صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ الشيخ علي البراق (1899-1981): قطب الترتيل في الديار التونسية

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

جاء في كتاب ‘تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان’ الصادر عن دار ‘نحن’ للنشر عام 2023 للصديق رشيد بوحولة في فصل صوت سمائي: “هو ليس عبد الباسط عبد الصمد ولا محمد محمود الطبلاوي ولا محمد صديق المنشاوي، هو القيرواني التونسي الشيخ علي البرّاق صاحب الصوت الذي ينشر السكينة والطمأنينة في القلوب، فتصفو النفوس وتتجرّد من متاع الدنيا، تتجاوز المدى وتكشف عن تجليات قدسيّة” ص 120.

البدايات

ولد علي بن أحمد بن الحسين البرّاق بالقيروان في العاشر من شهر ماي من عام 1899.
يقول الصديق المنجي الكعبي في كتابه ‘موسوعة القيروان’: كان والده يمتهن الحلاقة وختان الأطفال ويتعاطى الطب، فكان قبلة المرضى من سكّان المدينة والريف”.
حفظ الفتى القرآن في الكتّاب ولكنّه ابتلي بمرض في عينيه أعاقه عن النّظر فجعل يردّد بالسماع من رفيق له علي عبّان، ثمّ من بعد ذلك أصبح يتردّد على حلقات الذكر، وكان يحضر مع شيخ السلامية محمود الورتاني كلّ يوم جمعة بزاوية سيدي عبد السلام، كما أنّه تعرّف على شيخ المالوف بالقيروان حمودة الزرقه وأخذ عنه، كما أخذ فنّ الترتيل عن الصادق الحمامي مدرّس القراءات بالفرع الزيتوني بالقيروان” ص 453.
ثمّ انتقل إلى الحاضرة لمواصلة التعلّم في مجال القراءات بجامع الزيتونة.

انتقل إلى مدينة تونس

في مدينة تونس تعرّف على الشيخين الطاهر بلاغة وحمودة بوسن، وكان للأوّل مكتب بالحلفاوين يجتمع فيه مشايخ الجامع الأعظم، وقد تحمّل في تلك الفترة خطّة مؤذن بجامع صاحب الطابع، هذا المسجد الحنفي الذي تولى في رحابه المنعّم المقرئ الخطوي دغمان تحفيظ القرآن من سنة 1946 إلى سنة 1986، ثمّ نال الشيخ علي البرّاق شرف افتتاح الإذاعة التونسية يوم 14 أكتوبر 1938 بتلاوة من الذكر الحكيم.

ومنذ ذلك الحين لم ينقطع صوت مقرئنا إلى يوم النّاس، فعلى الرغم من تواجد صفوة من القرّاء عبر الأثير على امتداد تلك الفترة، فبقي البرّاق هو الصوت الذي يرفع باستمرار على مدار الأيّام والأعوام إلى جانب الشيوخ الذين والوه من أمثال عبد المجيد مامغلي وأحمد الشحيمي و عثمان الأنداري والمنذر الجدّي والمختار السقانجي ومحمد صالح بن حميدة وسمير عبد الصمد وعلي دبارة وعيسى الحجلاوي وعبد الجواد محيسن ومحمد أبّوب الركباوي…

يوم نعتّه الصحافة..وهو حي يرزق!

يقول المنعّم أحمد الطويلي في مقال خصّصه لمناقب علي البرّاق في جريدة الحريّة بتاريخ 28 أوت 1997: ” في سنة 1950 قصد البقاع المقدّسة للحجّ وهناك مرض مرضا شديدا ونعتْه الصحافة التونسية وأقيم له مأتم في القيروان وتبيّن فيما بعد أنّه حيّ يُرزق فأصدرت تلك الصحافة تكذيبا.
وفي سنة 1963 حجّ حجّة ثانية ورتّل بالمقام النبوي الشريف آيات من القرآن الكريم فسحر الحجّاج بصوته السحري”.
يذكر رشيد بوحولة ما قاله فيه طه حسين عندما سُئل عمّن يطيب له سماعه: “الشيخ علي البرّاق لأنّ ذلك هو الترتيل الأقرب للأصول التي كان يرتّل بها زمن الرسول”.
كما أنّ كوكب الشرق السيدة أمّ كلثوم أعجبت هي الأخرى بتلاوة البرّاق عند قدومها لتونس واطلاعها على تسجيل القرآن عند زيارتها لشركة النغم. وذلك التسجيل يعدّ من أهمّ آثار قارئ تونس الأوّل إلى جانب تسجيلات الإذاعة الوطنية للأذكار والقصائد النبوية التي كان يؤثّثها بصوته الشجي ضمن فرق السلامية التي انتمى لها وخاصّة فرقة محمد بن محمود ثمّ الابن محمود عزيز.

حكاية مع بورقيبة

يقول المختصّون في العلوم الموسيقية أنّ الترتيل التونسي ورائده علي البرّاق وهو برواية قالون عن نافع يعتمد على مقامات عدّة كالذيل وراست الذيل والماية والأصبهان.
على ذكر الإذاعة أورد الصديق الأستاذ عبد العزيز قاسم المدير الأسبق لهذه المؤسّسة في كتابه الممتع: بورقيبة المستمع الأكبر” الصادر عن دار سيراس عام 2022، هاته الومضة: ” في اليوم الأوّل من شهر رمضان 1401 الموافق للثاني من جويلية 1981 تلقينا أنا وعبد الرزاق الكافي مكالمة من الوزير الأوّل محمد مزالي بشّرنا فيها بأنّه أقنع الرئيس الحبيب بورقيبة بمعيّة إدريس قيقة وزير الداخلية بمردوديّة بثّ الأذان للصلوات الخمس طوال الشهر المبارك وأطلقنا صوت الشيخ علي البرّاق يؤذّن صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشيا.
وفي عشيّة اليوم الرابع وبينما كان الرئيس يستمع إلى برنامج التنمية الريفية انقطع بثّ البرنامج مفسحا المجال لحي على الصلاة فاستغرب المستمع الأكبر وتلفت لنا قائلا ” نبّهوا الهادي التريكي ـ معدّ الحصّة ـ إلى ضرورة الابتعاد عن المساجد أثناء التسجيل حتى لا يختلط الحديث بالآذان”.
ويضيف: ” أدركنا أنّ الرئيس قد نسي تراخيصه أو تراجع عنها وعدنا إلى ما كنّا فيه” ص 121
ثمّ بعد إحالة بورقيبة على التقاعد الجبري عام 1987 عاد الأمر لما كان عليه في مفتتح رمضان بل اتسع إلى كافة الأشهر وصار الشيخ علي البرّاق يردّد صوت الحق في الأرض التي غادرها والتحق بالرفيق الأعلى يوم الرابع من شهر ديسمبر سنة 1981.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى