الصريح الثقافي

صدر حديثا: فرسخ الحضارة..لمنصور بوليفة

صدر حديثاعن دار الشنفرى للنشر في تونس بسلسلة “تاريخ” كتاب “فرسخ الحضارة/وادي زنداك/تطاوين” للمؤرخ التونسي الأستاذ “منصور بوليفة” بغلاف للفنان السوري “رامي شعبو” وصورة للغلاف بعنوان “التعايش” لملكة بوليفة.

وقع الكتاب في 84صفحة، قياس 15/21سم، متضمنا توطئة للدكتور “عماد بن صولة” مدير البحوث بالمعهد الوطني للتراث وأستاذ التعليم العالي بجامعتيّ تونس والمنار. تلتها مقدمة من المؤلف فالفصل الأول : المنحدر الفيضي (فجالكويستا )،فالفصل الثاني: مجتمع الحيط والخيط ، فالفصل الثالث: طريق الحضارة ، فخاتمة ، فملاحق. وأخيرا المصادر والمراجع.
والكتاب متوفر بثمن”14د.ت” في العاصمة التونسية بمكتبة “بوسلامة”- باب بحر، ومكتبة “العيون الصافية”-خلف وزارة المرأة. وسيكون متوفرا بجناح “دار الشنفرى للنشر” بمعرض تونس الدولي للكتاب بقصر المعارض بالكرم من 19إلى 28أفريل الجاري، إلى جانب كتاب بوليفة السابق “دول التثاقف في بلاد المغرب الإسلامي”، وكتاب جيرار فوراست “عوائد تطاوين” الذي عرّبه منصور بوليفة بالاشتراك مع “الهادي بو دربالة”
من توطئة الدكتور “عماد بن صولة” لكتاب “فرسخ الحضارة…” نقتطف:
“..هذا الكتاب محاولة لإعادة تشكيل المجال المرتبط بوادي زنداك من الناحيتين التاريخية والأنثروبولوجيّة، وذلك باستنطاق جملة من المصادر والمراجع التاريخية والاستناد إلى طائفة من الشهادات والملاحظات الاتنغرافية التي توفّرت للمؤلف بحكم معرفته الجيّدة بالميدان الذي يشتغل عليه.
إن هذا المجال مترامي الأطراف الذي يكتنفه اليوم الخلاء والصّمت كان عامرا تتدفّق في ثناياه الحياة زاخرة بالأحداث والجماعات البشرية. ولقد حاول الباحث إعادة إدراج هذا الوادي/الطريق ضمن نسيج الطرقات التاريخية المعتمدة في التبادل التجاري منطلقا من الخصائص التضاريسية لمنطقة تطاوين، فقد عرّج على مصطلح الصحراء قبل تقديم الهوية الجغرافية للوادي، وهو ما مهّد في الحقيقة لاستعراض ما نشأ حوله من مظاهر العمران بتعبير ابن خلدون، حيث تطالعنا أمثلة عن الزراعة والتواصل بين المناطق والمجموعات البشرية تفنّد فرضيّة العزلة الجغرافية وضمور أسباب التحضّر.
ولعلّ من أجلّ إسهامات هذا العمل هو ترصّد حياة الاستقرار وحياة الترحال في إطار ما أسماه المؤلف “مجتمع الحيط والخيط”، وهو تعبير يتجاوز صيغته الاستعاريّة ليؤسّس ثنائيّة مفهوميّة قائمة على التمييز الكلاسيكي بين نمطين من العيش. في هذا السياق، كان الوقوف عند مفهوم البربرية في أبعادها الجغرافيّة والتاريخية و الإثنية و الأنثروبولوجية، و التشديد على التكامل المجتمعي بين أهل الحيط والخيط ودينامية العلاقة بينهما معارضا بذلك النظرية الانقسامية الشهيرة التي كان لها دور في تكريس فكرة التناقض بين القسيمات الاجتماعية على امتداد النسق القبلي وخارجه بما يدفع إلى الاحتراب ونفي أيّة إمكانيّة لإنشاء سلطة مركزية ضابطة للجميع.
وضمن هذا التصنيف الثنائيّ ومنطق التحليل يسلّط المؤلّف أضواء مهمّة على العلاقات السائدة بين الزراع والرعاة راسما الملامح الأخلاقية والثقافية لأسلوبين مختلفين في الحياة، ناقدا فرضيّة التقابل المطلق بينهما نظرا لما يجمعهما من وشائج التعاون في إطار من تقسيم للأدوار.
وقد كان الرجوع إلى زمن الفتح الإسلاميّ مدخلا للبحث في تشكّل العلاقة بين المجموعات البشرية وكيفيّة استيعاب وادي زنداك حصرا للثقافات الوافدة على المنطقة، حيث سمح بتعقّب نماذج من التفاعلات التي حصلت في سياقاتها التاريخية والإنسانية الملموسة.
وانسجاما مع التوجّه المنهجيّ المعتمد، يعود الباحث في الفصل الثالث ليرسم لنا الطريق المرتبطة بوادي زنداك منذ الفترات القديمة مرورا بالعصور الوسطى وصولا إلى الفترة المعاصرة، وذلك بوصفها شاهدا على التفاعل الديني والمذهبي والإثنيّ، لينتهي بنا إلى القول إن هذا الوادي “يعاني من كثرة التاريخ، رغم عاصفة النسيان واعتباره طريقا منسيا وهمزة وصل بين تلالت والرمادة مرورا بالفطناسة”.
الكتاب هو مساهمة جادّة في اختراق حجب النسيان التي تلفّ طريق وادي زنداك، وذلك عبر إعادة تصميمها جغرافيا واستدعاء طائفة من الأحداث والشخصيات التي تحرّكت في إطارها، فإذا بهذا الفضاء الصامت ينطق تاريخا، وإذا بهذا المدى النّائي يبدو منخرطا في زخم عظيم من الوقائع التي تتجاوز محيطها الجغرافي الضيّق لتنصهر في الزمنية العامة لكلّ مرحلة تاريخية، وهو ما يبرهن على أهميّة التاريخ المجهري في الكشف عن حياة الناس كما كانوا يحيونها دون سقوط في التعميمات، طالما أنّ الجغرافيا لا تمنح المعطيات نفسها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى