صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ محمود المسعدي 1911 ـ 2004: رائد الفكر الوجودي في العالم العربي (1)

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

‘الأدب مأساة أو لا يكون’…هذه القولة المأثورة منقوشة في ذاكرة جلّ المدرّسين وخاصة تلاميذ الأقسام النهائية من المرحلة الثانوية وقائلها حاضر يوميا من خلال نصوصه في برامج امتحانات الباكالوريا فإن لم يكن “السد” فـ”حدّث أبو هريرة قال” أو “تأصيلا لكيان” أو’من أيّام عمران’.

هو محمود المسعدي وما أدراك ما المسعدي الذي قال في شأنه عميد الأدب العربي طه حسين:’أسلمت الوجودية على يد محمود المسعدي’، وهو في هذا الصدد يتماهى مع مواطنه عباس محمود العقاد الذي حينما سئل عن الوجودية ردّ :”ثمة الفيلسوف الوجودي الملحد كما ثمة الفيلسوف الوجودي المؤمن الذي يدعو إلى احترام الشخصية الإنسانية وحرية الفرد مع خدمة المجموعة ففي هذا المعنى فأنا وجودي أيضا »…

النشأة

ولد محمود المسعدي بتازركة من ولاية نابل يوم 28 جانفي 1911، كان والده إمام جامع القرية وشاهد عدل بها، حفظ القرآن في ‘الكُتّاب’ قبل أن يلتحق بالمدرسة الصادقية بفرعيها الابتدائي والثانوي والذي تخرّج منه سنة 1932.
يقول المنعّم أحمد الطويلي في العدد الخاص لمجلة الصادقية أفريل 2005: “كم كان يعتز المسعدي بالصادقية ويطرب عند الحديث عنها ولولاها لما كان”.

إلى السوربون بباريس

ثمّ واصل دراسة سنة بمعهد كارنو حيث تحصّل على شهادة الباكالوريا والتي بفضلها تمكن من الالتحاق بجامعة السوربون بباريس حيث حاز سنة 1936 الإجازة في الأدب الفرنسي ثم عاد إليها سنة 1947 لإحراز التبريز في اللغة العربية، وفي الأثناء انخرط في سلك التعليم بمعهد كارنو ثمّ بالمدرسة الصادقية والتحق منذ سنة 1947 بصفّ المدرسين بمعهد الدراسات العليا بتونس.
لقد انخرط المسعدي منذ بواكير شبابه في مسيرة النضال الطلابي ثم النقابي.
إذ أنه حضر وهو تلميذ بالصادقية المؤتمر الأوّل لجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين المنعقد سنة 1931 بالخلدونية ثم عاد إلى رحاب هاته الجمعية عام 1934 ليحاضر هذه المرّة عن إصلاح التعليم في تونس. فلقد كانت هذه المسألة تلازمه منذ ذلك التاريخ وهو الذي كان له شرف تأسيس الجامعة القومية للتعليم سنة 1948 صلب الاتحاد العام التونسي للشغل، ولم يمض على انبعاثه إلا عامان ومن ثمة كانت رِفقته للزعيم فرحات حشاد إلى حين استشهاده عام 1952.

ومن غير حشّاد؟

يقول المسعدي عن هاته العلاقة في حديث لجريدة الشعب بتاريخ 05 ديسمبر 1982 جوابا على سؤال لماذا أهديتم “السدّ” إلى حشاد وهل ثمة رابط بين الزعيم وغيلان بطل الرواية؟
“هل يمكن اختياري عند إصدار “السدّ” أن يقع على غير حشاد وهو الذي تربطني به وشائج العِشرة سنين رفيقين في الكفاح التحريري صلب الاتحاد وتحت راية الحزب والصلة بين فرحات وغيلان هي تلك التي حرّكت هذا وذاك لإرادة خدمة القوم والعمل على إخراجهم من مهانة الحرمان والجدب والاستسلام »…

مسؤوليات نقابية

لقد قضى المسعدي أكثر من ست سنوات في خدمة الشغيلة متحملا مسؤولية عضوية المكتب التنفيذي إلى أن كُلف غداة اغتيال حشاد يوم 05 ديسمبر 1951 بالأمانة العامة فقبلها متحديا قوى الجبروت إذ كتب يومها: ’لقد مات حشاد فليحي الاتحاد’…وبالطبع فقد كان ما ليس منه بدّ وهو الاضطهاد فالنفي يوم 07 ديسمبر 1952 إلى حدود ماي 1953 صحبة رفيقته المناضلة شريفة المسعدي.

صاحب أوّل مشروع للإصلاح

ثم شارك من بعد أن انبلج فجر التحرير في الوفد التونسي في المفاوضات في باريس التي أفضت إلى الاستقلال الداخلي عام 1954 وعيّن سنة 1955 مديرا للتعليم الثانوي بوزارة المعارف ثمّ ارتقى سنة 1958 إلى سدة الوزارة التي مكث فيها عقدا كاملا وهو صاحب أوّل مشروع للإصلاح في تاريخ دولة الاستقلال هذا إلى جانب بعثه للجامعة التونسية عام 1960.
انتخب سنة 1959 عضوا في مجلس الأمة الذي آلت رئاسته له سنة 1981 بعد أن حمل مسؤولية وزارة الثقافة سنة 1973 وهو الذي أسّس مجلة ‘الحياة الثقافية’ عام 1975 فكأني به يريد بعثا جديدا لمجلة ‘المباحث’ التي أسّسها محمد البشروش (1911-1944) سنة 1938 وترأس هو تحريرها من بعد بين سنتي 1944 و1947.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى