتنظيم هذه التظاهرة الجميلة.
استثنائيا، لأنّ النشيد الوطني الرسمي لكل من الجزائر وتونس وفلسطين كان حاضرا منذ افتتاح هذه التظاهرة. استثنائيا، لأنّه تمّ تنظيم دخول الضيف الجزائري إلى القاعة، بطريقة غير عادية حيث صاحبه عند الدخول شخصيات من بنزرت، وحولهم يرفرف العلم التونسي والجزائري، وبحضور شبان وشابات – في عمر الزهور- وهم يلبسون اللباس التقليدي الجزائري والتونسي ويقدمون مشموم الفل التونسي الأصيل للضيوف. استثنائيا لأنّه تجاوز تقديم الكتب والمؤلفات الجديدة بالطريقة الكلاسيكية المعهودة.
كلمة تقديم عام
في تقديمها لكتاب ” الشجرة التي هبطت من السماء” للأديب والدكتور عز الدين جلاوجي، أتي على لسان الأستاذة سعاد المرنيصي – مهندسة هذا اللقاء الثقافي – ما يلي ” عز الدين جلاوجي الأديب الجزائري، هو الصوت المميز لقلم ذهبي انعتق عبقه من محبرة فريدة وزاخرة بأبجديات الحب والمحبة والسلام. وهو أيضا الفاتح الأعظم لعوالم من الإبداع، تراه بين ثناياه حاملا مشروعا كبيرا، قضية أمّة عن يمينه، وحاضرا تسرّب صقيعه إلى الأوصال عن شماله. تواقا للتحرر من ضغوطات اللحظة التاريخية متماهيا مع النور المنبني من ذاته، ليمزق أردية العتمة ويخترق أصفادها. كيف لا وذاته الباحثة القلقة تحمل الشمس، شمس الشرق بين كفيها لتنشر أشعتها في أرجاء الأرض العربية المباركة” ..
مراوحة موسيقية
لتليها مراوحة موسيقية قدمها عناصر من تلاميذ المعهد الثانوي طريق طبرقة بماطر والذين اتحفوا الحضور بباقة من الأغاني التونسية الجميلة وبعزف جيد يشدّ الحضور إليه. هاته العناصر تغنت بباقة من أغاني قيدوم الأغنية التونسية الأصيلة المرحوم الهادي الجويني، منها “حبّي يتبدل يتجدد” و “اليوم قالتلي زين الزين” وأيضا لسيدي علي الرياحي ” تكويت وما قلت أحيت” وللصادق ثريا ” بحذا حبيبتي تحلى السهرية” وغيرها من الأغاني والمعزوفات. وليتحفنا، بعد ذلك، تلاميذ المدرسة الإعدادية بأغنية ” نحن الجود نحن الكرم” على وقع رقصات تتماشى والأنغام الموسيقى وهم يلوحون بالأعلام التونسية و الجزائرية والفلسطينية.
كلمة ضيف بنزرت المبجل
بعد هذه المراوحة الموسيقية، يلقي الكاتب المحتفى به، كلمة في الحضور، جاء فيها بالخصوص ” سلام لنفوسكم ولكرمكم ولنبلكم ولعظيم شأنكم ووارف التقدير لكم جميعا ولكل من كان وراء هذا العرس الإبداعي الجميل. ويشرفني وأنا أنزل بينكم أن أنثر على هاماتكم باقات من التقدير وأكاليل من الإجلال والمحبة. إنّها بنزرت أيها سادة وأنتم أبناءها، ولا عجب إن قال فيها شاعر الثورة الجزائرية، مفدي زكريا، وذلك بمناسبة حوادث بنزرت الدامية سنة 1961 والثورة الجزائرية المجيدة في قمّة عنفوانها ” شعب محا بالموت ظل الشقاء / دمّر الموت سبيل البقاء / وانصبّ كالنّار يوم اللقاء / وحيّر المغرب والمشرق / واختار أن يحصد أو يحرق / من أن يخون العهد أو ينفق. ليواصل الأديب بالقول ” وها أنا بينكم ومعي روايتي الحديثة ” الشجرة التي هبطت من السماء” والرواية لم تعد كما كان الاعتقاد السائد مجرد حكاية تتلى ونسوة عابرة بل هي منارة كبيرة لبناء الإنسان ومقاومة للشر ومقاومة للآخر العدو الساعي لامتلاك كل شيء، ومن أجل ذلك يحرق الأخضر واليابس. مضيفا وأنه على امتداد نصف صدرت لي 50 مؤلفا بين الرواية والمسرحية والقصة والنقد، بل وقدمت عن أعمالي عشرات البحوث والرسائل الجامعية داخل الوطن وخارجه. مضيفا وأنّه لا عالمية لأدب لا ينبع من ذاته ومحليته وخصوصياته السردية والتراثية.
ولا مجد لأدب لا يعانق ولا يعانق، ولا مجد لأدب لا يحقق المتعة والمعرفة. ودامت تونس والجزائر على درب المحبة. والمجد لأمتنا العربية من المحيط إلى الخليج والمجد لأشقائنا في فلسطين ولبنان.
حوار عميق وإجابات شافية
العديد من المداخلات حول كتاب ” الشجرة التي هبطت من السماء” وتناولت بالخصوص من ناحية الشكل، ما المقصود ـ لمعنى الهبوط، فهل هو هبوط يحمل بين طياته معنى العقاب والغضب الإلهي أم غير ذلك؟ وأيضا هل مازال الكتاب الورقي يجذب القراء إليه في ظل هيمنة الوسائط الحديثة للتواصل؟
أما من ناحية المضمون فقد كانت محاوره مختلفة و عديدة ولعنا نوجزها فيما يلي :
*هل تأليف الكتاب أتى ردّا على من يحاول المس بهويتنا واصولنا كعرب ومسلمين باعتباره أتى خاصة مدافعا على بعض العادات والتقاليد ولكن أ لا نخشى من الانزلاق في الترويج لهذه العادات في زمن الأخذ بناصية العلم والعلوم؟
* الأنثى والمرأة عموما كان تناولها طاغيا في كلّ الكتاب فهل هذا يعد خوفا من الرجوع بنا إلى عصر ” إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت؟ أم للقيمة الرمزية التي تمثلها المرأة في الحياة، سواء في حياة الرجل أو في حياة القبيلة عموما؟ والمرأة في القبيلة حسب الرواية و التي أصبحت تلك التي لا تلد إلاّ الذكور.. ولكني وجدت في الرواية المرأة الذي يريدها الجميع.
* حين أرى كم كتبت وكم حبرت فأنت لك صبر أيوب. فأنت تنتج في المسردية والمسرحية والنقد وحين أجد تنوعا بهذا الشكل فهذا يثلج الصدر. لماذا هذا المتضادات الظاهرة بين هذه العناوين الفرعية للكتاب على غرار “سرادق الحلم والفجيعة” و “الرماد الذي غسل الماء” و ” الفراشات و الغيلان” و ” الشجرة و السماء” ” وثنائية الحب و الدم” و غيرها من العناوين، التي جمعت بين الأمل و الخيبة و بين الحلم والفجيعة.. فهل هذا التوجه مقصود من المتضادات وهذه الثنائيات؟
*الطريف في الرواية وأنها تأخذنا إلى المجتمع القبلي والذي للمرأة فيه تأثير. والرواية قلبت المعادلة حيث كان في القديم تسود الوجوه لولادة أنثى، أما في الرواية يتمنى الجميع ولادة الأنثى باعتبار عقم نساء في تلك القبيلة على ولادة البنات واختصرن على ولادة الذكور. ولكن بعض المقاطع في الرواية أزعجتني بقدر ما أسرتني.
*قراءتي بطريقة معاكسة للمتدخل السابق حيث رأيت هذا الهبوط من السماء ليس عقابا باعتبار وأن الشجرة هي الرابط بين الأرض والسماء. وهبوط الشجرة تحمل الإنسان مسؤولية الإنسان لما يرتكبه من مآثم وجرائم.
*من العادات نذكر “بوسعدية” وهي من العادات التي سرقها البيض من السود وما يعنيه ذلك من معاني السيطرة والعنف واستغلال الآخر في زمن طغت فيه الغطرسة والحروب وقتل الآخر الذي لا يدور في فلكنا…
مراوحة مسرحية
مراوحة مسرحية كانت بمثابة لوحات مسرحية مستوحاة من الكتاب ” الشجرة التي هبطت من المساء من تأطير الأستاذة سمية الأسود وتقديم تلامذة المدرسة الأساسية الحبيب الحداد. إضافة إلى لوحات راقصة وجميلة من تأطير الأستاذة أسماء حداد وأثثها تلامذة المعهد الخاص ” التحدي” ببنزرت.
إجابات المؤلف على أسئلة المتدخلين
جاء في أجوبة الدكتور عزالدين جلاوجي ما يلي : كنت أن أود ألاّ تطرح بعض الأسئلة على الكاتب باعتبار و أن بعد كتابة النص يصبح القارئ سيدا لقراءة النص. مضيفا وأنّ هناك مغالطات مفادها وأن الكتاب الإلكتروني هو الذي أصبح شائعا. ولكن هناك إحصائية أقيمت بألمانيا منذ سنتين أثبتت العكس تماما وبلغة الأرقام بينت الإحصائيات وأنّه بيع حوالي 287 مليون كتابا سنة 2023. وللأسف وأننا لا نقرأ لا ورقيا ولا الكترونيا. وبالنسبة للمطولات بالكتب الورقية، باعتبار وأنّه لا يمكن أن نكتب مثلا الرواية في أجزاء. ولكن حين يكون النص ممتعا ستقرأه مهما كان مطولا والعكس صحيح أيضا.
أما الرواية فهي تتحدث عن الإنسان وبالتالي علينا أن نبحث عن الأسئلة العميقة في الإنسان. وفي الرواية يتم عن المرأة لا الحسد بل المرأة الروح والمرأة الفكر. ولكن نحن للأسف انفصلنا عن ماضينا. في حين أنّ الغرب أعادة قراءة ماضيه وبعثه من جديد. ما أسعدنا أن نعود لقراءة ماضينا التليد والثري. والنص مثل الأنثى لا يستسلم بسهولة بل يستحق أكثر من مراودة.
وختامها تكريم ضيف بنزرت
ليكون مسك هذا اللقاء الجميل والإبداعي تكريم المبدع، ضيف بنزرت، الدكتور عز الدين الجلاوجي كـ عربون اعتراف وتقدير لمجهوداته لما يزيد عن ربع قرن من الكتابة والتأليف في شتى المجالات وقد قدّم له الهدية مدير المعهد الخاص ” التحدي” السيد سامي الساحلي بمعية مهندسة هذا اللقاء الأستاذة سعاد المرنيصي.