صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: هل حقا قانون منع المناولة صعب ويتطلب المزيد من الدراسة؟!

slama
كتب: نوفل سلامة

من القضايا المثيرة للجدل والتي خلفت لغطا كبيرا ونقاشا واسعا واهتمام عموم الرأي العام التونسي ‘المناولة’ أو ما يُعبر عنه بالتشغيل الوقتي بعقود محدودة المدة والأجر…

وهي الطريقة التي عرفها المجتمع التونسي في تسعينات القرن الماضي للتخفيف عن الشركات الخاصة ومؤسسات الدولة أعباءها المالية في مجالات محددة وأعمال بعينها، حُصرت وقتها في أعمال النظافة والبستنة والتكوين والرسكلة، قبل أن يتوسّع نشاط شركات المناولة فتصبح تتحكم تقريبا في عملية التشغيل، وتتحول من شركات إسداء خدمات إلى شركات توظيف في كل الاختصاصات..

إنحراف خطير

ومن هنا ظهرت خطورة هذا الانحراف، وهذا التحول عن الفكرة الأولى والغاية من إنشاء شركات للمناولة ليعرف المجتمع وضعيات تشغيل هشّة ومهينة للعامل وطالب الشغل تقترب أو تضاهي وضعية العبودية والرق، ليتم استغلال العامل تحت وطأة الحاجة وضيق الأفق وانحسار فرص العمل في وظائف يجد أصحابها أنهم يؤدون نفس كمية العمل التي يقوم بها العامل المرسم غير أنهم يتقاضون نصف مرتبه أو أقل منه، بعد أن تقتسم معه شركة المناولة أو تشاركه فيما تحصلت عليه من الجهة المستفيدة من عملة المناولة من مبالغ مالية كان الأجدر والأولى أن يتحصل عليها العامل لو تم التوظيف بصفة مباشرة معه.

افتضح أمرها

هذه الطريقة في التشغيل التي أصبحت توفر يد عاملة تطلبها المؤسسات الخاصة والقطاع العام لم يعد من الممكن المواصلة معها بعد أن افتضح أمرها وانكشف تحايلها في استغلال ثغرات القانون المنظم لها، وتحوّلت من شركات لإسداء خدمات في وظائف وأعمال محصورة ومذكورة بعينها إلى شركات توظيف في كل القطاعات والاختصاصات وحصل الإجماع المجتمعي على خطورتها لكونها تخدم مصالح فئة صغيرة من رجال الأعمال وأصحاب المال والثروة على حساب الكثير من الشباب العاطل والباحث عن عمل يغنيه عن التملق ويقيه مخاطر الحاجة والفقر…

رد الإعتبار

فكان القرار الموفق بإنهاء العمل بعقود المناولة وتجريم هذه الصور من التشغيل الهش والذهاب نحو تنقيح مجلة الشغل في بعض فصولها التي تتعرض إلى المناولة والتشغيل الهش في عملية تشريعية لرد الاعتبار لمعنى العمل وقيمة العامل، وإصلاح العملية التشغيلية التي لم تكن يوما استغلالا ولا إذلالا أو امتهانا وإرجاع الحقوق المعترف بها دوليا للعامل في حصوله على عمل قار و أجر عادل مقابل كمية من العمل يؤديها في ساعات قانونية.

..حصلت الرجة المنتظرة

وحصلت الرجة المنتظرة التي قام بها أعلى هرم السلطة وتقدمت مبادرة تشريعية تمثلت في قانون جديد يُنظم العمل ويجرم المناولة والتوظيف وفق هذه الصيغة وخلنا أن الأمر قد انتهى مع هذه الصور من التشغيل، وخلنا أن المجتمع سوف يطوي صفحة مظلمة من تاريخه في مجال العمل غير أن الانطباع القادم من مجلس نواب الشعب بعد أن تعهدت لجنته للصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة لا يُبشّر بخير بعد أن تحرك أصحاب شركات المناولة وبدأت مقاومتهم للمشروع وبدأت اتصالاتهم وعلاقاتهم تثمر وتحقق بعض النتائج في عرقلة القانون الجديد ومنعه من الصدور على الأقل في المنظور القريب…

مقاومة للقانون الجديد؟

وبدأنا نسمع ونقرأ من يقول بأن مشروع القانون الجديد يطرح عدة إشكاليات ويحتوي على عدة صعوبات ويحتاج إلى المزيد من النقاش ويجب التريث قبل صدوره ضاربين عرض الحائط انتظار ما لا يقل عن 35 ألف عامل مرتبطين بشركات المناولة وآلاف العاملين الآخرين خاضعين إلى عقود محدودة الدخل أو يعملون بعقود هشّة صدور القانون الجديد لتسوية وضعيتهم وإنهاء معاناتهم وخوفهم من أن يجدوا أنفسهم في الشارع وفي وضع البطالة القسرية، بعد أن تنهي شركات المناولة عقودهم وتعوضهم بغيرهم.

من التعلات التي بدأنا نسمعها من داخل البرلمان بعد أن بدأ النظر في المشروع قبل عرضه على الجلسة العامة للمصادقة عليه أن القانون المقدم إليهم يحتوي على عدة إشكاليات وحوله أسئلة كثيرة تتعلق بمصير العدد الكبير من شركات المناولة التي تنقسم إلى شركات إسداء خدمات وأشغال وشركات يد عاملة، وهي تُشغّل حوالي 35 ألف عامل وهو رقم غير محين وأسئلة أخرى حول وضعية العملة الموسميين والعرضيين وكل الذين يؤدون أعمالا ظرفية وأسئلة أخرى حول قدرة الشركات الخاصة والعامة على احتضانهم بصفة نهائية واستيعابهم بعقود دائمة وتامة الموجبات وتحفظ لهم حقوقهم، وأسئلة أخرى حول مصير هذه الشركات وأصحابها بعد أن تغلق أبوابها وينتهي التشغيل وفق صيغة المناولة..

وهذه التحفظات التي نجدها تثار اليوم قد اعتبر أصحابها أن القانون كما هو مقدم اليوم صعب التطبيق ويتطلب المزيد من الدراسة.

الخوف من إحباط المشروع

الخوف اليوم في قدرة القوى التي لا يساعدها ولا يناسبها انهاء العمل بالمناولة على إحباط المشروع الجديد وقدرتها على التأثير لتعطيله ووضع المطبات في طريق صدوره بتعلات مختلفة، والخوف اليوم في ترجيح كفة مصلحة أصحاب هذه الشركات الناشطة في قطاع المناولة على كفة العامل الذي يقع استغلاله من قبل هذه الشركات.
من الواضح اليوم أن مشروع إنهاء العمل بالمناولة يعرف مرحلة حرجة ومخيفة ويعرف معركة تشريعية ومعركة قيم ومبادئ وأخلاق ومعركة بين من يريد الشدّ إلى الوراء والحفاظ على المكاسب، ولو كان ذلك على حساب أصحاب الإنسان ومن يريد إرساء نظام عمل عادل يجد فيه كل مواطن حقوقه المشروعة من دون ظلم ولا حيف ولا تحايل ولا غش…
إنها معركة بين منظومة قديمة متمسكة ومنظومة جديدة تريد الإصلاح واستعادة الوضع السليم واستعادة منظومة العمل صورتها الحقيقية التي تأسست عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى