صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: الحرب على غزة وخطورة استدعاء المخيال الديني التوراتي

slama
كتب: نوفل سلامة

بدأت الحرب التي طال أمدها والتي تدور اليوم بين كيان الاحتلال وقوى المقاومة الفلسطينية على أرض غزة العربية تُفصح عن الكثير من خفاياها وتكشف عن أسرارها، وعن حقيقة الصراع الذي يدور منذ عقود في منطقة الشرق الأوسط…

الدافع الحقيقي

ومن هذه الحقائق التي سمح بها التأمل الرصين في مجريات الصراع أن الجانب الإسرائيلي لم يتحرك بعد عملية طوفان الأقصى التي وقعت يوم السابع من أكتوبر 2023 من وراء دوافع سياسية عسكرية، أو من باب رد الفعل العادي والطبيعي في مثل هذه الوضعيات الحربية… وإنما الدافع الحقيقي كما أفصح عنه رئيس الوزراء نتنياهو في العديد من المناسبات وردده متطرفو الكيان أن ما يقوم به جيش الاحتلال هو عمل عسكري كان من المفروض أن يحصل منذ سنوات كثيرة، ومنذ اللحظة الأولى لقيام الكيان الصهيوني استجابة لوصايا التوراة وتلبية لنبوءة النبي أشعياء الذي تنبأ بطرد الأغيار والمقصود بهم غير اليهود وقتالهم…

بما يعني أن هذه الحرب تقوم على رؤية توراتية تتنبأ بسيطرة إسرائيل على كل الأراضي التي هي الآن تحت حكم الدولة المصرية والأردنية فكل هذه الأراضي مع أرض فلسطين هي حسب الرؤية التوراتية الأرض التاريخية لليهود استولى عليها الأغيار ويجب استردادها واسترجاعها منهم.

مشروع استيطاني بـ سردية مزعومة!

فـ إسرائيل تستعين بآيات من سفر أشعياء من التوراة المقدسة لتعزيز مشروعها التوسعي الاستيطاني وتوظف الكثير من الآيات الدينية لصناعة مخيال ديني لدى اليهود لتقوية سلطة الدولة ومنحها مشروعية وقبولا سياسيا وأخلاقيا داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه وهذا يعني أن إسرائيل في هذه الحرب وفي كل حروبها مع العرب والمسلمين توظف سردية دينية توراتية وتستعين بالكثير من المفاهيم الدينية التي جاءت في نبوة النبي أشعياء بزوال ملك الأغيار من قبيل القوة واليقظة والمبادرة وعدم التراخي في بناء القوة وعدم الاستكانة وعدم الثقة في الأغيار، وعدم الرضوخ في فترات الضعف والانهاك…
فـ إسرائيل حسب النص التوراتي لها رسالة ومهمة إلاهية لم تكتمل في جيل التأسيس الأول من اليهود وهي موكولة إلى الأجيال القادمة لاستكمالها وانجاز وعد الرب بإجلاء كل الأغيار عن أرض اليهود المزعومة وهي مهمة لم تنته بعد واليوم اليهود الحاليين يتحملون المسؤولية الدينية في استكمال المشروع اليهودي و ما بدأ فيه الأجداد وما تنبأ به النبي اشعياء.

فكرة التأسيس الأولى

وبهذا اتضح أن الخطاب السياسي لقادة إسرائيل هو خطاب ديني يقوم على إيمان وعقيدة توراتية تسجل حضورها بقوة في الكثير من الخروج الإعلامي لـ قادة كيان الاحتلال الصهيوني الذين يعتبرون أنفسهم ينجزون مهمة دينية متروكة أو مؤجلة..
وأن الوقت قد حان لتنفيذها وأن الذاكرة الجماعية لليهود ومخيالهم الجمعي لم ينس البتة فكرة التأسيس الأولى ولم ينس نبوءة النبي أشعياء حينما خاطب بني إسرائيل ووصفهم بأنهم هم أبناء النور وأن الأغيار هم أبناء الظلام ولا يبد أن ينتصر النور على الظلام وأن إسرائيل لن تعرف مستقبلا الخراب في أراضيها في إشارة إلى أن غير اليهود هم الخراب..ومن أجل ذلك فإن اليهود سيقاتلون من أجل كرامة الشعب اليهودي.

في الغالب حينما نتحدث نحن العرب والمسلمين عن أوضاع العالم المستقبلية وحتى عن أوضاعنا وأحوالنا نستبعد التحاليل التي تقوم على الارهاصات أو التنبؤات التي كثيرا ما تحيل على المعطى الديني أو النصوص المقدسة وعلى الثقافة والمخيال الديني ونعتبر ذلك من قبيل الهذيان والفكر الخرافي الذي ولى زمانه أمام التفكير العقلي والفكر المستنير القائم على التحليل العلمي وعلى المعطيات اليقينية لكن مع الحالة اليهودية فإن هذا النوع من النقد يسقط ويتهاوى ولا نجد من يفنده بدعوى أنه تفكير وتكهنات غير علمية خاصة إذا تعلق الأمر بعالم السياسة .
فالرؤية السياسية الإسرائيلية والسلوك اليهودي تجاه غير اليهود من العرب والمسلمين يقوم على سردية دينية صرفة وعلى رؤية مؤسسة على نبوءات دينية مبثوثة في نصوص التوراة وعلى استراتيجية عالمية قوتها الأساسية في هذا المخيال الديني، وهذه السردية المقدسة التي لا تُناقش وإنما تُوضع لها الخطط والبرامج لتنفيذها وتحقيقها..

شعب الله المختار

الصراع اليوم في الشرق الأوسط قائم من وجهة نظر و رؤية دينية تعتبر أن اليهود هم شعب الله المختار الذي وعدهم بالنصر والتمكين، وأن الرب قد أجاز لهم ارتكاب المجازر وقتل الأبرياء من أجل قيام دولة إسرائيل الموعودة وحدودها من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط وحتى أرض المملكة العربية السعودية هي أرض يهودية بما أن اليهود قد استوطنوها في يوم من الأيام، وقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بطردهم منها في الكثير من الحروب التي خاضها معهم…
وهذا يعني أن اليهود يولون كثير بال وكثير اهتمام إلى هذه المعطيات الدينية ويقدرون جيدا نصوصهم الدينية ويؤمنون إيمانا راسخا في نبوءات أنبيائهم بخصوص مستقبل اليهود ومستقبل العالم ونهايته، فـ حرب إسرائيل الأخيرة مع إيران جعلوا منها قدرا محتوما ونبوءة تحققت وهي نبوءة النبي ” حزقيال ” وإسمه في المراجع الإسلامية ذي الكفل له سفر في الكتاب المقدس يحتوي على الكثير من النبوءات في سقوط القدس بما جعل منها حربا روحية وطريقا لخلاص اليهود الوعد الذي أشار إليه أنبياء بني إسرائيل.

رؤية الصراع

المهم في هذا التحليل لرؤية اليهود للصراع الذي يخوضه كيانهم اليوم مع الكثير من ‘قوى الشر’ حسب زعمهم في الرؤية الدينية التوراتية الطاغية بكثافة في أقوال وخطابات وحديث زعمائهم، وهي رؤية مقدمة على كل نظرة استراتيجية واقعية تأخذ بالمعطيات الموجودة على أرض الميدان وحقائق الأمور بما يجعل من الكثير من القضايا الشائكة والكثير من الصراعات تأخذ بُعدا دينيا لدى اليهود وتجعل من تنامي وتوسع دائرة التأثير الديني أكثر خطورة في فهم ما يجري وأكثر صعوبة في فض النزاعات وانهاء الحروب طالما يعتبرها اليهود حروبا دينية مقدسة الرب أهلهم لها ووعدهم بالنصر فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى