صدى المحاكم

نوفل سلامة يكتب: تقديم كتاب ‘الشمس عملاق أحمر’ للدكتور محمد فوزي الدريسي

slama
كتب: نوفل سلامة

في إطار سلسلة ندواتها الرمضانية لهذه السنة نظمت الجمعية التونسية للثقافة والتعدّد التي يرأسها الدكتور محمد ماجول خلفا للدكتور حميدة النيفر، بالاشتراك مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة فكرية يوم الثلاثاء 11 مارس 2025 لـ تقديم كتاب محمد فوزي الدريسي دكتور جراحة الشرايين والقلب ‘الشمس عملاق أحمر’…

فرضيات علمية

وهو كتاب علمي يتناول بالبحث قضية جدلية حولها نقاش كبير بين العلماء والمفكرين تدور حول سؤال إلى أين سائر الكون؟ ومتى وكيف سينتهي هذا العالم الذي نعيش فيه؟ فبعد سؤال نشأة الكون وكيف تشكل في نظامه الحالي، يبحث الكاتب في الفرضيات العلمية التي انتهى إليها العلم الحديث في معرفة أفول هذا العالم ونهاية النظام الكوني ومجموعتنا الشمسية أو ما يعبر عنها في الحقل الديني بأشراط الساعة ويوم القيامة.

لماذا هذا الاهتمام؟

لماذا كتاب حول نهاية الكون؟ ولماذا هذا الاهتمام بموضوع كيف ومتى سينتهي هذا النظام الكوني والحياة فوق الأرض؟ الغاية من وراء ذلك، حسب ما يقول الدكتور الدريسي بيان أن الحقيقة الدينية لا تختلف عن الفرضيات العلمية وما توصل إليه العلم في هذا المجال وبيان أن النظريات العلمية وحقائق العلم لا تتعارض مع صحيح النقل والمعرفة الدينية، فجاء الكتاب مشبع بالكثير من المعلومات الحديثة حول الكون في علاقتها بما أقره الانجيل وما ورد في القرآن من إشارات علمية كثيرة وردت في القرآن الكريم…
ما سعى إليه الكاتب ووفّق فيه هو بيان العلاقة المتينة بين العلم الحديث والنصوص الدينية الإسلامية والمسيحية من منطلق فكرة جوهرية يدور حولها الكتاب وهي أن مخرجات العلم في مجال الفلك وعلوم الكون تصلح لفهم وتفسير الكثير من الآيات القرآنية التي فسرت وفهمت عند العلماء القدامى في غير طريقها وتم إعطاؤها تأويلا وفق ما توصلت إليه المعرفة القديمة…

قضية علمية ودينية

واليوم مع العلم الحديث تفصح عن معاني جديدة وبالتوازي هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون والحياة والوجود والنشأة الأولى ونهاية الكون يمكن أن تفتح للمعرفة العلمية الحديثة آفاقا واسعة لفهم ما غمض في الكون والوجود…

ما أراد إثباته الكاتب أن مخرجات وخلاصات العلم الحديث تتوافق ولا تتناقض مع المعطى الديني ومع الإشارات القرآنية التي اصطلح على تسميتها بالإعجاز العلمي للقرآن فنشأة الكون ونهايته وزواله هي قضية علمية ودينية على حد السواء واليوم لم يعد هناك أي تناقض أو اختلاف بين المجالين في فهم ومعرفة الجواب عن سؤال كيف نشأ الكون وإلى أين هو سائر؟ وما هي النهاية الأكثر قربا من الدين والعلم لهذا النظام الذي نعيش فيه.

المنهج الموضوعي

لمناقشة هذه القضية التي بقيت هاجس الانسان منذ القدم ومجال حيرته في معرفة نهاية العالم، اعتمد الدكتور الدريسي على المنهج الموضوعي والمحوري في فهم معاني القرآن أي أنه جمع كل الآيات القرآنية التي تشكل محورا واحدا أو موضوعا محددا والتي تتحدث عن الخلق ويوم القيامة ونهاية العالم وكل ما اتصل بها وقام بتفسيرها وفهمها وفق آخر ما توصل إليه العلم الحديث وتأويلها بناء على ما تتحمله اللغة العربية في فهم ألفاظ القرآن من دون تعسف على اللفظ أو تحميله ما لا يحتمل مستعينا ببعض المفسرين القدامى، وأساسا تفسير الشيخ الطاهر بن عاشور و بدرجة أقل تفسير الفخر الرازي..

نهاية الكون

وبناء على ذلك اعتبر أن القرآن يحتوي على إشارات مهمة في قضايا علمية هي قيد البحث مثل كيف سينتهي العالم؟ وكيف سيزول هذا النظام الكوني الذي نعيش فيه؟ واعتبر أن العلم والقرآن يتفقان على أن نهاية الكون تكون باحتراق الكون بما في ذلك كوكب الأرض أي أن الحياة فوق الأرض ونهاية كوكب القمر سوف تكون يوم يتعرضان إلى عملية احتراق بمفعول الشمس بعد أن ينفذ مخزونها، وهو حسب العلم في طريقه إلى النفاذ واحتراق مادة الهيدروجين بداخلها وتحولها إلى بالونة كبيرة تلتهم النظام الكوني ثم تنفجر فيحصل الفناء والدمار الهائل الذي يقضي على كل شيء من ذلك أن البحار والمحيطات والجبال سوف تحترق وتنتهي…
هذه الأبحاث العلمية التي تم التوصل إليها لمعرفة متى وكيف يفنى العالم ليس غايتها اثبات أن القرآن صادق، وإنما التأكيد على إمكانية تقديم قراءة تفاهمية وتوافقية بين العلم والدين وأن الإشارات العلمية في الآيات القرآنية يمكن أن نجد لها تفسيرا علميا..
وفي المقابل فإن الكثير من آيات الكون في النص الديني يمكن أن تُعين على فهم ما توصل إليه العلم في مجال الفلك وفي موضوع الحال فإن الفرضية التي يقدمها العلم حول نهاية العالم تنتهي إلى أن الكون له بداية وزمن حدوث وبالتالي فإن كل حادث له نهاية وكل بداية لها نهاية، وهذا يعني أن المجموعة الشمسية التي نعرفها سوف يأتي يوم وتنتهي ولها حياة في طريقها إلى الزوال ونهايتها أن يصبح الشمس بعد نفاد مخزونها من الطاقة عملاقا أحمر ثم ينفجر ومعها ينفجر الكون كله بجميع مكوناته وعناصره.

جسور التفاهم

الإضافة التي قدمها هذا الكتاب هو الروح التي تهيمن عليه والتي تعمل على إنهاء علاقة التوتر بين العلم والدين التي يروج لها الغرب وفكرة التناقض بين المجال العلمي والحقل الديني التي أسس عليها الغرب معرفته وحداثته فجاء هذا الكتاب وربط جسور التفاهم والتوافق بين العقل والنقل وبين والعلم والإيمان، بل زاد أن أكد على أن موضوع نشأة الكون ونهايته هو موضوع مشترك بين الدين والعلم وأن حقائق العلم وإشارات القرآن الكونية يتفقان فيما تم التوصل إليه الى حد الآن وهناك أسئلة أخرى هي مجال البحث العلمي والديني المتواصل.
الإضافة الأخرى أن كتاب الشمس عملاق أحمر قد كشف عن جانب كبير مهم ومخفي في فكر الشيخ الطاهر بن عاشور الذي ابدع بلطائفه وتخريجاته وتأويلاته واختياراته لفهم وتفسير الآيات الكونية الواردة في القرآن وهو جانب مهم عند الشيخ ابرزه الدكتور الدريسي مما يدفع الدارسين والباحثين في المجال الكوني الى اخراج كل ما ذهب إليه الشيخ الطاهر بن عاشور من تفسير وفهم لكل الآيات القرآنية التي تحدثت عن الكون ونشأته ونهايته وافراده في مؤلف مستقل عن تفسيره التحرير والتنوير لقيمة ما توصل إليه الشيخ من توافق بين العلم والقرآن فيما تضمنه من إشارات علمية تناولت موضوع الكون والحياة ونشأة الأرض والكون والإنسان وإشارات أخرى حول كيف ومتى ينتهي العالم .
كتاب الدكتور محمد فوزي الدريسي ‘الشمس عملاق أحمر’ كتاب مهم في مضمونه جدير بالقراءة والمطالعة، وهو فريد في مجاله ينهي القطيعة التي روّج لها الغرب على تنافر الدين عن العلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى